...............................................................................................................

الثلاثاء، 8 مايو 2018

الأغصان البهية من ص 420 الي ص 444.



الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420
بعضهم ببعض مخافة أن يفروا- وهذا المكان الذي نزلوا فيه بينه وبين المدينة عشرة أيام.
فحمل المسلون عليهم فهربوا في البلاد، وتفرقوا، وبعث عمرو عوفَ بن مالك الأشجعي بريدًا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بقفولهم وسلامتهم وما كان في غزاتهم (1).
9 - وفي هذه السريه أجنب عمرو بن العاص، فتيمم من شدة البرد، فأقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الشرح:
يقول عَمْرُوبن الْعَاصِ - رضي الله عنه -: احْتَلَمْتُ في لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ في غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ فأَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأصحابي الصُّبْحَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ:"يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟ "، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنْ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ الله يَقُولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فضَحِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا (2).
10 - وفي شعبان من هذه السنه: كانت سرية أبي قتادة إلى خَضِرة وهي أرض مُحارب بنجدٍ فغنموا وأسروا.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
ثم سرية أبي قتادة بن ربعي الأنصاري إلى خضرة، وهي أرض
(1) انظر هذه السرية "سيرة ابن هشام"، "الطبقات" 2/ 131، "زاد المعاد" 3/ 340 - 342.
(2) صحيح: أخرجه أبو داود (334)، كتاب: الطهارة، باب: إذا خاف الجنب البرد، أيتيمم؟.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421
* * *
مُحارب بنجد في شعبان سنة ثمان، قالوا: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة، ومعه خمسة عشر رجلاً إلى غطفان، وأمره أن يشنَّ عليهم الغارة، فسار الليل وكمن النهار، فهجم على حاضر منهم عظيم، فأحاط به، فصرخ رجل منهم: يا خضرة! وقاتل منهم رجال، فقتلوا من أشراف لهم، واستاقوا النعم، فكانت الإبل مائتي بعير والغنم ألفي شاة، وسَبَوْا سبيًا كثيرًا، وجمعوا الغنائم، وغابوا في هذه السرية خمس عشرة ليلة (1).
عَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَكُنْتُ فِيهَا، فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَي عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا، فَرَجَعْنَا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا (2).
وقيل: هذه السرية التي ذكرها ابن عمر - رضي الله عنهما - في الحديث المتقدم هي سرية أبي قتادة تلك (3).
11 - وفي شعبان أيضًا من هذه السنة: كانت سرية ابن أبي حَدْرَد إلى الغابة، فقتلوا رئيس القوم، وغنموا.
الشرح:
عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلميِّ قال: تزوجتُ امرأة من قومي فأصدقتها مائتي درهم، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستعينه على نكاحي، فقال: "وكم أصدقْتَ؟ " قلت: مائتي درهم يا رسول الله قال:"سبحان الله، لو كنتم إنما تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتُم! والله ما عندي ما أعينك به".
قال: فلبثتُ أيامًا، وأقبل رجل من بني جُشم بن معاوية يقال له رفاعة بن
(1) "الطبقات الكبرى" مختصرًا.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (4338)، كتاب: المغازي، باب: السرية التي قِبَل نجد، ومسلم (1749)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الأنفال.
(3) انظر:"الطبقات"2/ 132.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422
* * *
قيس، أو قيس بن رفاعة في بطن عظيم من جُشم، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة، يريد أن يجمع قيسًا على حرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم -. قال: وكان ذا اسم وشرف في جُشم، قال: فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجلين من المسلمين فقال: اخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتونا به أو تأتونا منه بخبر وعلم، قال: وقدم لنا شارفًا عَجْفاء، فحُمل عليها أحدنا، فوالله ما قامت به ضعفًا، حتى دعَمَها الرجالُ من خلفها بأيديهم حتى استقلت، وما كادت، ثم قال: تبلغوا على هذه واعتقُبوها.
قال فخرجنا ومعنا سلاحُنا من النبل والسيوف، حتى جئنا قريبًا من الحاضر عُشَيْشِيَة مع غروب الشمس، فكمنتُ في ناحية، وأمرتُ صاحَبيِّ فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم وقلتُ لهما: إذا سمعتماني قد كبَّرْتُ وشددتُ على العسكر، فكَبِّرَا وشُدَّا معي، قال: فوالله إنا لكذلك ننتظر أن نرى غِرَّة أو نُصيب منهم شيئًا، غَشِيَنا الليل حتى ذهَبتْ فحمةُ العشاء، وقد كان لهم راع قد سرح في ذلك البلد، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه، قال: فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس، فأخذ سيفه فجعله في عنقه، ثم قال: والله لأتبعن أثر راعينا هذا ولقد أصابه شر، فقال نفر ممن معه: والله لا تذهب، نحن نكفيك. فقال: والله لا يذهب إلا أنا. قالوا: فنحن معك. قال: والله لا يتبعني منكم أحد، قال: وخرج حتى مر بي، فلما أمكنني نفحته بسهم فوضعته في فؤاده، فوالله ما تكلم، ووثبت إليه فاحترزتُ رأسه، ثم شددت في ناحية العسكر وكبرت، وشد صاحباي وكبرا، فوالله ما كان إلا النجاء ممن كان فيه عندك، بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم وما خف معهم من أموالهم. قال: فاستقنا إبلاً عظيمة وغنمًا كثيرة، فجئنا بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وجئت برأسه أحمله معي. قال: فأعانني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرًا، فجمعت إليَّ أهلي.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423
* * *
وأما الواقدي، فذكر أن محمَّد بن سهل بن أبي حَثْمَة حدثه عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ابن أبي حَدْرَد في هذه السرية مع أبي قتادة، وأن السرية كانت ستة عشر رجلاً، وأنهم غابوا خمس عشرة ليلة، وأن سهمانهم كانت اثني عشر بعيرًا يُعْدَلُ البعير بعشر من الغنم وأنهم أصابوا في وجوههم أربع نسوة، فيهن فتاة وضيئة، فصارت لأبي قتادة، فكلم محمية بن الجزء فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا قتادة عنها فقال: اشتريتها من المغنم، فقال: هَبْها لي، فوهبها له، فأعطاها رسول الله محميةَ بن جزء الزُّبَيْديّ (1).
12 - وفي شعبان من هذه السنة: نقضت قريش عهدها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الشرح:
كما تقدم في صلح الحديبية كان من بنود المعاهدة بين المسلمين والمشركين أنه من أراد أن يدخل في حلف المسلمين وعهدهم دخل فيه ومن أراد أن يدخل في حلف قريش وعهدهم دخل فيه، وأن القبيلة التي تنضم إلى أيِّ من الفريقين تعتبر جزءًا من هذا الفريق، فأي عدوان تتعرض له أي من تلك القبائل يعتبر عدوانًا على ذلك الفريق، وأن خزاعة دخلت في حلف المسلمين، ودخلت بنو بكر في حلف المشركين.
ثم كان من أمر القبيلتين أنه كان بينهما ثأر قديم قبل تلك المعاهدة، فغدرت بنو بكر بخزاعة ولم تحترم المعاهدة، فوثبوا على خزاعة ليلاً بماء يقال له: الوتير، وهو قريب من مكة، وقالت قريش: ما يعلم بنا محمَّد وهذا الليل وما يرانا أحد، فأعانوهم عليهم بالسلاح وقاتل معهم من قاتل بالليل مُستخفيًا،
(1) "تاريخ الطبري" 3/ 20، 21، من رواية بن إسحاق بسند صحيح، لولا عنعنة ابن إسحاق.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424
* * *
حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر: يا نوفل بن معاوية -وهو قائد الجيش- إنا قد دخلنا الحرم! إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة: لا إله اليوم، ثم قال: يابني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟! ولجأت خزاعة إلى دار بُديل بن ورقاء بمكة، وإلى دار مولى له يقال له رافع.
وركب عمرو بن سالم الخزاعيُّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبره الخبر، فوقف أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنشد يقول:
لاهُمَّ إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا (1)
فانصر هداك الله نصرًا أَعْتدا ... وادع عباد الله يأتوا مدد (2)
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"نصرت يا عمرو بن سالم" وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلادهم (3).
13 - وفي شعبان من هذه السنة: جاء أبوسفيان في حرب ليُجَدِدَ العهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرُدَّ عليه.
الشرح:
قال ابن إسحاق - رحمه الله -:
ثم خرج بُديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(1) الأتلد: القديم.
(2) إسناده حسن: أخرجه البيهقي في "الدلائل" 5/ 13 بإسناد حسن إلى أبي هريرة - رضي الله عنه -.
نصرًا أعتدا: أي نصرًا حاضرًا، والمدد: العون.
(3) إسناده حسن: "البداية والنهاية" (312)، من رواية ابن إسحاق بإسناد حسن.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425
* * *
المدينة، فأخبروه بما أصيب منهم، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة.
ومضى بُديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعُسْفان قد بعثته قريش إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليشدَّ العقد، ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي صنعوا، فلما لقي أبو سفيان بُديل بن ورقاء، قال: من أين أقبلت يا بُديل؟ ظنَّ أنه قد أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: تسيرتُ في خزاعة في هذا الساحل، وفي بطن هذا الوادي، قال: أو ما جئت محمدًا؟ قال: لا، فلما راح بُديل إلى مكة، قال: أبو سفيان: لئن كان جاء بُديل المدينة لقد علف بها النوى، فأتى مبرك راحلته، فأخذ من بعرها ففتَّه، فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بُديل محمدًا. ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم - طوته عنه، فقال: يابنيَّة ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وأنت رجل مشرك نجس، ولم أُحب أن تجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، قال: والله لقد اصابك يابنيَّة بعدي شر، ثم خرج حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه فلم يرد عليه شيئًا، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟ فوالله لو لم أجد إلا الذر (1) لجاهدتكم به، ثم خرج فدخل على عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه وعنده فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندها حسن بن عليّ غلام يدبُّ بين يديها فقال: يا عليّ إنك أمسّ القوم بي رحمًا، وإني جئت في حاجة فلا ترجعني كما جئت خائبًا فاشفع لي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - على
(1) الذَّر: صغار النمل.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426
* * *
أمر ما تستطيع أن تكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: يا ابنة محمَّد هل لك أن تأمري بنيَّك هذا فيجير بين الناس فيكون سيِّد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما بلغ بنيَّ ذلك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -, قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، قال: والله ما أعلم لك شيئًا يغني عنك شيئًا, ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مُغْنيًا عني شيئًا؟ قال: لا والله ما أظنه ولكني لا أجد لك غير ذلك، فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره فانطلق، فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمدًا فكلمته، فوالله لم يردَّ علىَّ شيئًا، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد منه خيرًا، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى العدو، ثم جئت عليًّا فوجدته ألين القوم، وقد أشار عليَّ بشيء صنعته، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئًا أم لا؟ قالوا: وبم أمرك؟ قال أمرني أن أُجير بين الناس ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمَّد؟ قال: لا، قالوا: ويلك! والله إن زاد الرجل على أن لعب بك، فما يغني عنك ما قلت، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك. اهـ (1).
14 - وفي رمضان من هذه السنة: أرسل حاطب بن أبي بلتعه كتابًا إلى قريش يخبرهم بمَسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إليهم، فعذره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعفا عنه.
الشرح:
عَنْ جَابِرِ بن عبد الله - رضي الله عنهما - أَنَّ حَاطِبَ بن أبي بَلْتَعَةَ كَتَبَ إلى أَهْلِ مَكَّةَ، يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرَادَ غَزْوَهُم، فَدُلَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا الْكِتَابُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُخِذَ كِتَابُهَا مِنْ رَأْسِهَا، وَقَالَ: "يَا حَاطِبُ أَفَعَلْتَ؟ "، قَالَ:
(1) "سيرة ابن هشام" 4/ 7، 8.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427
* * *
نَعَمْ، أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَا نِفَاقًا، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الله مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ عَزِيزًا بَيْنَ ظَهْرِيهِمْ، وَكَانَتْ وَالِدَتِي مِنْهُمْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَ هَذَا عِنْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَا أَضْربُ رَأْسَ هَذَا؟ قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتَقْتُلُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله - عز وجل - قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ" (1).
وعن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: بَعَثَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ:"انْطَلِقُواحَتَّى تَأتُوا رَوْضَةَ خَاخ فَإنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا"، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنا خَيْلُنَا حَتَّى أتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَينَا بِهِ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بن أبي بَلْتَعَةَ إلى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ الله لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِيني، وَلَاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ الله دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"، فَأَنْزَلَ الله السُّورَةَ: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} إلى
(1) صحيح: أخرجه أحمد (14710) بإسناد صحيح، وله شاهد في "الصحيحين"، كما سيأتي.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428
* * *
قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] (1).
15 - وفي رمضان من هذه السنة: كانت سريةُ أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - إلى إضَمٍ للتمويه على المشركين.
الشرح:
قال ابن سعد - رحمه الله -:
قالوا: لما هَمَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -بغزوة أهل مكة بعث أبا قتادة بن ربعي في ثمانية نفر سرية إلى بطن إضَم، وهي فيما بين ذي خُشُب وذي المروة، وبينها وبين المدينة ثلاثة بُرَد، ليظنَّ ظانٌّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توجه إلى تلك الناحية، ولأن تذهب بذلك الأخبار، وكان في السرية مُحَلِّم بن جثَّامة الليثي، فمرَّ عامر بن الأضبط الأشجعي، فسلَّم بتحية الإِسلام، فأمسك عنه القوم، وحمل عليه محلِّم بن جثامة فقتله وسلبه متاعه وبعيره ووطْب لبن (2) كان معه، فلما لحقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - نزل فيه القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ} [النساء: 94] فمضوا فلم يلقوا جمعًا، فانصرفوا حتى انتهوا إلى ذي خُشُب، فبلغهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد توجَّه إلى مكة، فأخذوا على بين (3)، حتى لقوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسُّقيا (4).
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (4274)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح، وما بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي- صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (2494)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة.
(2) وطْب لبن: وعاء كبير من جلد يُشبه القربة.
(3) بين: قالوا: وادٍ به عين مِن أعراض المدينة.
(4) "الطبقات الكبرى" 2/ 133، والحديث أخرجه أحمد في "مسنده" (23766) عن عبد الله بن أبي حدرد،- بإسناد صحيح، وأخرجه البخاري (4591)، كتاب: التفسير مختصرًا.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429
* * *
16 - وفي رمضان من هذة السنة: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيشه من المدينة لفتح مكه.
الشرح:
عَنْ عبد الله بن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في رَمَضَانَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلى مَكَّةَ (1).
وقد تكتم النبي - صلى الله عليه وسلم - الخبر وحرص على السرية التامة، حتى لا يصل الخبر لقريش فيستعدوا له.
عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ أبا بكر دخل عليها وهي تُغربل حِنطة، فقال: ما هذا؟ أمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجهاز؟ قالت: نعم فتجهزْ، قال: وإلى أين؟ قالت: ما سمَّى لنا شيئًا، غير أنه قد أمرنا بالجهاز (2).
واستخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة أبا رهم كلثوم بن حُصين بن عتبة بن خلف الغفاريَّ (3).
17 - وفي رمضان من هذه السنة: جاء العباس بن عبد المطلب بعياله من مكه مهاجرًا إلى المدينة، فالتقى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بالجُحْفة.
الشرح:
قال ابن إسحاق - رحمه الله -:
وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق.
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (4276)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان، ومسلم (1113)، كتاب: الصيام، باب: جواز الفطر في شهر رمضان للمسافر في غيرمعصية.
(2) إسناده حسن: أخرجه البيهقي في "الدلائل" 5/ 12، وابن كثير في "البداية والنهاية" 4/ 317، من رواية ابن إسحاق في "المغازي" بإسناد حسن.
(3) إسناده صحيح: "سيرة ابن هشام" 4/ 10، بإسناد صحيح.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430
* * *
قال ابن هشام - رحمه الله -:
لقيه بالجحفة مهاجرًا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيمًا بمكة على سقايته، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه راضٍ. فيما ذكر ابن شهاب الزهري (1).
18 - وفي رمضان من هذه السنة: جاء مَخْرمة بن نوفل، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية، فالتقوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأسلموا.
الشرح:
قد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية قد لقيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أيضًا بنيق العُقاب، فيما بين مكة والمدينة، والتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما- وهي أخت عبد الله بن أبي أمية- فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، قال:"لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي قال لي بمكة ما قال" فلما خرج إليهما الخبر بذلك ومع أبي سفيان بنيّ له، فقال: والله ليأذننَّ لي أو لآخذنَّ بيد بنيَّ هذا، ثم لنذهبنَّ في الأرض حتى نموت عطشًا وجوعًا، فلما بلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - رق لهما، ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما (2).
ولقيه مخرمة بن نوفل بنيق العُقاب أيضًا (3).
19 - وفي رمضان من هذه السنة: وقبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة أسلم أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حِزام وبُديل بن ورقاء.
الشرح:
عن عروة بن الزبير قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا،
(1) "سيرة ابن هشام" 4/ 10.
(2) إسناده حسن: أخرجه البيهقي في "الدلائل" 5/ 27، من طريق ابن إسحاق بإسناد حسن، والحاكم (4359)، "الصحيحة" (3341).
(3) "تاريخ الطبري" 3/ 31.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431
* * *
خَرَجَ أبو سُفْيَانَ بن حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بن حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بن وَرْقَاءَ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَأَقْبَلُوَا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ، فَإِذَا هُمْ بنيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ؟ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ بُدَيْلُ بن وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بني عَمْرٍو، فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُم فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ أبو سُفْيَانَ (1).
وفي رواية: عن عروة أن حكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء ذهبا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أبي سفيان فأسلما (2).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بمَرِّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ: وَاللهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ عَنْوَةً قَبلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوة إِنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ، فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي أَهْلَ مَكَّةَ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لِيَخْرُجُوا إِلَيْهِ، فَيَسْتَأْمِنُوهُ فَإِنِّي لَأَسِيرُ إِذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أبي سُفْيَانَ، وَبُدَيْلِ بن وَرْقَاءَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أبو الْفَضْلِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا لَكَ فِدَاكَ أبي وَأُمِّي؟! قُلْتُ: هَذَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالنَّاسُ، قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَسْلَمَ، فقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: "نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أبي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيهِ دارَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ"، قَالَ: فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إلى دُورِهِمْ وإلَى الْمَسْجِدِ (3).
فقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لِلْعَبَّاسِ:"احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ خطم الجبل حَتَّى يَنْظُرَ إلى
(1) انظر:"صحيح البخاري" (4280) من مرسل عروه.
(2) انظر: "البداية والنهاية" 4/ 324.
(3) حسن: أخرجه أبو داود (3022)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في خبر مكة، وحسنه الألباني.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432
* * *
الْمُسْلِمِينَ"، فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ، فَجَعَلَتْ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -، تَمُرُّ كَتِيبَةً كَتِيبَةً عَلَى أبي سُفْيَانَ، فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ، قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ، قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ، ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، قَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بن هُذَيْمٍ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا، قَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بن عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بن عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أبو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ (1)، ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهِيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابُهُ، وَرَايَةُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - مَعَ الزُّبَيرِ بن الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِأبي سُفْيَانَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بن عُبَادَةَ؟ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "مَا قَالَ؟ "، قَالَ: كَذَا وَكَذا، فَقَالَ: "كَذَبَ سَعْدٌ (2)، وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ الله فِيهِ الْكَعْبَةَ، وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ"، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُة بِالْحَجُونِ (3).
وقيل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الراية من سعد بن عبادة فدفعها إلى ابنه قيس، ثم كلم سعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ الراية من ابنه قيس مخافة أن يقع في خطأ، فأخذها منه (4).
20 - وفي رمضان من هذه السنة: بعد العصر، لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُراع الغميم أفطر على راحلته ليراه الناس.
الشرح:
عَنْ جَابِرِ بن عبد الله - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَامَ الْفَتحِ إلى مَكَّةَ في
(1) يوم الذِّمار: أي يوم الهلاك.
(2) كذب سعد: بمعنى أخطأ سعد.
(3) الحجون: موضع بقرب مقابر مكة، المصدر قبل السابق.
(4) "مختصر زوائد البزار" (248)، وقال ابن حجر: صحيح.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433
* * *
رَمَضانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ، فَصَامَ النَّاسُ، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ".
وفي رواية: أنه قِيلَ للنبى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصرِ (1).
ولَمْ يَزَلْ النبي - صلى الله عليه وسلم - مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ (2).
وعن أنس: لَمَّا اسْتَوَى النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ إلى النَّاسِ، فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا (3).
21 - وفي رمضان من هذه السنة: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة فاتحًا منصورًا مؤيدًا.
الشرح:
ثم جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - جيشه استعدادًا لدخول مكة، فقسم الجيش وجعل خالد بن الوليد رضي الله عنه على المَجنِّبة اليمنى، والزبير بن العوام - رضي الله عنه - على المَجنِّبة اليسرى، وجعل أبا عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - على الرجالة الذين هم في آخر الجيش (4).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1114)، كتاب: الصيام، باب: جواز الفطر في شهر رمضان للمسافر في غيرمعصية.
كُراع الغميم: تبعد عن المدينة 301 كم وعن مكة 86 كم.
(2) صحيح: أخرجه البخاري (4275)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان.
(3) صحيح: أخرجه البخاري (4277)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الفتح في رمضان.
(4) صحيح: أخرجه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434
* * *
ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أَبَا هُرَيْرَةَ أن يجمع له الْأَنْصَارَ، فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ (1)؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا"، ثم قال بيده -أي: أشار- وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ (2).
ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد أن يأخذ بطن الوادي أسفل مكة (3)، وقام بتوزيع الزبير بن العوام وأبا عبيدة - رضي الله عنهما - (4).
وسار النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - ناحية كَدَاءٍ (5) الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ (6)، وواعدهم أن يوافوه عند جبل الصفا، وَقَالَ: "مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا".
يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - فَانْطَلَقْنَا، فَمَا شَاءَ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا إِلَّا قَتَلَهُ، وَمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَجِّهُ إِلَيْنَا شَيْئًا (7).
ويُذكر أنَّ صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعوا ناسًا بمكان يقال له: الخندمة؛ ليقاتلوا، وكان رجل اسمه حِماس بن قيس بن خالد يُعدُّ سلاحًا قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلح منهم، فقالت له: امرأته: لماذا تُعدُّ ما أرى؟ قال لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه
(1) أوباش قريش: أي جموع قريش.
(2) صحيح: التخريج السابق.
(3) صحيح: التخريج السابق.
(4) صحيح: أخرجه أبو داود (3024)، كتاب: الجهاد، باب: ما جاء في خبر مكة، وصححه الألباني.
(5) كَداء: جبل بأعلى مكة.
(6) صحيح: أخرجه البخاري (4290)، كتاب: المغازي، باب: دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مكة.
(7) صحيح: الحديث قبل السابق.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435
* * *
شيء، قال: والله إني لأرجوا أنْ أُخْدمَكِ بعضهم (1)، ثم أنشد يقول:
إنْ يُقبِلوا اليوم فما لي عِلَّهْ ... هذا سلاحٌ كاملٌ وأَلَّهْ (2)
وذو غِرارين سريع السَّلَّة (3)
ثم شهد حِماس هذا الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل ومن معهم، فهزمهم المسلمون، وقتلوا منهم (4)، وفرَّ حماس هذا حتى دخل بيته، ثم قال لامرأته: أغلقي علىَّ بابي، قالت: فأين ما كنت تقول؟ فقال:
إنكِ لوشهدتِ يومَ الخندمة ... إذ فرَّ صفوانُ وفرَّ عِكرمهْ
وأبو يزيد قائمٌ كالمؤتمهْ (5) ... واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
يَقْطَعْنَ كلَّ ساعدٍ وَجُمْجُمهْ ... ضربًا فلا يُسْمعُ إلا غَمغَمة (6)
لهم نَهيتٌ خَلْفَنا وهَمْهَمَهْ ... لم تنطقي في اللَّوم أدنى كلمة (7)
(1) أي نتخذ بعضهم عبيدًا لنا.
(2) الأَلَّة: الحربة لها سنان طويل.
(3) ذو غِرارين: يعني به سيفًا، والغرار: الحدُّ.
(4) ذكر ابن إسحاق أن عدد قتلى المشركين في هذه الوقعة كان قريبًا من اثني عشر رجلاً، وذكر موسى بن عقبة أنهم بلغوا أربعة وعشرين.
(5) المؤتمة: هي التي قُتل زوجها فبقي لها أولاد أيتام.
(6) الغمغمة: أصوات الرجال في الحرب.
(7) "سيرة ابن هشام" 4/ 14، 15، من رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح وعبد الله بن أبي بكر مرسلاً.
النهيت: نوع من صياح الأسد، والهمهمة: صوت في الصدر.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436
* * *
وقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلَانِ، هما: حُبَيْشُ بن الْأَشْعَرِ، وَكُرْزُ بن جابِرٍ الْفِهْرِيُّ (1).
ودَخَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ فاتحًا منتصرًا دون أدنى مقاومة تُذكر، وَكان على رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ (2)، وكانت رَايَةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين دخوله سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ (3)، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أعلى مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَهُوَ يَقْرَأ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ (4). وكان مُردِفًا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَمَعَهُ عُثْمَانُ بن طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ (5)، حَتَّى أَنَاخَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَ عثمان بن طلحة أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلَالٌ وَعُثْمَانُ بن طلحة، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ، فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، وَكَانَ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلَالًا وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلى (6).
(1) صحيح: أخرجه البخاري (4280)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح.
(2) صحيح: أخرجه البخاري (4286)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي الراية يوم الفتح.
المغفر: واقي الرأس، الذي يلبسه الفرسان في الحروب.
(3) صحيح: أخرجه ابن ماجه (2818)، كتاب: الجهاد، باب: الرايات والألوية.
(4) متفق عليه: أخرجه البخاري (4281)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، ومسلم (794)، كتاب: صلاة المسافرين، باب: ذكر قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة الفتح يوم فتح مكة.
الترجيح: ترديد الحرف في الحلق.
(5) الحجبة: الذين معهم مفتاح الكعبة.
(6) متفق عليه: أخرجه البخاري (2988)، كتاب: الجهاد والسير، باب: الردف على الحمار، ومسلم (1329)، كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437
* * *
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه صَلَّى ركْعَتَيْنِ (1).
وقام النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالدَعَاء في نَوَاحِيهِا كُلِّهَا (2).
ولم يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت، ولم يُصل فيه إلا بعد أن طهره من كل مظاهر الشرك، من أوثان وصور وغير ذلك.
فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحطيم الأصنام، وتطهير البيت الحرام منها، وشارك هو بنفسه في ذلك.
وَكان حَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ صنم، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ في يَدِهِ، وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيد" (3).
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أَتَى عَلَى صَنَمٍ إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَفِي يَدِه قَوْسٌ، وَهُوَ آخِذٌ بِسِيَةِ الْقَوْسِ (4)، فَلَمَّا أَتَى عَلَى الصَّنَمِ جَعَلَ يَطْعُنُهُ في عَيْنِهِ، وَيَقُولُ: "جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ" (5).
وفي رواية: عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل يطعنها وهو يقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا
(1) صحيح: أخرجه أبو داود (2026)، كتاب: المناسك، باب: الصلاة في الكعبة، وصححه الألباني.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (4288)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، ومسلم (1330)، كتاب: الحج، باب: استحباب دخول الكعبة.
(3) متفق عليه أخرجه البخارى، (4287)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح، ومسلم (1781)، كتاب: الجهاد والسير، باب: إزالة الأصنام من حول الكعبة.
(4) سِيَة القوس: أي طرفه.
(5) صحيح: أخرجه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438
* * *
{يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} [سبأ: 49] (1).
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: دخلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا تُعبد من دون الله قال: فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكُبَّت كلها لوجوهها، ثم قال: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فصلى ركعتين، فرأى فيه تمثال إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها (2)، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "قاتلهم الله، ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام" ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزعفران فلطخه بتلك التماثيل (3).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دخل مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الْآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأُخرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِسْمَاعِيلَ في أَيْدِيهِمَا مِنْ الْأَزْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "قَاتَلَهُم الله لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ" (4).
وعن صفية بنت شيبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج
(1) متفق عليه: التخريج قبل السابق.
(2) الأزلام: مفردها زلم، بفتح الزاي أو ضمها، وهي الرماح، فكان أهل الجاهلية إذا كان الواحد منهم مقبلاً على أمر مهم جاء برماح ثلاثة مكتوب على أحدها: (افعل)، والآخر (لاتفعل)، والثالث ليس عليه شيء، أو مكتوب على أحدها: (أمرني ربي)، والآخر (نهاني ربى)، والثالث ليس عليه شيء، ثم وضعها في شيء، ثم يمدُّ يده فيخرج أحدها، فإذا خرج سهم الأمر، فعله، وإذا خرج سهم النهي، تركه، وإن طلع الفارغ، أعاد، والاستقسام: مأخوذ من طلب القَسْم من هذه الأزلام.
(3) حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (18751)، وحسنه ابن حجر في "المطالب العالية" (4364)، وله شواهد مما تقدم، وانظر الحديث الآتي.
(4) صحيح: أخرجه البخاري (4288)، كتاب: المغازي، باب: أين ركز النبي - صلى الله عليه وسلم - الراية يوم الفتح.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439
* * *
حتى جاء البيت، فطاف به سبعًا على راحلته، يستلم الركن بمِحْجَن (1) في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففُتحت له، فدخلها فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكفَّ (2) له الناس في المسجد (3).
وعن جَابِر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ عُمَرَ بن الْخَطَّاب - رضي الله عنه - زَمَنَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، أَنْ يَأْتِيَ الْكَعْبَةَ فَيَمْحُوَ كُلَّ صُورَةٍ فِيهَا، فلَمْ يَدْخُلْها النبي - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى مُحِيَتْ كُلُّ صُورَةٍ فِيهِا.
وفي رواية: فَبَلَّ عُمَرُ ثَوْبًا وَمَحَاهَا بِهِ (4).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ، وَصُورَةَ مَرْيَمَ، فَقَالَ: "أَمَا لَهُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ" (5).
وهكذا تم تطهير البيت العتيق من مظاهر الوثنية وأوضار الجاهلية، ليعود كما أراد له الله تعالى وكما قصد ببنائه إبراهيم وإسماعيل، مكانًا لعبادة الله وتوحيده، ولا شك أن تطهير البيت من الأصنام كان أكبر ضربة للوثنية في أرجاء الجزيرة العربية حيث كانت الكعبة أعظم مراكزها (6).
النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس بعد الفتح:
عن عَمْرِو بن حُرَيْثٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ
(1) المِحْجَن: عود مِعْوَجُّ الطرف، يمسكه الراكب للبعير في يده.
(2) استكفَّ الناس: أي: اجتمعوا.
(3) إسناده حسن: أخرجه ابن هشام في "السيرة" عن ابن إسحاق بإسناد حسن.
(4) صحيح: أخرجه أحمد 3/ 335، 3/ 396، وأبو داود (4156)، كتاب: اللباس، باب: في الصور، وصححه الألباني.
(5) صحيح: أخرجه البخاري (3351)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)} [النساء: 125].
(6) "السيرة النبوية الصحيحة" 2/ 483، 484.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440
* * *
سَوْدَاءُ، قد أرخى طرفيها بين كتفيه (1).
وعَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَامَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهُوَ عَلَى دَرَجِ الْكَعْبَةِ، فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، فَقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ, وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تذكر وتدعى من دَمٍ أو مال تَحْتَ قَدَمَيَّ، إِلَّا مَا كَانَ وسِدَانَةِ الْبَيْتِ، ألا إن دية الخطإ شبه العمد، ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها" (2).
وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بني لَيْثٍ، عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: "إِنَّ الله حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَه وَالْمُؤْمِنِون، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْبط (3) شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا (4)، وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَّا مُنْشِدٍ، ومَنْ قُتِلَ له قتيل فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ (5))، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يقال له: أبو شاة، فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "اكْتُبُوا لأِبي شاة" (6).
وعَنْ أبي شُرَيْحٍ العدوي أن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خطب يَوْمَ الغد من فَتْحِ مكة، فحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1359)، كتاب: الحج، باب: جواز دخول مكة بغير إحرام.
(2) حسن: أخرجه أبو داود (4547)، كتاب: الديات، باب: الدية كم هي؟، وابن ماجه (2628)، كتاب: الحدود، باب: دية شبه العمد.
(3) يخبط: أي يُضرب بالعصا ليقع.
(4) يُعضد: يقطع.
(5) بخير النظرين: أي إما أن يقبل الدية، وإما أن يُقاد من القاتل.
(6) متفق عليه: أخرجه البخاري (112)، كتاب: العلم، باب: كتابة العلم، ومسلم (1355)، كتاب: الحج، باب: تحريم مكة.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441
* * *
لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْأخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا: فَقُولُوا له: إِنَّ الله قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ" (1).
وقال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (2).
وعن عبد الله بن مُطِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا يُقْتَلُ قُرَشِيٌّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (3).
وعَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى الله وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى الله، وَالنَّاسُ بنو آدَمَ، وَخَلَقَ الله آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} " [الحجرات: 13] (4).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ: "لَا هِجْرَةَ بعد
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (104)، كتاب: العلم، باب: ليبلغ الشاهد الغائب، ومسلم (1354)، كتاب: الحج، باب: تحريم مكة.
(2) صحيح: أخرجه الترمذي (1611)، كتاب: السير، باب: ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، وقال: حسن صحيح، "الصحيحة" (2427).
(3) صحيح: أخرجه مسلم (1782)، كتاب: الجهاد والسير، باب: لا يقتل قرشي صبرًا بعد الفتح.
(4) صحيح: أخرجه الترمذي (3270)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الحجرات, وصححه الألباني.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442
* * *
الفتح، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ, وَإِذَا اسْتُنْفِزتُمْ فَانْفِرُوا"، ثم ساق ابن عباس خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو حديث أبي هريرة في تحريم مكة وشجرها ونباتها، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ الله إِلَّا الْإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ (1)، وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِلَّا الْإِذْخِرَ" (2).
وعَنْ جَابِرِ بن عبد الله - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: "إِنَّ الله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؟ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ, وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ (3)، فَقَالَ: "لَا هُوَ حَرَامٌ"، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ الله الْيَهُودَ إِنَّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ (4)، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ" (5).
وبعد ذلك مضى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الصفا حيث واعد قوَّاد جيشه هناك، فلما أتى الصفا علا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله، ويدعو بما شاء أن يدعوا، وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا، فَجَاءَ أبو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ (6)، فقَالَ
(1) قينهم، بفتح القاف: الحداد والصائغ، وهم يحتاجون إليه في وقود النار.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (1349)، كتاب: الجنائز، باب: الإذخر والحشيش في القبر، ومسلم (1353)، كتاب: الحج، باب: تحريم مكة، وفي رواية قال العباس: ولقبورهم.
(3) يستصبح بها الناس: أي يوقدون بها مصابيحهم.
(4) جملوه: أي: أذابوه.
(5) متفق عليه: أخرجه البخاري (2236)، كتاب: البيوع، باب: بيع الميتة والأصنام، ومسلم (1581)، كتاب: المساقاه, باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
(6) خضراء قريش: أي جماعتهم، ويعبَّر عن الجماعة المجتمعة بالسواد والخضرة، ومنه السواد الأعظم. (نووي).
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443
* * *
رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ دَخَلَ دَارَ أبي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ" (1).
فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ: أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ، وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ، وجاء الْوَحْيُ، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرْفه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الأنصار" قالوا: لبيك يا رسول الله، قَالَ: "قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فأدركته رَغْبَةٌ فِي قَرْيَتهِ"، قالوا: قد كان ذلك، قال: "كلا إني عبد الله وَرَسُولِهِ، هَاجَرْتُ إِلَى الله وَإِلَيْكُمْ، فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ"، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: وَاللهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ (2)، قَالَ: "إنَّ الله وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ، وَيَعْذِرَانِكُمْ"، فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان وأغلق الناس أبوابهم (3).
ورغم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّن أهل مكة جميعهم إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - استثنى ستة نفر، أهدر دماءهم.
عَنْ سَعْدِ بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خَطَل، ومِقَيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فأما عبد الله بن خَطَل فأُدرك وهو متعلق
(1) الذي يظهر من الروايات الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذه الكلمة مرتين، مرة حينما جاء أبو سفيان مسلمًا، وهذه المرة عند الصفا, ولا تعارض في ذلك. والله أعلم.
(2) ضنًّا بالله ورسوله: أي حرصًا عل وجودك عندنا ومصاحبتك، فالضنُّ بالشيء الحرص عليه.
(3) صحيح: أخرجه مسلم (1780)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فتح مكة.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق