الفصل الخامس: في مراتب البيان للأحكام
وهي خمسة بعضها أوضح من بعض الأول: بيان التأكيد، وهو النص الجلي الذي لا يتطرق إليه تأويل، كقوله تعالى في صوم التمتع: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} 1. وسماه بعضهم بيان التقرير: وحاصله: أنه في الحقيقة التي تحتمل المجاز والعام المخصوص، فيكون البيان قاطعا للاحتمال، مقررا للحكم على ما اقتضاه الظاهر. الثاني: النص الذي ينفرد بإدراكه العلماء، كالواو وإلى في آية الوضوء2. فإن هذين الحرفين مقتضيان لمعانٍ معلومة عند أهل اللسان. الثالث: نصوص السنة الواردة بيانا لمشكل في القرآن، كالنص على ما يخرج عند الحصاد مع قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } 3 ولم يذكر في القرآن مقدار هذا الحق. __________ 1 جزء من الآية 196 من سورة البقرة. 2 وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...} الآية، سورة المائدة 6. 3 جزء من الآية 141 من سورة الأنعام. (2/23) الرابع: نصوص السنة المبتدأة، مما ليس في القرآن نص عليها "لا"* بالإجمال، ولا بالتبيين، ودليل كون هذا القسم من بيان الكتاب قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1. الخامس: بيان الإشارة، وهو القياس المستنبط من الكتاب والسنة، مثل الألفاظ التي استنبطت منها المعاني، وقيس عليها غيرها؛ لأن الأصل إذا استنبط منه معنى، وألحق به غيره، لا يقال لم يتناوله النص، بل تناوله؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشار إليه بالتنبيه، كإلحاق المطعومات في باب الربويات بالأربعة المنصوص عليها2؛ لأن حقيقة القياس: بيان المراد بالنص، وقد أمر الله سبحانه وتعالى أهل التكليف بالاعتبار والاستنباط والاجتهاد. ذكر هذه المراتب الخمس للبيان الشافعي في أول "الرسالة". وقد اعترض عليه قوم، وقالوا: قد أهمل قسمين، وهما الإجمال، وقول المجتهد إذا انقرض عصره، وانتشر من غير نكير. قال الزركشي في "البحر": إنما أهملهما الشافعي؛ لأن كل واحد منهما إنما يتوصل إليه بأحد الأقسام الخمسة التي ذكرها الشافعي؛ لأن الإجماع لا يصدر إلا عن دليل، فإن كان نصًّا فهو من الأقسام الأول، وإن كان استنباطا فهو الخامس. قال ابن السمعاني: يقع بيان المجمل بستة أوجه: أحدها: بالقول، وهو الأكثر. والثاني: بالفعل. والثالث: بالكتاب، كبيان أسنان الديات، وديات الأعضاء، ومقادير الزكاة، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها بكتبه المشهورة. والرابع: بالإشارة، كقوله: "الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا" 3 يعني ثلاثين يوما، ثم أعاد __________ * في "أ": ولا. __________ 1 جزء من الآية 7 من سورة الحشر. 2 أخرجه مسلم عن أبي هريرة بلفظ: "الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح يدا بيد وزنا بوزن، فمن زاد أو أزداد فقد أربى إلا ما اختلف ألوانه" كتاب المساقاة باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقدا 1588. والنسائي، كتاب البيوع، باب بيع الدرهم بالدرهم 7/ 278. وأحمد في مسنده 2/ 262. وأبو يعلى في مسنده 6107. والشافعي في الرسالة فقرة 759. وابن حبان في صحيحة عن أبي الأشعث 5015. وأبو داود أيضًا عن أبي الأشعث، كتاب البيوع، باب في الصرف 3349. 3 تقديم تخريجه في الصفحة 1/ 188. (2/24) الإشارة بأصابعه ثلاث مرات، وحبس إبهامه في الثالثة، إشارة إلى أن الشهر قد يكون تسعة وعشرين. الخامس: بالتنبيه، وهو المعاني والعلل التي نبه بها على بيان الأحكام، كقوله في بيع الرطب بالتمر: "أينقص الرطب إذا جف" 1، وقوله في قبلة الصائم: "أرأيت لو "تمضمضت * " 2. السادس: ما خص العلماء بيانه عن اجتهاد، وهو ما فيه الوجوه الخمسة، إذا كان الاجتهاد موصلا إليه من أحد وجهين، إما من أصل يعتبر هذا الفرع به، وإما من طريق أمارة تدل عليه. وزاد شارح "اللمع" وجها سابعا، وهو البيان بالترك، كما روي "أن أخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار"3. قال الأستاذ أبو منصور: قد رتب بعض أصحابنا ذلك، فقال: أعلاها رتبة ما وقع من الدلالة بالخطاب، ثم بالفعل، ثم بالإشارة، ثم بالكتابة، ثم بالتنبيه على العلة. قال: ويقع بيان من الله سبحانه وتعالى بها كلها خلا الإشارة. انتهى. قال الزركشي: لا خلاف أن البيان يجوز بالقول، واختلفوا في وقوعه بالفعل، والجمهور على أنه يقع بيانا، خلافا لأبي إسحاق المروزي منا، والكرخي من الحنفية، حكاه الشيخ أبو إسحاق في "التبصرة". انتهى. ولا وجه لهذا الخلاف، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ الصلاة والحج بأفعاله، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 4. "حجوا كما رأيتموني أحج" 5. "وخذوا عني مناسككم" 6 ولم يكن لمن منع من ذلك متمسك، لا من شرع ولا من عقل، بل مجرد مجادلات ليست من الأدلة في شيء. __________ * في "أ": تمضمض. __________ 1 تقديم تخريجه في الصفحة 1/ 155. 2 أخرجه أبو داود من حديث عمر بن الخطاب، كتاب الصوم، باب القبلة للصائم 2385. والنسائي في الكبرى 8/ 17.والبيهقي في السنن 4/ 218. وأحمد في مسنده 1/ 21. وابن حبان في صحيحة 3544. وابن أبي شيبة 3/ 60. والحاكم في المستدرك 1/ 431. والدارمي 2/ 13. 3 أخرجه مسلم من حديث أبي رافع بلفظ: "أهديت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شاة، فشوي له بطنها، فأكل منها، ثم قام يصلي ولم يتوضأ"، كتاب الحيض، باب نسخ الوضوء مما مست النار 357. وابن أبي شيبة 481. والبيهقي 1/ 154. والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 66. وابن حبان في صحيحة 1149. 4 تقدم في الصفحة 1/ 105. 5 لم أجده بهذا اللفظ. 6 تقدم تخريجه في الصفحة 1/ 105. (2/25) وإذا ورد بعد المجمل قول وفعل، وكل واحد منهما صالح لبيانه، فإن اتفقا وعلم سبق أحدهما فهو البيان، قولا كان أو فعلا، والتالي تأكيد له. وقيل: إن المتأخر إن كان الفعل لم يحمل على التأكيد؛ لأن الأضعف لا يؤكد الأقوى، وإن جهل المتقدم منهما فلا يقضى على واحد منهما بأنه المبين بعينه بل يقضي البيان بحصول البيان بواحد منهما لم نطلع عليه، وهو الأول في نفس الأمر. وقيل: يكونان بمجموعهما بيانا، قيل: هذا إذا تساويا في القوة، فإن اختلفا فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم ورودا، وإلا لزم التأكيد بالأضعف، هذا إذا اتفق القول والفعل. أما إذا اختلفا، فذهب الجمهور أن المبين هو القول، ورجح هذا فخر الدين الرازي، وابن الحاجب، سواء كان متقدما أو متأخرا، ويحمل الفعل على الندب؛ لأن دلالة القول على البيان بنفسه، بخلاف الفعل، فإنه لا يدل إلا بواسطة انضمام القول إليه، والدال بنفسه أولى. وقال أبو الحسين البصري: المتقدم منهما هو البيان، كما في صورة إتفاقهما. (2/26) الفصل السادس: في تأخير البيان عن وقت الحاجة اعلم: أن كل ما يحتاج إلى البيان، من مجمل، وعام، ومجاز، ومشترك، وفعل متردد، ومطلق، إذا تأخر بيانه فذلك على وجهين: الأول: أن يتأخر عن وقت الحاجة، وهو الوقت الذي إذا تأخر البيان عنه لم يتمكن المكلف من المعرفة لما تضمنه الخطاب، وذلك في الواجبات الفورية لم يجز؛ لأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به ممتنع عند جميع القائلين بالمنع من تكليف ما لا يطاق. وأما من جوز التكليف بما لا يطاق، فهو يقول بجوازه فقط، لا بوقوعه، فكان عدم الوقوع متفقا عليه بين الطائفتين، ولهذا نقل أبو بكر الباقلاني إجماع أرباب الشرائع على امتناعه. قال ابن السمعاني: لا خلاف في امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى الفعل، ولا خلاف في جوازة إلى وقت الفعل؛ لأن المكلف قد يؤخر النظر، وقد يخطئ إذا نظر، "فهذا الضربان"* لا خلاف فيهما. انتهى. الوجه الثاني: تأخيره عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل، وذلك في الواجبات التي ليست بفورية، حيث يكون الخطاب لا ظاهر له، كالأسماء المتواطئة، والمشتركة، __________ * في "أ": فهذانك القربان. وقال في هامش "أ": كذا بالأصل ولعله الصواب: فهذانك القدران. (2/26) أو له ظاهر، وقد استعمل في خلافة، كتأخر التخصيص، والنسخ، ونحو ذلك. وفي ذلك مذاهب: الأول: الجواز مطلقًا. قال ابن برهان: وعليه عامة علمائنا، من الفقهاء، والمتكلمين، ونقله ابن فورك، والقاضي أبو الطيب، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن السمعاني، عن ابن سريج، والإصطخري، وابن أبي هريرة، وابن خيران، والقفال، وابن القطان، والطبري، والشيخ أبي الحسن الأشعري، والقاضي أبي بكر الباقلاني، ونقله القاضي في "مختصر التقريب" عن الشافعي، واختاره الرازي في "المحصول"، وابن الحاجب، وقال الباجي: عليه أكثر أصحابنا، وحكاه القاضي عن مالك. واستدلوا بقوله سبحانه: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 1، وثم للتعقيب مع التراخي، وقوله تعالى في قصة نوح: {وأهلك} 2 وعمومه تناول ابنه، وبقوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} 3، ثم لما سال ابن الزبعرى4 عن عيسى والملائكة نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} 5، الآية، وبقوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَه} 6 لم يبين بعد ذلك أن السلب للقاتل7، وبقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} 8. ثم وقع بيانها بعد ذلك بصلاة جبريل، وبصلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ9، وبقوله تعالى: __________ 1 الآيتان 18، 19من سورة القيامة. 2 جزء من الآية 40 من سورة هود عليه السلام. 3 جزء من الآية 98 من سورة الأنبياء. 4 هو عبد الله بن الزبعرى، أبو سعد، كان شاعر قريش في الجاهلية، وكان شديدا على المسلمين، هرب إلى نجران عند فتح مكة، ثم أسلم واعتذر إلى سيدنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومدحه بقصيدة فأمر له بحلة، توفي سنة خمس عشرة هـ. ا. هـ الإصابة 2/ 300 الأعلام 4/ 87. 5 جزء من الأية 101 من سورة الأنبياء. 6 جزء من الأية 41 من سورة الأنفال. 7 أخرجه البخاري عن أبي قتادة بلفظ: "من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه" كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب...3142 وكتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْن...} رقم 4321 و4322 كتاب الأحكام، باب الشهادة تكون عند الحاكم 7170. مسلم كتاب الجهاد، باب استحقاق القاتل سلب القتيل 1751 وأبو داود، كتاب الجهاد، باب في السلب يعطي القاتل 2717. والترمذي مختصرا، كتاب السير، باب ما جاء فيمن قتل قتيلا فله سلبه 1562. والبيهقي في السنن كتاب جماع أبواب القتال، باب السلب للقاتل 6/ 306. وابن حبان في صحيحه 4805. والإمام أحمد مختصرا 5/ 295 8 جزء من الآية 110 من سورة البقرة. 9 أخرجه البخاري من حديث أبي مسعود بلفظ: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "نزل جبريل فصلى فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، فحسب بأصابعه خمس صلوات" كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة 3221. مسلم، كتاب المساجد، باب أوقات الصلوات الخمس 610. النسائي، كتاب المواقيت 1/ 245. ابن ماجه، كتاب الصلاة، أبواب مواقيت الصلاة 668.الطبراني 17/ 715. احمد في مسنده 4/ 120. ابن حبان في صحيحة 1448. عبد الرزاق في مصنفه 2044. (2/27) {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} 1، وبقوله تعالى : {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 2، وبقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} 3، ثم وقع البيان لهذه الأمور بعد ذلك بالسنة، ونحو هذا كثيًرا جدًّا. المذهب الثاني: المنع مطلقًا، ونقله القاضي أبو بكر الباقلاني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وابن السمعاني، عن أبي إسحاق المروزي، وأبي بكر الصيرفي، وأبي حامد المروزي، ونقله الأستاذ أبو إسحاق، عن أبي بكر الدقاق. قال القاضي: وهو قول المعتزلة، وكثير من الحنيفية، وابن داود الظاهري، ونقله ابن القشيري عن داود الظاهري، ونقله المازري والباجي عن الأبهري. قال القاضي عبد الوهاب: قالت المعتزلة والحنفية: لا بد أن يكون الخطاب متصلا بالبيان، أو في حكم المتصل؛ احترازا من انقطاعه بعطاس ونحوه من عطف الكلام بعضه على بعض. قال ووافقهم بعض المالكية والشافعية. واستدل هؤلاء بما لا يسمن ولا يغني من جوع، فقالوا: لو جاز ذلك، فإما أن يكون إلى مدة معينة، أو إلى الأبد، وكلاهما باطل. أما إلى مدة معينة، فلكونه تحكما، ولكونه لم يقل به أحد، وأما إلى الأبد، فلكونه يلزم المحذور، وهو الخطاب والتكليف به مع عدم الفهم. وأجيب عنهم: باختيار جوازه إلى مد معينة عند الله، وهو الوقت الذي يعلم أنه يكلف به فيه، فلا تحكم. هذا أنهض ما استدلوا به على ضعفه، وقد استدلوا بما هو دونه في الضعف، فلا حاجة لنا إلى تطويل البحث بما لا طائل تحته. المذهب الثالث : أنه يجوز تأخير بيان المجمل دون غيره، حكاه القاضي أبو الطيب، والقاضي عبد الوهاب، وابن الصباغ عن الصيرفي، وأبي حامد المروزى. قال أبو الحسين ابن القطان: لا خلاف بين أصحابنا في جواز تأخير بيان المجمل، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} 4، وكذا لا يختلفون أن البيان في الخطاب العام يقع بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والفعل يتأخر عن القول؛ لأن بيانه بالقول أسرع منه بالفعل. __________ 1 جزء من الآية 110 من سورة البقرة. 2 جزء من الآية 38 من سورة المائدة. 3 جزء من الآية 97 من سورة آل عمران. 4 جزء من آيتين في سورتين البقرة 110 والنساء 77. (2/28) وأما العموم الذي يعقل مراده من ظاهره، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} 1، فقد اختلفوا فيه، فمنهم من لم يجوز تأخير بيانه، كما هو مذهب أبي بكر الصيرفي، وكذا حكى اتفاق أصحاب الشافعي على جواز تأخير بيان المجمل ابن فورك، والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، ولم يأتوا بما يدل على عدم جواز التأخير فيما عدا ذلك إلا ما لا يعتد به ولا يلتفت إليه. المذهب الرابع: أنه يجوز تأخير بيان العموم؛ لأنه قبل البيان مفهوم، ولا يجوز تأخير بيان المجمل؛ لأنه قبل البيان غير مفهوم، حكاه الماوردي والروياني وجها لأصحاب الشافعي، ونقله ابن برهان في "الوجيز" عن عبد الجبار، ولا وجه له. المذهب الخامس: أنه لا يجوز تأخير بيان الأوامر والنواهي، ولا يجوز تأخير بيان الأخبار، كالوعد والوعيد، حكاه الماوردي عن الكرخي وبعض المعتزلة، ولا وجه له أيضًا. المذهب السادس: عكسه، حكاه الشيخ أبو إسحاق مذهبا، ولم ينسبه إلى أحد، ولا وجه له أيضًا ونازع بعضهم في حكاية هذا وما قبله مذهبا، قال: لأن موضوع المسألة الخطاب التكليفي، فلا تذكر فيها الأخبار. قال الزركشي: وفيه نظر. المذهب السابع: أنه يجوز تأخير بيان النسخ دون غيره، ذكر هذا المذهب أبو الحسين في "المعتمد"، وأبو علي، وأبو هاشم، وعبد الجبار، ولا وجه له أيضًا لعدم الدليل الدال على عدم جواز التأخير فيما عدا النسخ، وقد عرفت قيام الأدلة المتكثرة على الجواز مطلقًا، فالاقتصار على بعض ما دلت عليه دون بعض بلا مخصص باطل. المذهب الثامن: التفصيل بين ما ليس له ظاهر كالمشترك، دون ما له ظاهر كالعام، والمطلق، والمنسوخ، ونحو ذلك، فإنه لا يجوز التأخير في الأول، ويجوز في الثاني، نقله فخر الدين الرازي. عن أبي الحسين البصري، والدقاق، والقفال، وأبي إسحاق، وقد سبق النقل عن هؤلاء بأنهم يذهبون إلى خلاف ما حكاه عنهم، ولا وجه لهذا التفصيل. المذهب التاسع: أن بيان المجمل إن لم يكن تبديلا ولا تغييرا، جاز مقارنا وطارئا، وإن كان تغييرا جاز مقارنا، ولا يجوز طارئا "بحال"* نقله ابن السمعاني، عن أبي زيد من الحنفية ولا وجه له أيضًا. __________ * في "أ": بالحال. __________ 1 جزء من الآية 38 من سورة المائدة. (2/29) فهذه جملة المذاهب المروية في هذه المسألة، وأنت إذا تتبعت موارد هذه الشريعة المطهرة، وجدتها قاضية بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب قضاء ظاهرا واضحا، لا ينكره من له أدني خبرة بها، وممارسة لها، وليس على هذه المذاهب المخالفة لما قاله المجوزون أثارة من علم. وقد اختلف القائلون بجواز التأخير في جواز "تأخير"* البيان على التدريج، بأن يبين بيانا أولا، ثم يبين بيانا ثانيا، كالتخصيص بعد التخصيص. والحق: الجواز، لعدم المانع من ذلك لا من شرع، ولا عقل، فالكل بيان. __________ * في "أ": تأثير. وهو تحريف. (2/30) الباب السابع: في الظاهر والمؤول الفصل الأول: في حدهما ... الباب السابع: في الظاهر والمؤول وفيه ثلاثة فصول: الفصل الأول: في حدهما فالظاهر في اللغة هو الواضح. قال الأستاذ، والقاضي أبو بكر: لفظه يغني عن تفسيره. وقال الغزالي: هو المتردد بين أمرين، وهو في أحدهما أظهر. وقيل: هو ما دل على معنى مع قبوله لإفادة غيره إفادة مرجوحة، فاندرج تحته ما دل على المجاز الراجح. ويطلق على اللفظ الذي يفيد معنى، سواء أفاد معه إفادة مرجوحة أو لو يفد، ولهذا يخرج النص، فإن إفادته ظاهرة بنفسه. ونقل إمام الحرمين أن الشافعي كان يسمي الظاهر نصًّا. وقيل: هو في الاصطلاح: ما دل دلالة ظنية، إما بالوضع، كالأسد للسبع المفترس، وبالعرف، كالغائط للخارج المستقذر؛ إذ غلب فيه بعد أن كان في الأصل للمكان المطمئن من الأرض. والتأويل مشتق من آل يؤول، إذا رجع، تقول: آل الأمر إلى كذا، أي: رجع إليه، ومآل الأمر مرجعه. وقال النضر بن شميل1: إنه مأخوذ من الإيالة، وهي السياسة، يقال لفلان: علينا إيالة، وفلان آيل علينا، أي: سائس، فكأن المؤول بالتأويل كالمتحكم على الكلام المتصرف فيه. __________ 1 هو ابن خرشة، العلامة، الإمام الحافظ، أبو الحسن، المازني البصري النحوي، نزيل مرو وعالمها، أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، ولد سنة اثنتين وعشرين ومائة هـ، وتوفي سنة أربع ومائتين هـ. ا. هـ سير أعلام النبلاء 9/ 328 معجم الأدباء 19/ 238 الأعلام 8/ 33. (2/31) وقال ابن فارس في "فقه العربية" التأويل: آخر الأمر وعاقبته، يقال: مآل هذا الأمر مصيره، واشتقاق الكلمة من الأول وهو العاقبة والمصير. واصطلاحا: صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله. وفي الاصطلاح: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح. وهذا يتناول التأويل الصحيح والفاسد، فإن أردت تعريف التأويل الصحيح زدت في الحد: بدليل يصيره راجحا؛ لأنه بلا دليل، أو مع دليل مرجوح، أو مساوٍ فاسد. قال ابن برهان: وهذا الباب أنفع كتب الأصول وأجلها، ولم يزل الزال إلا بالتأويل الفاسد. وأما ابن السمعاني فأنكر على إمام الحرمين إدخاله لهذا الباب في أصول الفقه، وقال: ليس هذا من "أصول"* الفقه في شيء، إنما هو كلام يورد في الخلافيات. واعلم: أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه، ولعمل به، بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ. وإذا عرفت معنى الظاهر فاعلم: أن النص ينقسم إلى قسمين: أحدهما: يقبل التأويل، وهو قسم من النص مرادف للظاهر. والقسم الثاني: لا يقبله، وهو النص الصريح، وسيأتي1 الكلام على هذا في الباب الذي بعد هذا الباب. __________ * في "أ": أصل. __________ 1 انظر صفحة: 2/ 36 (2/32) الفصل الثاني: فيما يدخله التأويل وهو قسمان: أحدهما: أغلب الفروع، ولا خلاف في ذلك. والثاني: الأصول: كالعقائد، وأصول الديانات، وصفات الباري عز وجل. وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب: الأول: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل يجري على ظاهرها، ولا يؤول شيء منها، وهذا قول المشبهة1. __________ 1 وهم مشبهة الحشوية الذين شبهوا الخالق بالمخلوق وأجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة، وأن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة حد الإخلاص المحض والاتحاد المحض، وهم أتباع كهمس وأحمد الهجيمي أ. هـ الملل والنحل "1/ 103". (2/32) والثاني: أن لها تأويلا، ولكنا نمسك عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل، لقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} 1 قال ابن برهان: وهذا قول السلف. قلت: وهذا هو الطريقة الواضحة، والمنهج المصحوب بالسلامة عن الوقوع في مهاوي التأويل، لما لا يعلم تأويله إلا الله، وكفى بالسلف الصالح قدوة لمن أراد الاقتداء، وأسوة لمن أحب التأسي على تقدير عدم ورود الدليل القاضي بالمنع من ذلك، فكيف وهو قائم موجود في الكتاب والسنة. والمذهب الثالث: أنها مؤولة. قال ابن برهان: والأول من هذه المذاهب باطل، والآخران منقولان عن الصحابة. ونقل هذا المذهب الثالث عن علي، وابن عباس، وابن مسعود، وأم سلمة. قال أبو عمرو ابن الصلاح: الناس في هذه الأشياء الموهمة للجهة ونحوها فرق ثلاث: ففرقة تؤول، وفرقة تشبه، وثالثة ترى أنه لم يطلق الشارع مثل هذه اللفظة إلا وأطلاقه سائغ وحسن قبولها مطلقة، كما قال مع التصريح بالتقديس والتنزيه، والتبري من التحديد والتشبيه. قال: وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، "وإياها"* اختارها أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين يصدف عنها ويأباها، وأفصح الغزالي في غير موضع "بتهجير"** ما سواها، حتى ألجم آخرًا في إلجامه كل عالم وعامي عما عداها. قال: "وهو"*** كتاب "إلجام العوام عن علم الكلام" وهو آخر تصانيف الغزالي مطلقًا، حث فيه على مذهب السلف ومن تبعهم. قال الذهبي في "النبلاء"2 في ترجمة فخر الدين الرازي ما لفظه: وقد اعترف في آخر عمره، حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروى غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 3، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} 4، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 5؛ __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". ** في "أ": بهجر. *** في "أ": وهذا. __________ 1 جزء من الآية 7 من سورة آل عمران. 2 أي سير أعلام النبلاء. 3 الآية 5 من سورة طه. 4 جزء من الآية 10 من سورة فاطر. 5 جزء من الأية11 من سورة الشورى. (2/33) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. انتهى. وذكر الذهبي في "النبلاء" في ترجمة إمام الحرمين الجويني، أنه قال: ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة. هكذا نقل عنه صاحب "النبلاء" في ترجمته، وقال في موضع آخر في ترجمته في "النبلاء" إنه قال ما لفظه: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السلف. انتهى. وهؤلاء الثلاثة أعني: الجويني، والغزالي، الرازي. هم الذين وسعوا دائرة التأويل، وطولوا ذيوله، وقد رجعوا آخرًا إلى مذهب السلف كما عرفت، فلله الحمد كما هو له أهل. وقال ابن دقيق العيد: "ونقول"* في الألفاظ المشكلة إنها حق وصدق، وعلى الوجه الذي أراده الله، ومن أول شيئًا منها، فإن كان تأويله قريبا على ما يقتضيه لسان العرب، وتفهمه في مخاطباتهم لم ننكر عليه، ولم نبدعه، وإن كان تأويله بعيدا توقفنا عنه، واستبعدناه، ورجعنا إلى القاعدة في الإيمان بمعناه، مع التنزيه. وقد تقدمه إلى مثل هذا ابن عبد السلام1 كما حكاه عنهما الزركشي في "البحر"، والكلام في هذا يطول لما فيه من كثرة النقول عن الأئمة الفحول. __________ * في "أ": ونقوله. __________ 1 هو عبد العزيز بن عبد السلام، عز الدين الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي، بلغ رتبة الاجتهاد، ولد في دمشق سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ستين وستمائة هـ بالقاهرة من آثاره "قواعد الشريعة" "الفوائد" "الإلمام في أدلة القرآن" "مقاصد الرعاية" ا. هـ شذرات الذهب 5/ 301 هدية العارفين 1/ 580 الاعلام 4/ 21 معجم المؤلفين 5/ 249. (2/34) الفصل الثالث: في شروط التأويل الأول: أن يكون موافقا لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، "أو"* عادة صاحب الشرع، وكل تأويل خرج عن هذا فليس بصحيح. الثاني: أن يقوم الدليل على أن المراد بذلك اللفظ هو المعنى الذي حمل عليه إذا كان لا يستعمل كثيرا فيه. الثالث: إذا كان التأويل بالقياس فلا بد أن يكون جليا، لا خفيا. __________ * في "أ": وإعادة. (2/34) وقيل: أن يكون مما يجوز التخصيص به على ما تقدم. وقيل: لا يجوز التأويل بالقياس أصلا. والتأويل في نفسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قد يكون قريبا، فيترجح بأدنى مرجح، وقد يكون بعيدا، فلا يترجح إلا بمرجح قوي، ولا يترجح بما ليس بقوي، وقد يكون متعذرا، لا يحتمله اللفظ، فيكون مردودا لا مقبولا. وإذا عرفت هذا تبين لك ما هو مقبول من التأويل مما هو مردود، ولم يحتج إلى تكثير الأمثلة، كما وقع في كثير من كتب الأصول. (2/35) الباب الثامن: في المنطوق والمفهوم المسألة الأولى: في حدهما مدخل ... الباب الثامن: في المنطوق والمفهوم وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: في حدهما فالمنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي: يكون حكمًا للمذكور، وحالا من أحواله. والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي: يكون حكمًا لغير المذكور، وحالا من أحواله. والحاصل: أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفاد منها، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا، وتارة من جهته تلويحا، فالأول: المنطوق، والثاني: المفهوم. (2/36) أقسام المنطوق والمنطوق ينقسم إلى قسمين: الأول: ما لا يحتمل التأويل، وهو النص. والثاني: ما يحتمله، وهو الظاهر. والأول أيضًا ينقسم إلى قسمين: صريح إن دل عليه اللفظ بالمطابقة1، أو التضمن2. وغير صريح إن دل عليه بالالتزام3. وغير الصريح ينقسم إلى دلالة: اقتضاء، وإيماء وإشارة. فدلالة الاقتضاء: هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه، مع كون ذلك مقصودا للمتكلم. __________ 1 وهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق ا. هـ شرح السلم المنورق 19. 2 هي دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه، كدلالته على الحيوان أو الناطق في ضمن الحيوان الناطق. 3 هي دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له، كدلالته على قبول العلم وصنعة الكتابة على ما فيه ا. هـ شرح السلم المنورق 20. (2/36) ودلالة الإيماء: أن يقترب اللفظ بحكم، لو لم يكن للتعليل لكان بعيدا؛ وسيأتي بيان هذا في القياس. ودلالة الإشارة حيث لا يكون مقصودا للمتكلم. (2/37) أقسام المفهوم: والمفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة. فمفهوم الموافقة: حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به، فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيسمى فحوى الخطاب، وإن كان مساويا فيسمى لحن الخطاب. وحكى الماوردي والروياني في الفرق بين فحوى الخطاب، ولحن الخطاب وجهين: أحدهما: أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ، واللحن ما لاح في "أثناء"* اللفظ. وثانيهما: أن الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه، واللحن ما دل على مثله. وقال القفال: إن فحوى الخطاب ما دل المظهر على المسقط، واللحن ما يكون محالا على غير المراد، والأولى ما ذكرناه أولا. وقد شرط بعضهم في مفهوم الموافقة أن يكون أولى من المذكور، وقد نقله إمام الحرمين الجويني في "البرهان" عن الشافعي، وهو ظاهر كلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ونقله الهندي عن الأكثرين. وأما الغزالي، وفخر الدين الرازي، وأتباعهما، فقد جعلوه قسمين: تارة يكون أولى، وتارة يكون مساويا، وهو الصواب، فجعلوا شرطه أن لا يكون المعنى في المسكوت عنه أقل مناسبة للحكم من المعنى المنطوق به. قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الجمهور من أصحابنا وغيرهم. وقد اختلفوا في دلالة النص على مفهوم الموافقة، هل هي لفظية أو قياسية على قولين، حكاهما الشافعي في الأمر، وظاهر كلامه ترجيح أنه قياس، ونقله الهندي في "النهاية" عن الأكثرين. قال الصيرفي: ذهبت طائفة جلة سيدهم الشافعي إلى أن هذا هو القياس الجلي. وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "شرح اللمع": إنه الصحيح، وجرى عليه القفال الشاشي، فذكره في أنواع القياس. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". (2/37) قال سليم الرازي: الشافعي يومئ إلى أنه قياس جلي، لا يجوز ورود الشرع بخلافه، قال: وذهب المتكلمون بأسرهم -الأشعرية والمعتزلة- إلى أنه مستفاد من النطق، وليس بقياس. قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الصحيح من المذاهب أنه جارٍ مجرى النطق، لا مجرى "القياس، وسماه الحنفية دلالة النص، وقال آخرون: ليس بقياس ولا يسمى"* دلالة النص، لكن دلالته لفظية. ثم اختلفوا، فقيل: إن المنع من التأفيف1 منقول بالعرف عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى. وقيل: إنه فهم السياق والقرائن، وعليه المحققون من أهل هذا القول، كالغزالي، وابن القشيري، والآمدي، وابن الحاجب، والدلالة عندهم مجازية، من باب إطلاق الأخص وإرادة الأعم. قال الماوردي: والجمهور على أن دلالته من جهة اللغة لا من القياس. قال القاضي أبو بكر الباقلاني: القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه. قال ابن رشد: لا ينبغي للظاهرية أن يخالفوا في مفهوم الموافقة؛ لأنه من باب السمع، والذي رد ذلك يرد نوعا من الخطاب. قال الزركشي: وقد خالف فيه ابن حزم. قال ابن تيمية: وهو مكابرة. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 أي تحريم التأفيف للوالدين كما في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ....} سورة الإسراء 23. (2/38) المسألة الثانية: مفهوم المخالفة وهو حيث يكون المسكت عنه مخالفا للمذكور في الحكم، إثباتا ونفيا، فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به، ويسمى دليل الخطاب؛ لأن دليله من جنس الخطاب، أو لأن الخطاب دال عليه. قال القرافي: وهل المخالفة بين المنطوق والمسكوت بضد الحكم المنطوق به، أو نقيضه؟ الحق: الثاني. (2/38) ومن تأمل المفهومات وجدها كذلك. وجميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور، إلا مفهوم اللقب. وأنكر أبو حنيفة الجميع، وحكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "شرح اللمع" عن القفال الشاشي، وأبي حامد المروزي. وأما الأشعري، فقال القاضي: إن النقلة نقلوا عنه القول بالمفهوم، كما نقلوا عنه نفي صيغ العموم، وقد أضيف إليه خلاف ذلك وأنه قال بمفهوم الخطاب. وذكر شمس الأئمة السرخسي من الحنفية في كتاب "السير"1: أنه ليس بحجة في خطابات الشرع، قال: وأما في مصطلح الناس وعرفهم فهو حجة، وعكس ذلك بعض المتأخرين من الشافعية، فقال: هو حجة في كلام الله ورسوله، وليس بحجة في كلام المصنفين وغيرهم، كذا حكاه الزركشي. واختلف المثبتون للمفهوم في مواضع. أحدها: هل هو حجة من حيث اللغة، أو الشرع؟ وفي ذلك وجهان للشافعية، حكاهما "المازري"* والروياني. قال ابن السمعاني: والصحيح أنه حجة من حيث اللغة. وقال الفخر الرازي: لا يدل على النفي بحسب اللغة، لكنه يدل عليه بحسب العرف العام. وذكر في "المحصول" في باب العموم: أنه يدل عليه العقل. الموضع الثاني: اختلفوا أيضًا في تحقيق مقتضاه، أنه هل يدل على نفي الحكم عما عدا المنطوق به مطلقًا، سواء كان من جنس المثبت، أو لم يكن، أو تختص دلالته بما إذا كان من جنسه، فإذا قال: "في الغنم السائمة الزكاة" 2 فهل نفي الزكاة عن المعلوفة مطلقًا، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم، أو هو مختص بالمعلوفة من الغنم؟ وفي ذلك وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد الإسفراييني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وابن السمعاني، والفخر الرازي. قال الشيخ أبو حامد: والصحيح تخصيصه بالنفي عن معلوفة الغنم فقط. __________ * في "أ": الماوردي. __________ 1 واسمه "السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، شرحه شمس الأئمة السرخسي، وهو في جزأين ضخمين، أملاه محبوسا وأنهاه في آخر المحنة في مرغينان ا. هـ كشف الظنون "2/ 1014". 2 تقدم تخريجه في 1/ 393. (2/39) قلت: هو الصواب. الموضع الثالث: هل المفهوم المذكور يرتقي إلى أن يكون دليلا قاطعا، أو لا يرتقي إلى ذلك؟ قال إمام الحرمين الجويني: إنه "قد"* يكون قطعيا، وقيل: لا. الموضع الرابع: إذا دل "دليل"** على إخراج صور من صور المفهوم، فهل يسقط المفهوم بالكلية، أو يتمسك به في البقية؟ وهذا يتمشى على الخلاف في حجية العموم إذا خص، وقد تقدم الكلام في ذلك. الموضع الخامس: هل يجب العمل به قبل البحث عما يوافقه، أو يخالفه من منطوق أو مفهوم آخر؟ فقيل: حكمه حكم العمل بالعام قبل البحث عن المخصص، وحكى القفال الشاشي في ذلك وجهين. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". ** في "أ": الدليل. (2/40) المسألة الثالثة: شروط القول بمفهوم المخالفة الأول: أن لا يعارضه ما هو أرجح منه، من منطوق أو مفهوم موافقة، أما إذا عراضه قياس، فلم يجوز القاضي أبو بكر الباقلاني ترك المفهوم به، مع تجويزه ترك العموم بالقياس، كذا قال. ولا شك أن القياس المعمول به يخصص عموم المفهوم، كما يخصص عموم المنطوق، وإذا تعارضا على وجه لا يمكن الجمع بينهما، وكان كل واحد منهما معمولا به، فالمجتهد لا يخفى عليه الراجح منهما من المرجوح، وذلك يختلف باختلاف المقامات، وبما يصاحب كل واحد منهما من القرائن المقوية له. قال شارح "اللمع": دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، كالنص والتنبيه، فإن عارضه أحدهما سقط، وإن عارضه عموم صح التعلق بعموم دليل الخطاب على الأصح، وإن عارضه قياس جلي، قدم القياس، وأما الخفي، فإن جعلناه حجة كالنطق قدم دليل الخطاب، وإن جعلناه كالقياس فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف. والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان. الشرط الثاني: أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان، كقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} 1 __________ 1جزء من الآية 14 من سورة النحل. (2/40) فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري. الشرط الثالث: أن لا يكون المنطوق خرج جوابا عن سؤال متعلق بحكم خاص، ولا حادثة خاصة بالمذكور، هكذا قيل، ولا وجه لذلك، فإنه لا اعتبار بخصوص السبب، ولا بخصوص السؤال. وقد حكى القاضي أبو يعلى في ذلك احتمالين. قال الزركشي: ولعل الفرق -يعني بين عموم اللفظ، وعموم المفهوم- أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة بخلاف اللفظ العام. قلت: وهذا فرق قوي، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة، أما المفاهيم التي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا. قال: ومن أمثلته قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} 1 فلا مفهوم للأضعاف؛ لأنه جاء على النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول: إما أن تعطي، وإما أن تربي، فيتضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة، فنزلت الآية على ذلك. الشرط الرابع: أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم، وتأكيد الحال، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد" 2 الحديث، فإن التقييد "بالإيمان" لا مفهوم له، وإنما ذكر لتفخيم الأمر. الشرط الخامس: أن يذكر مستقلا، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} 3 فإن قوله تعالى: {فِي الْمَسَاجِدِ} فلا مفهوم له؛ لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقًا. الشرط السادس: أن لا يظهر من السياق قصد التعميم، فإن ظهر فلا مفهوم له، كقوله __________ 1 جزء من الآية 130 من سورة آل عمران. 2 أخرجه البخاري من حديث زينب بنت أبي سلمة، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا 5334-5335-5336. ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة 1486-1487-1489. وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها 2299. والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها 1195-1196-1197. والنسائي، كتاب الطلاق، باب ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية 6/ 102.ومالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد 2/ 596. وعبد الرزاق في المصنف12130. ابن حبان في صحيحه 4304. أبو يعلى في مسنده 1160. 3 جزء من الآية 187 من سورة البقرة. (2/41) تعالي: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} 1، للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم، والممكن. وليس بشيء، فإن المقصود بقوله تعالى: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} التعميم. الشرط السابع: أن لا يعود على أصله الذي هو المنطوق بالإبطال، أما لو كان كذلك فلا يعمل به. الشرط الثامن: أن لا يكون قد خرج مخرج الأغلب، كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} 2. فإن الغالب كون الربائب في الحجور، فقيد به لذلك، لا لأن حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافه، ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة. __________ 1 جزء من الآية 284 من سورة البقرة. 2 جزء من الآية 23 من سورة النساء. (2/42) المسألة الرابعة: في أنواع مفهوم المخالفة النوع الأول: مفهوم الصفة وهي تعلق الحكم على الذات بأحد الأوصاف، نحو: "في سائمة الغنم زكاة" 1. والمراد بالصفة عند الأصوليين: تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر، يختص ببعض معانيه، ليس بشرط، ولا غاية، ولا يريدون به النعت فقط، وهكذا عند أهل البيان، فإن المراد بالصفة عندهم: هي المعنوية، لا النعت، وإنما يخص الصفة بالنعت أهل النحو فقط. وبمفهوم الصفة أخذ الجمهور، وهو الحق، لما هو معلوم من لسان العرب أن الشيء إذا كان له وصفان، فوصف بأحدهما دون الآخر، كان المراد به ما فيه تلك الصفة دون الآخر. وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وبعض الشافعية، والمالكية: إنه لا يؤخذ به، ولا يعمل عليه، ووافقهم من أئمة اللغة الأخفش2، وابن فارس، وابن جني. وقال الماوردي من الشافعية بالتفصيل بين أن يقع ذلك جواب "سؤال"* فلا يعمل به، وبين أن يقع ابتداء فيعمل به؛ لأنه لا بد لتخصيصه بالذكر من موجب. __________ * في "أ": سائل. __________ 1 تقديم تخريجه في الصفحة 1/ 393. 2 هو سعيد بن مسعدة البلخي، أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط إمام النحو، أخذ عن الخليل، ولزم سيبويه، وأخذ عنه المازني، وأبو حاتم، وسلمة، وطائفة، وله كتب كثيرة في النحو والعروض ومعاني القرآن، توفي سنة مائتين وعشرة ونيف ا. هـ. سير أعلام النبلاء "10/ 206"، شذرات الذهب "2/ 36"، معجم الأدباء "11/ 224". (2/42) وفي جعل هذا التفصيل مذهبا مستقلا نظر، فإنه قد تقدم أن من شرط الأخذ بالمفهوم عند القائلين به أن لا يقع جوابا لسؤال. وقال أبو عبد الله البصري: إنه حجة في ثلاث صور: أن يرد مورد البيان، كقوله: "في سائمة الغنم الزكاة" ، أو مورد التعليم، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خبر التخالف والسلعة قائمة1، أو يكون ما عدا الصفة داخلا تحت الصفة، كالحكم بالشاهدين، فإنه يدل على أنه لا يحكم بالشاهد الواحد؛ لأنه داخل تحت الشاهدين، ولا يدل على نفي الحكم فيما سوى ذلك. وقال إمام الحرمين الجويني بالتفصيل بين الوصف المناسب وغيره، فقال بمفهوم الأول دون الثاني، وعليه يحمل نقل الرازي عنه للمنع، ونقل ابن الحاجب عنه الجواز. وقد طول أهل الأصول الكلام على استدلال هؤلاء المختلفين لما قالوا به، وليس في ذلك حجة واضحة؛ لأن المبحث لغوي، واستعمال أهل اللغة والشرع لمفهوم الصفة، وعملهم به معلوم لكل من له علم بذلك. النوع الثاني: مفهوم العلة وهو تعليق الحكم بالعلة، نحو: حرمت الخمر لإسكارها، والفرق بين هذا النوع والنوع الأول، أن الصفة قد تكون علة كالإسكار، وقد لا تكون علة، بل متممة كالسوم، فإن الغنم هي العلة، والسوم متمم لها. قال القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي: والخلاف فيه وفي مفهوم الصفة واحد. النوع الثالث: مفهوم الشرط والشرط في اصطلاح المتكلمين: ما يتوقف عليه المشروط، ولا يكون داخلا في المشروط، ولا مؤثرا فيه. وفي اصطلاح النحاة: ما دخل عليه أحد الحرفين: إن أو إذا أو ما يقوم مقامهما، مما يدل على سببية الأول، ومسببية الثاني، وهذا هو الشرط اللغوي، وهو المراد هنا، لا الشرعي، ولا __________ 1 أخرجه البخاري في التاريخ من حديث ابن مسعود بلفظ: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول قول البائع أو يترادان البيع" 5/ 299. وابن ماجه، كتاب التجارات، باب البيعان يختلفان 2186. والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء إذا اختلف البيعان 1270. وأبو داود، كتاب البيوع، باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم 3511. والنسائي، كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين في الثمن 7/ 302. والدارمي، كتاب البيوع، باب إذا اختلف المتبايعان 2/ 250. والبيهقي، كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين 5/ 332. وأحمد في مسنده 1/ 466. والدارقطني 3/ 21. وأبو يعلي في مسنده 4984. (2/43) العقلي، وقد قال به القائلون بمفهوم الصفة، ووافقهم على القول به بعض من خالف في مفهوم الصفة، ولهذا نقله أبو الحسين السهيلي في "أدب الجدل" عن أكثر الحنفية. ونقله ابن القشيري عن معظم أهل العراق، ونقله إمام الحرمين عن أكثر العلماء. وذهب أكثر المعتزلة، كما نقله عنهم صاحب "المحصول" إلى المنع من الأخذ به. ورجح المنع المحققون من الحنفية، وروي عن أبي حنيفة، ونقله ابن التلمساني1 عن مالك، واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي، والآمدي. وقد بالغ إمام الحرمين في الرد على المانعين، ولا ريب أنه قول مردود، وكل ما جاءوا به لا تقوم به الحجة، والأخذ به معلم من لغة العرب والشرع، فإن من قال لغيره: إن أكرمتني أكرمتك، ومتى جئتني أعطيتك، ونحو ذلك مما لا ينبغي أن يقع فيه الخلاف بين كل من يفهم لغة العرب، وإنكار ذلك مكابرة، وأحسن ما يقال لمن أنكره: عليك بتعلم لغة العرب، فإن إنكارك لهذا يدل على أنك لا تعرفها. النوع الرابع: مفهوم العدد وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص، فإنه يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد، زائدا كان أو ناقصا. وقد ذهب إليه الشافعي، كما نقله عنه أبو حامد، وأبو الطيب الطبري والماوردي، وغيرهم. ونقله أبو الخطاب الحنبلي2 عن أحمد بن حنبل، وبه قال مالك، وداود الظاهري، وبه قال صاحب "الهداية"3 من الحنفية، ومنع من العمل به المانعون بمفهوم الصفة. __________ 1 هو عبد الله بن محمد بن علي الفهري، المصري، الشافعي، المعروف بابن التلمساني، شرف الدين، أبو محمد، فقيه، أصولي، تصدر للإقراء بالقاهرة، وتوفي بها سنة أربع وأربعين وستمائة هـ، من آثاره: "شرح المعالم في أصول الدين" "شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي" "المجموع في الفقه" ا. هـ معجم المؤلفين 6/ 133، كشف الظنون 1/ 491 أيضًاح المكنون 1/ 431. 2 هو محفوظ بن أحمد بن حسن بن حسن الكلوذاني، أبو الخطاب، الشيخ الإمام العلامة الورع، شيخ الحنابلية، ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة هـ، وتوفي سنة عشر وخمسمائة، وله تصانيف في المذهب والأصول والخلاف منها: "التمهيد" في أصول الفقه، "رءوس المسائل" "الانتصار في المسائل الكبار". ا. هـ سير أعلام النبلاء 19/ 348 شذرات الذهب 4/ 27، الكامل لابن الأثير 8/ 277. 3 وهو برهان الدين، علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة هـ، كان فقيها، فرضيا، محدثا، حافظا، مفسرا مشاركا في أنواع العلم، من آثاره: التجنيس والمزيد، كفاية المنتهي، بداية المبتدي، وله كتاب الهداية وهو شرح للبداية فيه غوامض أسرار محتجبة وراء الأستار لا يكشف عنها من نحارير العلماء إلا من أوتي كمال التيقظ في التحقيق. ا. هـ سير أعلام النبلاء 21/ 232، الفوائد البهية 141، كشف الظنون 2/ 2031، معجم المؤلفين 7/ 45. (2/44) قال الشيخ أبو حامد، وابن السمعاني: وهو دليل كالصفة سواء. والحق ما ذهب إليه الأولون، والعمل به معلوم من لغة العرب، ومن الشرع، فإن من أمر بأمر، وقيده بعدد مخصوص، فزاد المأمور على ذلك العدد، أو نقص عنه، فأنكر عليه الآمر الزيادة أو النقص، كان هذا الإنكار مقبولا عند كل من يعرف لغة العرب، فإن ادعى المأمور أنه قد فعل ما أمر به، مع كونه نقص عنه أو زاد عليه، كانت دعواه هذه مردودة عند كل من يعرف لغة العرب. النوع الخامس: مفهوم الغاية وهو مد الحكم بـ إلى أو حتى: وغاية الشيء آخره، والي العمل به ذهب الجمهور، وبه قال بعض من لم يعمل بمفهوم الشرط، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والغزالي، والقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين. قال ابن القشيري: وإليه ذهب معظم نفاة المفهوم، وكذا قال القاضي أبو بكر حاكيا لذلك. وحكى ابن برهان وصاحب "المعتمد" الاتفاق عليه. قال سليم الرازي: لم يختلف أهل العراق في ذلك. وقال القاضي في "التقريب": صار معظم نفاة دليل الخطاب إلى أن التقييد بحرف الغاية يدل على انتفاء الحكم عما وراء الغاية. قال: ولهذا اجمعوا على تسميتها "حروف الغاية؛ وغاية الشيء: نهايته، فلو ثبت الحكم بعدها لم تعد تسميتها"* غاية، وهذا من توقيف اللغة معلوم، فكان بمنزلة قولهم: تعليق الحكم بالغاية موضوع للدلالة على أن ما بعدها بخلاف ما قبلها. انتهى. ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من الحنفية، والآمدي، ولم يتمسكوا بشيء يصلح للتمسك به قط، بل صمموا على منعه طردا لباب المنع، من العمل بالمفاهيم، وليس ذلك بشيء. النوع السادس: مفهوم اللقب وهو تعليق الحكم بالاسم العلم، نحو: قام زيد، أو اسم النوع، نحو: في الغنم زكاة، ولم يعمل به أحد إلا أبو بكر الدقاق. كذا قيل. وقال سليم الرازي في "التقريب": صار إليه الدقاق وغيره من أصحابنا -يعني الشافعية- وكذا حكاه عن بعض الشافعية ابن فورك. ثم قال: وهو الأصح. قال إلكيا الطبري في "التلويح": __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". (2/45) إن ابن فورك كان يميل إليه، وحكاه السهيلي في "نتائج الفكر"1 عن أبي بكر الصيرفي، ونقله عبد العزير في "التحقيق"2 عن أبي حامد المروزي. قال الزركشي: والمعروف عن أبي حامد إنكار القول بالمفهوم مطلقا. وقال إمام الحرمين الجويني في "البرهان": وصار إليه الدقاق، وصار إليه طوائف من أصحابنا، ونقله أبو الخطاب الحنبلي في "التمهيد"3 عن منصوص أحمد، قال: وبه قال مالك، وداود، وبعض الشافعية. انتهى. ونقل القول به عن ابن خويزمنداد والباجي، وابن القصار. وحكى ابن برهان في "الوجيز" التفصيل عن بعض الشافعية، وهو أنه يعمل به في أسماء الأنواع لا في أسماء الأشخاص. وحكى ابن حمدان4، وأبو يعلي من الحنابلة تفصيلا آخر، وهو: العمل بما دلت عليه القرينة دون غيره. والحاصل: أن القائل به كلا أو بعضا، لم يأت بحجة لغوية، ولا شرعية، ولا عقلية، ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيدا، لم يقتضِ أنه لم ير غيره قطعا، وأما إذا دلت القرينة على العمل به، فذلك ليس إلا للقرينة، فهو خارج عن محل النزاع. النوع السابع: مفهوم الحصر وهو أنواع، أقواها: ما وإلا، نحو، ما قام إلا زيد؛ وقد وقع الخلاف فيه: هل هو من قبيل المنطوق، أو المفهوم؟. وبكونه منطوقا جزم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "الملخص"، ورجحه القرافي في "القواعد"5. __________ 1 وهو كتاب في علل النحو، للشيخ الإمام أبي القاسم، عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي، المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ذكر فيه: أن الإعراب مرقاة إلى علوم الكتاب، فرتبه على ترتيب أبواب كتاب الجمل لميل قلوب الناس إليه. ا. هـ. كشف الظنون 2/ 1924. 2 واسمه: "التحقيق في شرح المنتخب في الأصول" وهو شرح فاق سائر التصانيف المختصرة بحسن التهذيب، ومتانة التركيب بيد أنه اقتصر فيه على الأصول كل الاقتصار، وهو للإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري المتوفى سنة ثلاثين وسبعمائة هـ. ا. هـ كشف الظنون 2/ 1848. 3 واسمه "التمهيد في الأصول" لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد، وقد تقدمت ترجمة المؤلف في الصفحة 44 جـ2 انظر أيضًاح المكنون 1/ 320. 4 هو أحمد بن حمدان بن شبيب النميري الحراني، أبو عبد الله، فقيه حنبلي، أديب، ولد سنة ثلاث وستمائة هـ، وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة هـ، من آثاره "الرعاية الكبرى" "الرعاية الصغرى" "صفة المفتي والمستفتي" "مقدمة في أصول الدين" ا. هـ شذرات الذهب 5/ 428 الأعلام 1/ 119. 5 واسمه: "أنوار البروق في أنواع الفروق" للشيخ شهاب الدين أحمد بن أدريس القرافي المالكي، وهو مجلد كبير، جمع فيه خمسمائة وأربعين قاعدة من القواعد الفقهية. ا. هـ كشف الظنون 1/ 168. (2/46) وذهب الجمهور إلى أنه من قبيل المفهوم، وهو الراجح، والعمل به معلوم من لغة العرب، ولم يأت من لم يعمل به بحجة مقبولة. ثم الحصر بـ إنما، وهو قريب مما قبله في القوة. قال إلكيا الطبري: وهو أقوى من مفهوم الغاية. وقد نص عليه الشافعي في "الأم"1، وصرح هو وجمهور أصحابه أنها في قوة الإثبات والنفي، بـ: ما، وإلا. وذهب ابن سريج وأبو حامد المروزي "إلى"* أن حكم ما عدا الإثبات موقوف على الدليل، "لما"** تضمنه من الاحتمال، وقد وقع الخلاف على هل منطوق أو مفهوم؟ والحق: أنه مفهوم، وأنه معمول به كما يقتضيه لسان العرب. ثم حصر المبتدأ في الخبر، وذلك بأن يكون معرفا باللام، أو الإضافة، نحو: العالم زيد، وصديقي عمرو، فإنه يفيد الحصر؛ إذ المراد بالعالم وبصديقي هو الجنس، فيدل على العموم؛ إذ لم "تكن"*** هناك قرينة تدل على العهد، فهو يدل بمفهومه على نفي العلم عن غير زيد، ونفي الصداقة عن غير عمرو، وذلك أن الترتيب الطبيعي أن يقدم الموصوف على الوصف، فإذا قدم الوصف على الموصوف معرفا باللام أو الإضافة، أفاد العدول مع ذلك التعريف أن نفي ذلك الوصف عن غير الموصوف مقصود للمتكلم، وقيل: إنه يدل على ذلك بالمنطوق. والحق: أن دلالته مفهومية لا منطوقية، وإلى ذلك ذهب جماعة من الفقهاء والأصوليين، ومنهم إمام الحرمين الجويني، والغزالي. وأنكره جماعة، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والآمدي، وبعض المتكلمين. والكلام في تحقيق أنواع الحصر محرر في علم البيان، وله صور غير ما ذكرناه ههنا، وقد تتبعتها من مؤلفاتهم، ومن مثل "كشاف الزمخشري"2 وما هو على __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". ** ما "أ": بما. *** في "أ": تبن. __________ 1 للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين وهو كتاب جليل عظيم جامع لمذهبه ا. هـ كشف الظنون 2/ 1397 وكتاب الأم المقدمة. 2 واسمه: "الكشاف عن حقائق التنزيل" للإمام العلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري، وهو كتاب عظيم في التفسير وكان يقول عنه: إن التفاسير في الدنيا بلا عدد ... وليس فيها لعمري مثل كشافي إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته ... فالجهل كالداء والكشاف كالشافي ا. هـ كشف الظنون 2/ 1475. (2/47) نمطه، فوجدتها تزيد على خمسة عشر نوعا، وجمعت في تقرير ذلك بحثا. النوع الثامن: مفهوم الحال أي: تقييد الخطاب بالحال، وقد عرفت أنه من جملة مفاهيم الصفة؛ لأن المراد الصفة المعنوية لا النعت، وإنما أفردناه بالذكر تكميلا للفائدة. قال ابن السمعاني: ولم يذكره المتأخرون لرجوعه إلى الصفة، وقد ذكره سليم الرازي في "التقريب"، وابن فورك. النوع التاسع: مفهوم الزمان كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} 1، وقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 2. وهو حجة عند الشافعي، كما نقله "الفخر الرازي، والغزالي"*، وهو في التحقيق داخل في مفهوم الصفة، باعتبار متعلق الظرف المقدر، كما تقرر في علم العربية. النوع العاشر: مفهوم المكان نحو: جلست أمام زيد. وهو حجة عند الشافعي، كما نقله الغزالي، وفخر الدين الرازي، ومن ذلك لو قال: بع في مكان كذا، فإنه يتعين. وهو أيضًا راجع إلى مفهوم الصفة، لما عرفت في النوع الذي قبله. __________ * في "أ": الغزالي وشيخه. __________ 1 جزء من الآية 197من سورة البقرة. 2 جزء من الآية 9 من سورة الجمعة. (2/48) الباب التاسع: في النسخ وفيه سبع عشرة مسألة المسألة الأولى: في حده وهو في اللغة: الإبطال والإزالة، ومنه: نسخت الشمس الظل، والريح آثار القدم، ومنه: تناسخ القرون، وعليه اقتصر العسكري. ويطلق ويراد به النقل والتحويل، ومنه نسخت الكتاب، أي: نقلته، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 1، ومنه تناسخ المواريث2. ثم اختلفوا: هل هو حقيقة في المعنيين أم في أحدهما دون الآخر؟ فحكى الصفي الهندي عن الأكثرين أنه حقيقة في الإزالة، مجاز في النقل. وقال القفال الشاشي: إنه حقيقة في النقل. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني، والقاضي عبد الوهاب، والغزالي: إنه حقيقة فيهما، مشترك بينهما لفظا، لاستعماله فيهما. وقال ابن المنير في "شرح البرهان"3: إنه مشترك بينهما اشتراكا معنويا؛ لأن بين نسخ الشمس الظل، ونسخ الكتاب مقدارا مشتركا، وهو الرفع، وهو في الظل بين؛ لأنه زال بضده، وفي نسخ الكتاب متعذر، من حيث إن الكلام المنسوخ بالكتابة لم يكن مستفادا إلا من الأصل، فكان للأصل بالإفادة خصوصية، فإذا "نسخت"* الأصل ارتفعت تلك الخصوصية، وارتفاع __________ * في "أ": نسخ. __________ 1 جزء من الآية 29 من سورة الجاثية. 2 وهي المناسخة، والمراد بها أن ينتقل نصيب بعض الورثة بموته قبل القسمة إلى من يرث منه. ا. هـ شرح السراجية كتاب المناسخة. 3 ابن المنير: لعله أحمد بن محمد بن منصور الإسكندري، المعروف بابن المنير، ولد سنة عشرين وستمائة هـ، وتوفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة هـ، وهو عالم مشارك في بعض العلم كالنحو، والأصول، والفقه، والتفسير، من آثاره: "البحر الكبير في بحث التفسير" أ. هـ. شذرات الذهب "5/ 381". معجم المؤلفين "2/ 162. (2/49) الأصل والخصوصية سواء في مسمى الرفع. وقيل: القدر المشترك بينهما هو التغيير، وقد صرح به الجوهري. قال في "المحصول": فإن قيل: وصفهم الريح بأنها ناسخة للآثار "والشمس بأنها ناسخة للظل مجاز؛ لأن المزيل للآثار والظل"* هو الله تعالى، وإذا كان ذلك مجازا امتنع الاستدلال به على كون اللفظ حقيقة في مدلولة، ثم نعارض ما ذكرتموه، ونقول: النسخ هو: النقل والتحويل، ومنه نسخ الكتاب إلى كتاب آخر، كأنك تنقله إليه، أو تنقل حكايته، ومنه تناسخ الأرواح1، وتناسخ القرون، قرنا بعد قرن، وتناسخ المواريث، إنما هو التحول من واحد إلى آخر، بدلا عن الأول، فوجب أن يكون اللفظ حقيقة في النقل، ويلزم أن لا يكون حقيقة في الإزالة، دفعا للاشتراك، وعليكم الترجيح. الجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى هو الناسخ لذلك، من حيث فعل الشمس والريح المؤثرين "في تلك الإزالة، ويكونان أيضًا ناسخين، لكونهما مختصين بذلك التأثير. وثانيهما: أن أهل اللغة إنما أخطئوا في إضافة النسخ إلى الشمس والريح"**. فهب أنه كذلك لكن متمسكنا إطلاقهم لفظ النسخ على الإزالة، لا إسنادهم هذا الفعل إلى الريح والشمس. وعن الثاني: أن النقل أخص من الزوال؛ لأنه حيث وجد النقل فقد عدمت صفة حصلت عقيبها صفة أخرى، فإذًا مطلق العدم أعم من عدم تحصل شيء آخر عقبية، وأنه دار اللفظ بين العام والخاص، كأن جعله حقيقة في العام أولى من جعله حقيقة في الخاص، على ما تقدم تقريره في كتاب اللغات. انتهى. وأما في الإصطلاح: فقال جماعة، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والصيرفي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، والغزالي، والآمدي، وابن الانباري2 وغيرهم: هو الخطاب الدال على ارتفاع __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". ** ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 هو عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر، من غير تخلل زمان بين التعليقين، للتعشق الذاتي بين الروح والجسد. ا. هـ التعريفات "93". 2 هو محمد بن القاسم بن بشار، المقرئ، النحوي، الإمام الحافظ، اللغوي ذو الفنون، أبو بكر، ولد سنة اثنتين وسبعين ومائتين هـ، من آثاره: "كتاب الوقف والابتداء" "كتاب المشكل" "الأضداد" "عجائب علوم القرآن" "الزاهر" "غريب الحديث" وغيرها توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ا. هـ سير أعلام النبلاء 15/ 272 شذرات الذهب 2/ 315 معجم الأدباء 18/ 306. (2/50) الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه. وإنما آثروا الخطاب على النص، ليكون شاملا للفظ، والفحوى، والمفهوم، فإنه يجوز نسخ جميع ذلك. وقالوا: الدال على ارتفاع الحكم، ليتناول الأمر، والنهي، والخبر، وجميع أنواع الحكم. وقالوا بالخطاب المتقدم، ليخرج إيجاب العبادات ابتداء، فإنه يزيل حكم العقل ببراءة الذمة، ولا يسمى نسخا؛ لأنه لم يزل حكم خطاب. وقالوا: على وجه لولاه لكان ثابتا؛ لأنه حقيقة النسخ الرفع، وهو إنما يكون رافعا لو كان المتقدم بحيث لولا طريانه لبقى. وقالوا: مع تراخيه عنه؛ لأنه لو اتصل لكان بيانا لمدة العبادة لا نسخا. وقد اعترض على هذا الحد بوجوه: الأول: أن النسخ هو نفس الارتفاع، والخطاب إنما هو دال على الارتفاع، وفرق بين الرافع وبين نفس الارتفاع. الثاني: أن التقييد بالخطاب خطأ؛ لأن الناسخ قد يكون فعلا، كما يكون قولا. الثالث: أن الأمة إذا اختلفت على قولين، ثم أجمعت بعد ذلك على أحدهما، فهذا الإجماع خطاب، مع أن الإجماع لا ينسخ به. الرابع: أن الحكم الأول قد يثبت بفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس "بخطاب"* قال الرازي في "المحصول": والأولى أن يقال: الناسخ طريق شرعي، يدل على أن مثل الحكم الذي كان ثابتا بطريق شرعي لا يوجد بعد ذلك، مع تراخيه عنه على وجه لولاه لكان ثابتا. وفيه أن قوله: مثل الحكم الذي إلخ، يشمل ما كان مماثلا له في وجه من الوجوه، فلا يتم النسخ لحكم إلا برفع جميع المماثلات له في شيء مما يصح عنده إطلاق المماثلة عليه. وقال الزركشي: المختار في حده اصطلاحا أنه رفع الحكم الشرعي بخطاب. وفيه: أن الناسخ قد يكون فعلا لا خطابا. وفيه أيضًا: أنه أهمل تقييده بالتراخي، ولا يكون نسخ إلا به. __________ * في "أ": وليس هو الخطاب. (2/51) وقال ابن الحاجب في "مختصر المنتهي": إنه في الاصطلاح: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر. واعترض عليه: بأن الحكم راجع إلى كلام الله سبحانه، وهو قديم، والقديم لا يرفع ولا يزول. وأجيب: بأن المرفوع تعلق الحكم بالمكلف لا ذاته، ولا تعلقه الذاتي. وقال جماعة: هو في الاصطلاح: الخطاب الدال على انتهاء الحكم الشرعي، مع التأخير عن موارده، ويرد على قيد الخطاب ما تقدم، فالأولى أن يقال: هو رفع حكم شرعي بمثله مع تراخيه عنه. (2/52) المسألة الثانية: النسخ جائز عقلا واقع شرعا مدخل ... المسألة الثانية: النسخ جائز عقلا واقع شرعا النسخ جائز عقلا واقع سمعا، بلا خلاف في ذلك بين المسلمين، إلا ما يروى عن أبي مسلم الأصفهاني1، فإنه قال: إنه جائز، غير واقع. وإذا صح هذا عنه فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة المحمدية جهلا فظيعا، وأعجب من جهله بها حكاية من حكى عنه الخلاف في كتب الشريعة، فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين، لا بخلاف من بلغ في الجهل إلى هذه الغاية. وأما الجواز: فلم يحك الخلاف فيه إلا عن اليهود، وليس بنا إلى نصب الخلاف بيننا وبينهم حاجة، ولا هذه بأول مسألة خالفوا فيها أحكام الإسلام، حتى يذكر خلافهم في هذه المسألة، ولكن هذه من غرائب أهل الأصول. على أنا قد رأينا في التوراة في غير موضع أن الله سبحانه رفع عنهم أحكاما لما تضرعوا إليه، وسألوا منه رفعها، وليس النسخ إلا هذا، ولهذا لم يحكه من له معرفة بالشريعة الموسوية إلا عن طائفة من اليهود، وهم الشمعونية2، ولم يذكروا لهم دليلا، إلا ما ذكره بعض أهل الأصول من أن النسخ بداء، والبداء3 ممتنع عليه، وهذا مدفوع بأن النسخ لا يستلزم البداء لا __________ 1 هو محمد بن بحر الأصفهاني، الكاتب، المعتزلي، كان عالما بالتفسير، ولد سنة أربع وخمسين ومائتين هـ، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة هـ، من آثاره: "الناسخ والمنسوخ" "كتاب النحو" وغيرهما ا. هـ معجم الأدباء 18/ 35، الأعلام 6/ 50. 2 افترقت اليهود ثلاث فرق: أ- شمعونية: وهي التي تقول لا نمنع النسخ سمعا وعقلا. ب- عنانية: وهي التي تقول بمنع النسخ سمعا لا عقلا. ج- عيسوية: وهي التي ذهبت إلى جواز النسخ عقلا ووقوعه سمعا. ا. هـ. 3 البداء: مصدر بدا أي ظهر ظهورا. لسان العرب مادة بدا. وهذا يستحيل في حقه تعالى وهو أن يكون الأمر غائبا عنه ثم يبدو له. (2/52) عقلا، ولا شرعا، وقد جوزت الرافضة البداء عليه؛ عز وجل، لجواز النسخ، وهذه مقالة توجب الكفر بمجردها. والحاصل: أن النسخ جائز عقلا واقع شرعا، من غير فرق بين كونه في الكتاب أو السنة. وقد حكى جماعة من أهل "الأصول"* اتفاق أهل الشرائع عليه، فلم يبق في المقام ما يقتضي تطويل "المقال"**. وقد أول جماعة خلاف أبي مسلم الأصفهاني المذكور سابقا بما يوجب أن يكون الخلاف لفظيا. قال ابن دقيق العيد: نقل عن بعض المسلمين إنكار النسخ، لا بمعنى أن الحكم الثابت لا يرتفع، بل بمعنى أنه ينتهي بنص دل على انتهائه فلا يكون نسخا. ونقل عنه أبو إسحاق الشيرازي، والفخر الرازي، وسليم الرازي: أنه إنما أنكر الجواز، وأن خلافه في القرآن خاصة، لا كما نقل عنه الآمدي، وابن الحاجب: أنه أنكر الوقوع. وعلى كلا التقديرين فذلك جهالة منه عظيمه للكتاب والسنة، ولأحكام العقل، فإنه إن اعترف بأن شريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع، فهذا بمجرده يوجب عليه الرجوع عن قوله، وإن كان لا يعلم ذلك فهو جاهل بما هو من الضروريات الدينية، وإن كان مخالفا لكونها ناسخة للشرائع، فهو خلاف كفري1 لا يلتفت إلى قائله. نعم إذا قال: إن الشرائع المتقدمة مغياه بغاية هي البعثة المحمدية، وأن ذلك ليس بنسخ؛ فذلك أخف من إنكار كونه نسخًا غير مقيد بهذا القيد. __________ * في "أ": العلم. ** في "أ": المرام. __________ 1 أي مكفر لمن قال به. (2/53) الحكمة من النسخ: فإن قلت: ما الحكمة في النسخ؟ قلت: قال الفخر الرازي في "المطالب العالية"1: إن الشرائع قسمان: منها ما يعرف نفعها بالعقل في المعاش والمعاد. __________ 1 وهو في الكلام، للإمام فخر الدين، محمد بن عمر الرازي وشرحه عبد الرحمن المعروف بجلبي زادة ا. هـ كشف الظنون 2/ 1714. (2/53) ومنها: سمعية لا يعرف الانتفاع بها إلا من السمع. فالأول: يمتنع طروء النسخ عليه، كمعرفة الله، وطاعته أبدا. ومجامع هذه الشرائع العقلية أمران: التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله، قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } 1. والثاني: ما يمكن طريان النسخ والتبديل عليه، وهو أمور تحصل في كيفية إقامة الطاعات الفعلية، والعبادات الحقيقية. وفائدة نسخها: أن الأعمال البدنية إذا تواطئوا عليها خلفا عن سلف، صارت كالعادة عند الخلق، وظنوا أن أعيانها مطلوبة لذاتها، ومنعهم ذلك عن الوصول إلى المقصود، وعن معرفة الله وتمجيده، فإذا غير ذلك الطريق إلى نوع من الأنواع وتبين أن المقصود من هذه "الأعمال"* رعاية أحوال القلب والأرواح في المعرفة والمحبة، انقطعت الأوهام من الاشتغال بتلك "الصور و"** الظواهر إلى علَّام السرائر. وقيل: الحكمة أن هذا الخلق طبع على الملالة من الشيء فوضع في كل عصر شريعة جديدة لينشطوا في أدائها. وقيل: بيان شرف نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه نسخ بشريعته شرائعهم، وشريعته لا ناسخ لها. وقيل: الحكمة حفظ مصالح العباد، فإذا كانت المصلحة لهم في تبديل حكم بحكم، وشريعة بشريعة، كان التبديل لمراعاة هذه المصلحة. وقيل: الحكمة بشارة المؤمنين برفع الخدمة عنهم، "ورفع"*** مؤنتها عنهم في الدنيا مؤذن برفعها في الجنة. وذكر الشافعي في "الرسالة" أن فائدة النسخ رحمة الله بعباده، والتخفيف عنهم. وأورد عليه أنه قد يكون بأثقل. ويجاب عنه: بأن الرحمة قد تكون بالأثقل أكثر من الأخف، لما يستلزمه من تكثير الثواب، والله لا يضيع عمل عامل، فتكثير الثواب في الأثقل يصيره خفيفا على العامل، يسيرا عليه، لما يتصوره من جزالة الجزاء. __________ * في "أ": الأنواع. ** ما بين قوسين ساقط من "أ". *** في "أ" وبأن رفع. __________ 1 جزء من الآية 83 من سورة البقرة. (2/54) المسألة الثالثة: شروط النسخ للنسخ شروط: الأول: أن يكون المنسوخ شرعيًّا لا عقليًّا. الثاني: أن يكون الناسخ منفصلا عن المنسوخ، متأخرا عنه، فإن المقترن كالشرط، والصفة، والاستثناء لا يسمى نسخًا بل تخصيصا. الثالث: أن يكون النسخ بشرع، فلا يكون ارتفاع الحكم بالموت نسخًا، بل هو سقوط تكليف. الرابع: أن لا يكون المنسوخ مقيدًا بوقت، أما لو كان كذلك فلا يكون انقضاء وقته الذي قيد به نسخًا له. الخامس: أن يكون الناسخ مثل المنسوخ في القوة، أو أقوى منه، لا إذا كان دونه في القوة؛ لأن الضعيف لا يزيل القوي. قال إلكيا: وهذا مما قضى به العقل، بل دل الإجماع عليه، فإن الصحابة لم ينسخوا نص القرآن بخبر واحد. وسيأتي لهذا الشرط مزيد بيان. السادس: أن يكون المقتضي للمنسوخ غير المقتضي للناسخ، حتى لا يلزم البداء، كذا قيل. قال إلكيا: لا ويشترط بالاتفاق أن يكون اللفظ الناسخ متناولا لما تناوله المنسوخ، أعني: بالتكرار والبقاء؛ "إذ لا يمتنع"* فهم البقاء بدليل أخر سوى اللفظ. السابع: أن يكون مما يجوز نسخه، فلا يدخل النسخ أصل التوحيد؛ لأن الله سبحانه بأسمائه وصفاته لم يزل ولا يزال، ومثل ذلك ما علم بالنص أنه يتأبد ولا يتأقت. قال سليم الرازي: وكل ما لا يكون إلا على صفة واحدة، كمعرفة الله، ووحدانيته، ونحوه، فلا يدخله النسخ، ومن ههنا يعلم أنه لا نسخ في الأخبار؛ إذ لا يتصور وقوعها على خلاف ما أخبر به الصادق، وكذا قال إلكيا الطبري، وقال: الضابط فيما ينسخ ما يتغير حاله من حسن إلى قبح. قال الزركشي: واعلم أن في جواز نسخ الحكم المعلق بالتأبيد وجهين، حكاهما الماوردي، والروياني، وغيرهما. __________ * في "أ": إذ لا يمنع. (2/55) أحدهما: المنع؛ لأن صريح التأبيد مانع من احتمال النسخ. والثاني: الجواز، قالا: وأنسبهما الجواز. قال: ونسبه ابن برهان إلى معظم العلماء، ونسبه أبو الحسين في "المعتمد" إلى المحققين، "قال"* لأن العادة في لفظ التأبيد المستعمل في لفظ الأمر المبالغة لا الدوام. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". (2/56) المسألة الرابعة: جواز النسخ بعد اعتقاد المنسوخ والعمل به اعلم: أنه يجوز النسخ بعد اعتقاد المنسوخ والعمل به، بلا خلاف. قال الماوردي: وسواء عمل به كل الناس، كاستقبال بيت المقدس، أو بعضهم، كفرض الصدقة عند مناجاة الرسول. ولا خلاف أيضًا في جواز النسخ بعد "التمكن"* من الفعل الذي تعلق به الحكم بعد علمه بتكليفه به، وذلك بأن يمضي من الوقت المعين ما يسع الفعل. وقد حُكي الخلاف في ذلك عن الكرخي. وأما النسخ قبل علم المكلف بوجوب ذلك الفعل عليه، كما إذا أمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يعلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجوب شيء على الأمة، ثم ينسخه قبل أن يعلموا به، فحكى السمعاني في ذلك الاتفاق على المنع. قال الزركشي: وليس كذلك، ففي المسألة وجهان لأصحابنا، حكاهما الأستاذ أبو منصور، وإلكيا. انتهى. ويرد على المنع ما ثبت في ليلة المعراج من فرض خمسين صلاة ثم استقرت على خمس1. ولا وجه لما قيل: إن ذلك كان على سبيل التقرير، دون النسخ. قال ابن برهان في "الوجيز": نسخ الحكم قبل علم المكلف بوجوبه جائز عندنا، ومنعت من __________ * في "أ": التمكين. __________ 1 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء من حديث أبي ذر 349 وكتاب الحج، باب ما جاء في زمزم 1636. وأخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 163. وابن منده، كتاب الإيمان 714. والدارمي في كتاب الرد على الجهمية ص34. والنسائي في الكبرى كما في التحفة 9/ 156. وابن حبان في صحيحة 7406. وأبو عوانة في مسنده 1/ 133. (2/56) ذلك المعتزلة، وأصحاب أبي حنيفة، وزعموا أن النسخ قبل العلم يتضمن تكليف المحال. قال: وهذه المسألة فرع تكليف ما لا يطاق، فإذا قضينا بصحته، صح النسخ حينئذ. قال: واحتج علماؤنا في هذه المسألة بقصة المعراج، فإن الله تعالى أوجب على الأمة خمسين صلاة، ثم نسخها قبل علمهم بوجوبها، وهذا لا حجة فيه؛ لأن النسخ إنما كان بعد العلم، فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحد المكلفين، وقد علم، ولكنه قبل "علم"* جميع الأمة، وعلم الجميع لا يشترط، فإن التكليف استقر بعلم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا اعتماد على هذا الحديث "انتهى"**. ويجاب عنه: بأن عدم علم الأمة يقتضي وقوع النسخ قبل علم المكلفين بما كلفوا به، وهو محل النزاع. وحكى القاضي أبو بكر وغيره، عن جمهور الفقهاء والمتكلمين أن مثل هذا لا يكون نسخا. وقال بعض المتأخرين: نسخ الحكم قبل علم المكلف بالحكم المنسوخ اتفقت الأشاعرة على جوازه، والمعتزلة على منعه. وحكى الفقهاء في المسألة طريقين: أحدهما: أن للشافعي في المسألة قولين: والثاني: الفرق بين الأحكام التكليفية، والأحكام التعريفية، فمنعوه في الأول وجوزوه في الثاني، كتكليف الغافل، وهو مذهب أبي حنيفة. انتهى. وأما إذا كان المكلف قد علم بوجوبه عليه، ولكن لم يكن قد دخل وقته، وسواء كان موسعا، كما لو قال: اقتلوا المشركين غدا، ثم نسخ عنهم في ذلك اليوم، أو يكون على الفور، ثم نسخ قبل التمكن من الفعل، ويؤمر بالعبادة مطلقًا، ثم نسخ قبل مضي وقت يمكن فعلها فيه، فذهب الجمهور إلى الجواز، ونقله ابن برهان عن الأشعرية، وجماعة من الحنفية، ونقله غيرهم عن معتزلة البصرة. قال القاضي في "التقريب": وهو قول جميع أهل الحق. وذهب أكثر الحنفية -كما قاله ابن السمعاني- والحنابلة، والمعتزلة إلى المنع، وبه قال الكرخي، والجصاص، والماتريدي، والدبوسي، والصيرفي. احتج الجمهور: بأنه لا مانع من ذلك لا عقلا ولا شرعا مع أن المقتضى موجود، وهو أنه __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". ** ما بين قوسين ساقط من "أ". (2/57) رفع تكليف قد ثبت على المكلف، فكان نسخًا، وليس في ذلك ما يستلزم البداء، ولا المحال؛ لأن المصلحة التي جاز النسخ لأجلها بعد التمكن من الفعل، وبعد دخول الوقت يصح اعتبارها قبل التمكن من الفعل، وقبل دخول الوقت، للقطع بأن تبديل حكم بحكم، ورفع شرع بشرع "كائن"* فيهما. وإما إذا كان قد دخل وقت المأمور به، لكن وقع نسخه قبل فعله، إما لكونه موسعا، أو لكونه أراد أن يشرع فيه، فنسخ، فقال سليم الرازي، وابن الصباغ: إنه لا خلاف بين أهل العلم في جوازه، وجعلوا صورة الخلاف فيما إذ كان النسخ قبل دخول الوقت. وكذا نقل الإجماع في هذه الصورة ابن برهان، وبعض الحنابلة، والآمدي، وبه صرح إمام الحرمين في "البرهان". وأما إذا كان قد دخل وقته وشرع في فعله، فنسخ قبل تمام الفعل. فقال القرافي: لم أر فيه نقلا. وجعلها الأصفهاني في "شرح المحصول" من صور الخلاف. فمن قال بالجواز جوز هذه الصورة، ومن قال بالمنع منعها. وأما إذا وقع النسخ بعد خروج الوقت قبل الفعل. قال الزركشي: فمقتضى استدلال ابن الحاجب أنه يمتنع بالاتفاق، ووجه بأن التكليف بذلك الفعل المأمور به بعد مضى وقته ينتفي لانتفاء الوقت، وإذا انتفى فلا يمكن رفعه، لامتناع رفع المعدوم، لكن صرح الآمدي في "الإحكام" بالجواز، وأنه لا خلاف فيه. قيل: ولا يتأتى إلا ذا صرح بوجوب القضاء، أو على القول بأن الأمر بالأداء يستلزم القضاء. __________ * في "أ": كان. (2/58) المسألة الخامسة: إنه لا يشترط في النسخ أن يخلفه بدل إنه لا يشترط في النسخ أن يخلفه بدل، وإليه ذهب الجمهور، وهو الحق الذي لا سترة به، فإنه قد وقع النسخ في هذه الشريعة المطهرة لأمور معروفة لا إلى بدل. ومن ذلك نسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول1، ونسخ ادخار لحوم الأضاحي2، __________ 1 المنسوخ: قوله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} والناسخ: قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة 12-13]. ذكر القشيري وغيره عن علي أنه قال: في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ} الآية. ا. هـ القرطبي في تفسيره 17/ 302. 2 أخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع بلفظ: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته منه شيء" ، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: "كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها" كتاب الأضاحي، باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها 5569، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي 1974. والبيهقي، كتاب الضحايا، باب الرخصة في الأكل من لحوم الضحايا والإطعام والادخار 9/ 291. ومالك في الموطأ، كتاب الضحايا، باب ادخار لحوم الأضاحي: 7. (2/58) ونسخ تحريم المباشرة بقول سبحانه: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُن} 1، ونسخ قيام الليل في حقه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2. وأما ما تمسك به المخالفون، وهم بعض المعتزلة، وقيل: كلهم، والظاهرية، من قوله سبحانه: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 3، فلا دلالة في ذلك على محل النزاع، فإن المراد نسخ لفظ الآية، كما "يدل عليه"* قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فليس لنسخ الحكم ذكر في الآية، ولو سلمنا لجاز أن يقال: إن إسقاط ذلك الحكم المنسوخ خير من ثبوته في ذلك الوقت. وقد نص الشافعي في "الرسالة" على أنه يختار ما ذهب إليه القائلون باشتراط البدل، فقال: وليس ينسخ فرض أبدا إلا أثبت مكانه فرض، كما نسخت قبلة بيت المقدس، فأثبت مكانها الكعبة. قال: وكل منسوخ في كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هكذا. قال الصيرفي، وأبو إسحاق "المروزي"**: إنما أراد الشافعي بهذه العبارة أنه ينقل من حظر إلى إباحة، أو من إباحة إلى حظر، أو يخير على حسب أحوال المفروض، كما في المناجاة، فإنه كان يناجي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا تقديم صدقة، ثم فرض الله تقديم الصدقة، ثم أزال ذلك فردهم على ما كانوا عليه، وهذا الحمل هو الذي ينبغي تفسير كلام الشافعي به، فإن مثله لا يخفى عليه وقوع النسخ في هذه الشريعة بلا بدل، ولا شك في أنه يجوز ارتفاع التكليف بالشيء، والنسخ مثله، لأنه رفع تكليف، ولم يمنع من ذلك شرع ولا عقل، بل دل الدليل على الوقوع. __________ * في "أ": على ذلك. ** ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 جزء من الآية 187من سورة البقرة. قوله: فالآن: مرتب على قوله {أُحِلَّ لَكُم} ، نظرا إلى ما هو المقصود من الإحلال وهو إزالة التحريم، أي حين نسخ عنكم تحريم القربان وهو ليلة الصيام. ا. هـ روح المعاني 2/ 65. 2 أخرجه مسلم، من حديث سعد بن هشام، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه: أو مرض: 746 وأبو داود، كتاب الصلاة، باب في صلاة الليل 1342. وعبد الرزاق في مصنفه من حديث عائشة رضي الله عنها مطولا برقم 4714. وأخرجه ابن خزيمة برقم 1078 و1127، وابن حبان بلفظ: "يا أم المؤمنين انبئيني عن قيام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: ألست تقرأ هذه السورة {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} قلت: بلى، قالت: فإن الله جل وعلا افترض القيام في أول هذه السورة... ثم أنزل الله جلا وعلا التخفيف في آخر هذه السورة..."2551. 3 جزء من الآية 106من سورة البقرة. (2/59) المسألة السادسة: في النسخ إلى بدل يقع على وجوه ... المسألة السادسة: النسخ إلى بدل يقع على وجوه الأول: أن يكون الناسخ مثل المنسوخ في التخفيف والتغليظ، وهذا لا خلاف فيه، وذلك كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة1. الثاني: نسخ الأغلظ بالأخف، وهو أيضًا مما لا خلاف فيه، وذلك كنسخ العدة حولا بالعدة أربعة أشهر وعشرًا2. الثالث: نسخ الأخف إلى الأغلظ، فذهب الجمهور إلى جوازه، خلافا للظاهرية. والحق: الجواز والوقوع كما في نسخ وضع القتال في أول الإسلام بفرضه بعد ذلك3، ونسخ التخيير بين الصوم والفدية بفرضية الصوم4، ونسخ تحليل الخمر بتحريمها5، ونسخ __________ 1 وذلك بما ورد من حديث البراء بن عازب قال: لما قدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله جل وعلا: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ... الحديث. أخرجه البخاري كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان 399. ومسلم، كتاب المساجد، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة 525. والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في ابتداء القبلة 340. وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب القبلة 1010. والنسائي، كتاب القبلة، باب استقبال القبلة 2/ 60. وابن حبان في صحيحه 1716. والبغوي في شرح السنة 444. 2 وذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. نسخت قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ } [البقرة: 240]. 3 وذلك بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [ البقرة: 216]. 4 وذلك بما أخرجه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع بلفظ: "لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كان من أراد منا أن يفطر أفطر وافتدى حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها". كتاب التفسير، باب: من شهد منكم الشهر فليصمه، 4506. ومسلم كتاب الصوم باب بيان نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 1145. وأبو داود، كتاب الصوم، باب نسخ قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 2315. والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} 798. والنسائي، كتاب الصوم، باب تأويل قول الله عز وجل: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} 4/ 190. والبيهقي كتاب الصيام، باب ما كان عليه حال الصيام 4/ 200، وابن حبان في صحيحه 3478. 5 وكان ذلك على التدريج لأنهم كانوا مولعين بشربها فالدرجة الأولى لبيان إثمه جاء قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} فتركها بعضهم وقال: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير. والدرجة الثانية جاء قوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فتركها بعضهم وقال: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة. والدرجة الثالثة جاء قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئًا أشد من الخمر ا. هـ تفسير القرطبي 6/ 286 بتصرف. (2/60) نكاح المتعة بعد تجويزها1، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان2. واستدل المانعون بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 3، وبقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 4. وأجيب: بأن المراد اليسر في الآخرة، وهذا الجواب وإن كان بعيدا لكن وقوع النسخ في هذه الشريعة للأخف بالأغلظ يوجب تأويل الآية، ولو بتأويل بعيد، على أنه يمكن أن يقال: إن الناسخ والمنسوخ هما من اليسر، والأغلظية في الناسخ إنما هي بالنسبة إلى المنسوخ، وهو بالنسبة إلى غيره تخفيف ويسر. وأما الجواب عن الآية الثانية فظاهر؛ لأن الناسخ الأغلظ ثوابه أكثر، فهو خير من المنسوخ من هذه الحيثية. __________ 1 كما ورد عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "رخص لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهانا عنها". مسلم، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة 1404. البيهقي، كتاب النكاح، باب نكاح المتعة 7/ 204. ابن شيبة 4/ 292. وأخرجه ابن حبان في صحيحة 4151. وبنحوه عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه. أخرجه مسلم 1406. وابن ماجه، كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة 1962. ابن الجارود 699، ابن حبان في صحيحة 4147. أحمد في مسنده 3/ 404. 2 كما ورد من حديث ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في صوم يوم عاشوراء بعدما نزل صوم رمضان: "من شاء صامه ومن شاء أفطره " . أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية 4501. ومسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 1126 117. وأبو داود، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء 2443. وابن حبان في صحيحه 3622. أحمد في مسنده 2/ 57 و143. والبيهقي، كتاب الصيام، باب من زعم أن صوم عاشوراء كان واجبا ثم نسخ وجوبه 4/ 289. وعبد الرزاق في مصنفه 7848. 3 جزء من الآية 185 من سورة البقرة. 4 جزء من الآية 106 من سورة البقرة. (2/61) المسألة السابعة: في جواز نسخ الأخبار وفيه تفصيل، وهو أن يقال: إن كان خبرا عما لا يجوز تغيره، كقولنا: العالم حادث، فهذا لا يجوز نسخه بحال. (2/61) وإذا كان خبرا عما يجوز تغيره، فإما أن يكون ماضيا أو مستقبلا، والمستقبل إما أن يكن وعدا أو وعيدا، أو خبرا عن حكم، كالخبر عن وجوب الحج. فذهب الجمهور إلى جواز النسخ لهذا الخبر بجميع هذه الأقسام. وقال أبو علي، وأبو هاشم: لا يجوز النسخ لشيء منها. وقال في "المحصول": وهو قول أكثر المتقدمين. استدل الجمهور على الجواز أن الخبر إن عن أمر ماضٍ كقوله: عمرت نوحا ألف سنة. جاز أن يبين من بعد أنه عمره ألف سنة إلا خمسين عاما. وإن كان مستقبلا، وكان وعدا أو وعيدا كقوله: لأعذبن الزاني أبدا، فيجوز أن يبين من بعد أنه أراد ألف سنة، وإن كان خبرا عن حكم الفعل في المستقبل، كان الخبر كالأمر في تناوله الأوقات المستقبلة، فصح إطلاق الكل مع إرادة البعض لما تناوله بموضوعه. قال الزركشي: إن كان مدلول الخبر مما لا يمكن تغيره، بأن لا يقع إلا على وجه واحد، كصفات الله، وخبر ما كان من الأنبياء والأمم، وما يكون من الساعة وآياتها، كخروج الدجال1 فلا يجوز نسخه بالاتفاق، كما قاله أبو إسحاق المروزي، وابن برهان في "الأوسط"؛ لأنه يفضي إلى الكذب، وإن كان مما يصح تغيره، بأن يقع على الوجه المخبر عنه ماضيا كان أو مستقبلا، وعدا أو وعيدا، أو خبرا عن حكم شرعي، فهو "موضع"* الخلاف. فذهب أبو عبد الله، وأبو الحسين البصريان، وعبد الجبار، والفخري الرازي، إلى جوازه مطلقًا، ونسبه ابن برهان في "الأوسط" إلى المعظم. وذهب جماعة إلى المنع، منهم أبو بكر الصيرفي، كما رأيته في كتابه2، وأبو إسحاق المروزي كما رأيته في كتابه3 في "الناسخ والمنسوخ". والقاضي أبو بكر، وعبد الوهاب، __________ * في "أ": موضوع. __________ 1 وذلك بما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا قد أنذر أمته الدجال…" الحديث. أخرجه البخاري، كتاب الفتن باب ذكر الدجال 7127. وأخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب ذكر الدجال 2933. وأبو داود، كتاب الملاحم، باب ذكر خروج الدجال 4316. وابن حبان في صحيحه 6780 6785. 2 لعله "دلائل الإعلام علي أصول الأحكام" وهو للشيخ الإمام أبي بكر محمد بن عبد الله الصيرفي. ا. هـ أيضًاح المكنون 1/ 476. 3 وهو كتاب "الفصول في معرفة الأصول" للشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي. ا. هـ هدية العارفين 1/ 6. (2/62) والجبائي، وابنه أبو هاشم، وابن السمعاني، وابن الحاجب. وقال الأصفهاني: إنه الحق. ومنهم من فصل، ومنع في الماضي؛ لأنه يكون تكذيبا، دون المستقبل لجريانه مجرى الأمر والنهى، فيجوز أن يرفع؛ لأن الكذب يختص بالماضي، ولا يتعلق بالمستقبل. قال الشافعي: لا يجب الوفاء بالوعد، وإنما يسمى من لم يفِ بالوعد مخلفا لا كاذبا. وهذا التفصيل جزم به سليم، وجرى عليه البيضاوي في "المنهاج"1، وسبقهما إليه أبو الحسين ابن القطان. أقول: والحق: منعه في الماضي مطلقًا، وفي بعض المستقبل، وهو الخبر بالوعد، لا بالوعيد، ولا بالتكليف، أما بالتكليف فظاهر؛ لأنه رفع حكم عن مكلف، وأما بالوعيد، فلكونه عفوا، و"هو"* لا يمتنع من الله سبحانه، بل هو حسن يمدح فاعله من غيره، ويتمدح به في نفسه، وأما الماضي فهو كذب صراح، إلا أن يتضمن تخصيصا، أو تقييدا، أو تبيينا لما تضمنه الخبر الماضي، فليس بذلك بأس. وهذه المسألة لها إلمام بمسألة الحسن والقبح، المتقدم ذكرها في بعض أطرافها دون بعض. وقد استدل المانعون مطلقًا باستلزام ذلك الكذب، وهو استدلال باطل، فإن ذلك الاستلزام إنما هو في بعض الصور كما عرفت، لا في كلها، وقد نقل أبو الحسين في "المعتمد" عن شيوخ المعتزلة منع النسخ في الوعد والوعيد. قال الزركشي: وأما عندنا فكذلك في الوعد؛ لأنه إخلاف، والخلف في الإنعام يستحيل على الله، وبه صرح الصيرفي في كتابه. وأما في الوعيد فنسخة جائز، كما قال ابن السمعاني. قال: ولا يعد ذلك خلفا، بل عفوا وكرما. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 واسمه: "منهاج الوصول إلى علم الأصول" للإمام عبد الله بن عمر البيضاوي. وهو مرتب على مقدمة وسبعة كتب. قال عنه: إن كتابنا هذا يسمى منهاج الوصول إلى علم الأصول الجامع بين المشروع والمعقول والمتوسط بين الفروع والأصول. ا. هـ كشف الظنون 2/ 1878. (2/63) المسألة الثامنة: في نسخ التلاوة دون الحكم والعكس ونسخهما معا وقد جعل أبو إسحاق المروزي، وابن السمعاني، وغيرهما ذلك ستة أقسام. الأول: ما نسخ حكمه وبقي رسمه، كنسخ آية الوصية للوالدين والأقربين1 بآية __________ 1 وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة 180]. (2/63) المواريث1، ونسخ العدة حولا بالعدة أربعة أشهر وعشرا2. فالمنسوخ ثابت التلاوة "مرفوع"* الحكم "والناسخ ثابت التلاوة والحكم"** وإلى جواز ذلك ذهب الجمهور، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه. وقد حكى جماعة من الحنفية، والحنابلة عدم الجواز عن بعض أهل الأصول، قالوا: لأنه إذا انتفى الحكم فلا فائدة في التلاوة، وهذا قصور عن معرفة الشريعة، وجهل كبير بالكتاب العزيز، فإن المنسوخ حكمه، الباقية تلاوته في الكتاب العزيز مما لا ينكره من له أدني قدم في العلم. الثاني: ما نسخ حكمه ورسمه، وثبت حكم الناسخ ورسمه، كنسخ استقبال بيت المقدس باستقبال الكعبة3، ونسخ صيام عاشوراء بصيام رمضان4. قال أبو إسحاق المروزي: ومنهم من جعل القبلة من نسخ السنة بالقرآن، وزعم أن استقبال بيت المقدس بالسنة لا بالقرآن. الثالث: ما نسخ حكمه وبقي رسمه، ورفع رسم الناسخ، وبقي حكمه، كقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} 5 بقوله تعالى: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله"، وقد ثبت في الصحيح أن هذا كان قرآنا يتلى، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه6. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ" ** ما بين قوسين ساقط من "أ" __________ 1 وهي ثلاثة آيات في سورة النساء 11-12-176. 2 تقدم بيان آياتها في الصفحة 2/ 60. 3 تقدم بيانها في الصفحة 2/ 60. 4 تقدم بيانه في الصفحة 2/ 61. 5 جزء من الآية 15 من سورة النساء. 6 عن أبي بن كعب قال: كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة فكان فيها: "الشيخ والشيخة إذا زنيا، فارجموهما ألبتة".وهو جزء من حديث طويل أخرج البخاري جزءه الأول عن أبي بن كعب، كتاب التفسير، باب سورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ الفَلَقِ} 4976. وأخرج مسلم أيضًا الجزء الأول من الحديث عن عقبة بن عامر 814. البيهقي، عن زر قال: قال لي أبي بن كعب: يا زر كأين تعد، وكأين تقرأ سورة الأحزاب؟ قال: قلت: كذا وكذا آية. قال: إن كانت لتضاهي سورة البقرة، وأن كنا نقرأ فيهما "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله ورسوله" فرفع فيما رفع 8/ 111. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه 13363. عبد الله بن الإمام أحمد في الزيادات 5/ 132. وابن حبان في صحيحه 4428 4429. من حديث عمر مالك في الموطأ، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم 10 2/ 819. (2/64) الرابع: ما نسخ حكمه ورسمه، ونسخ رسم الناسخ وبقي حكمه، كما ثبت في الصحيح عن عائشة أنها قالت: "كان فيما أنزل عشر رضعات متتابعات يحرمن فنسخن بخمس رضعات"، فتوفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهن فيما يتلى من القرآن1. قال البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمه وحكمه، والخمس مما نسخ رسمه وبقى حكمه، بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوها رسما، وحكمها باق عندهم. قال ابن السمعاني: وقولها: "وهن مما يتلى من القرآن" بمعنى أنه يتلى حكمه دون لفظه. وقال البيهقي: المعنى أنه يتلوه من لم يبلغه نسخ تلاوته. ومنع قوم من نسخ اللفظ مع بقاء حكمه، وبه جزم شمس الأئمة السرخسي؛ لأن الحكم لا يثبت بدون دليله، ولا وجه لذلك، فإن الدليل ثابت موجود محفوظ، ونسخ كونه قرآنا لا يستلزم عدم وجوده، ولهذا رواه الثقات في مؤلفاتهم. الخامس: ما نسخ رسمه لا حكمه، ولا يعلم الناسخ له، وذلك كما ثبت في الصحيح: "لو كان لابن أدم واديان من ذهب لتمنى لهما ثالثها، ولا يملأ جوف ابن أدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" 2. فإن هذا كان قرآنا ثم نسخ رسمه. قال ابن عبد البر في "التمهيد3: قيل: إنه في سورة ص. وكما ثبت في الصحيح أيضًا أنه نزل في القرآن حكاية عن أهل بئر معونة أنهم قالوا: "بلغوا __________ 1 أخرجه مسلم من حديث عائشة، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات 1452. وأبو داود، كتاب النكاح، باب هل يحرم ما دون خمس رضعات 2062. والترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان 3/ 456. والنسائي، كتاب النكاح، باب القدر الذي يحرم من الرضاعة 6/ 100. والدارمي في سننه 1572. مالك في الموطأ، كتاب الرضاع، باب جامع ما جاء في الرضاعة 2/ 608. ابن حبان في صحيحه 4221. والبيهقي،كتاب الرضاع، باب من قال لا يحرم من الرضاع إلا خمس رضعات 7/ 454. 2 أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس، كتاب المناقب، باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي 3898. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه احمد في مسنده 5/ 117. والطبراني من طريق الحسين بن واقد 542. وبنحوه الطيالسي 539. وصحح إسناده الحاكم 2/ 244. ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو الشيخ من طريق ثابت 79. وابن حبان في صحيحه 3237. 3 واسمه "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسنانيد" قال ابن حزم هو كتاب في الفقه والحديث ولا أعلم له نظير. وهو عبارة عن شرح لموطأ الإمام مالك بن أنس. ا. هـ كشف الظنون 2/ 1907. (2/65) قومنا أن قد لقينا ربنا فرضى عنا وأرضانا"1. وكما أخرجه الحاكم في "مستدركه"، من حديث زر بن حبيش2 عن أبي بن كعب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} 3 وقرأ فيها: "إن ذات الدين عند الله الحنيفية، لا اليهودية والنصرانية، ومن يعمل خيرا فلن يكفر"4. قال الحاكم: صحيح الإسناد؛ فهذا مما نسخ لفظه، وبقي معناه. وعده ابن عبد البر في "التمهيد" مما نسخ خطه وحكمه، وحفظه "ينسى مع رفع خطة من المصحف، وليس حفظه على وجه التلاوة، ولا يقطع بصحته عن الله، ولا يحكم به اليوم أحد"* قال: ومنه قول من قال: إن سورة الأحزاب كانت نحو سورة البقرة5. السادس: ناسخ صار منسوخا، وليس بينهما لفظ متلو، كالمواريث بالحلف والنصرة، فإنه نسخ بالتوارث بالإسلام والهجرة، ونسخ التوارث بالإسلام والهجرة بآي المواريث.. قال ابن السمعاني: وعندي أن القسمين الأخيرين تكلف، وليس يتحقق فيهما النسخ. وجعل أبو إسحاق المروزي التوريث بالهجرة من قسم ما علم أنه منسوخ، ولم يعلم ناسخه. والحاصل: أن نسخ التلاوة دون الحكم، أو الحكم دون التلاوة، أو نسخهما معا لم يمنع منه مانع شرعي ولا عقلي، فلا وجه للمنع منه؛ لأن جواز تلاوة الآية حكم من أحكامها، وما __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 أخرجه البخاري عن أنس، كتاب الوتر، باب القنوت قبل الركوع وبعده 1003. مسلم، كتاب المساجد، باب استحباب القنوت في جميع الصلاة 677 299. النسائي، كتاب التطبيق، باب القنوت بعد الركوع 2/ 200. أحمد في مسنده 3/ 116. ابن حبان في صحيحه 1973. عبد الرزاق في المصنف 4963. البيهقي، كتاب الصلاة، باب ما يجوز من الدعاء في الصلاة 2/ 244. وأخرجه أبو يعلى وحده بزيادة: قال قتادة: وحدثنا أنس أنهم قرءوا به قرآنا: "بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" برقم 3159. انظر الاتفاق للسيوطي 3/ 84. 2 هو ابن حباشة للإمام القدوة، مقرئ الكوفة مع السلمي، أبو مطرف أدرك أيام الجاهلية، توفي سنة إحدى وثمانين بلغ من العمر مائة وسبع وعشرين سنة قال عصام: ما رأيت أحد أقرأ من زر. ا. هـ سير أعلام النبلاء 4/ 166 تذكرة الحفاظ 1/ 54 الإصابة 2971 تهذيب التهذيب 3213. 3 جزء من الآية 1 من سورة البينة. 4 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة لم يكن 2/ 531 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، كتاب التفسير رقم الباب 91 برقم 11508 وأحمد في مسنده 5/ 132. 5 انظر التعليق 2 في 2/ 64. (2/66) تدل عليه من الأحكام حكم آخر لها، ولا تلازم بينهما، وإذا ثبت ذلك فيجوز نسخهما ونسخ أحدهما، كسائر الأحكام المتباينة. ولنا أيضًا: الوقوع، وهو دليل الجواز، كما عرفت مما أوردناه. (2/67) المسألة التاسعة: وجوه نسخ القرآن والسنة لا خلاف في جواز نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ السنة بالسنة المتواترة، وجواز نسخ الآحاد بالآحاد، ونسخ الآحاد بالمتواتر. وأما نسخ القرآن، أو المتواتر من السنة بالآحاد، فقد وقع الخلاف في ذلك في الجواز والوقوع. أما الجواز عقلا: فقال به الأكثرون، وحكاه سليم الرازي عن الأشعرية، والمعتزلة. ونقل ابن برهان في "الأوسط" الاتفاق عليه، فقال: لا يستحيل عقلا نسخ الكتاب بخبر الواحد، بلا خلاف، وإنما الخلاف في جوازه شرعا وأما الوقوع: فذهب الجمهور، كما حكاه ابن برهان، وابن الحاجب، وغيرهما إلى أنه غير واقع. ونقل ابن السمعاني، وسليم في "التقريب" الإجماع على عدم وقوعه، وهكذا حكى الإجماع القاضي أبو الطيب في "شرح الكفاية"، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "اللمع". وذهب جماعة من أهل الظاهر، منهم ابن حزم إلى وقوعه، وهي رواية عن أحمد. وذهب القاضي في "التقريب"، والغزالي، وأبو الوليد الباجي، والقرطبي إلى التفصيل بين زمان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما بعده، فقالوا بوقوعه في زمانه. احتج المانعون بأن الثابت قطعا لا ينسخه مظنون. واستدل القائلون بالوقوع بما ثبت من أن أهل قباء لما سمعوا مناديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم في الصلاة يقول: "ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، فاستداروا"1 ولم ينكر ذلك عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وأجيب: بأنهم علموا بالقرائن. واستدل أيضًا القائلون بالوقوع بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرسل رسله لتبليغ الأحكام "وهم آحاد"*، __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 تقدم تخريجه في "1/ 136". (2/67) وكانوا يبلغون الأحكام المبتدأة وناسخها. ومن الوقوع: نسخ قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} 1 الآية. "بنهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير"2 وهو آحاد. وأجيب: بأن المعنى: لا أجد الآن، والتحريم وقع في المستقبل. ومن الوقوع نسخ نكاح المتعة3 بالنهي عنها، وهو آحاد. ونحو ذلك كثير. ومما يرشدك إلى جواز النسخ بما صح من الآحاد لما هو أقوى متنًا أو دلالة منها: أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيا، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني، لا ذلك القطعي، فتأمل هذا. __________ 1 جزء من الآية 145 من سورة الأنعام. 2 أخرجه مسلم من حديث ابن عباس، كتاب الصيد، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع 1934. النسائي، كتاب الصيد، باب إباحة أكل لحم الدجاج 7/ 206. ابن ماجه، كتاب الصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع 3234. البيهقي، كتاب الضحايا، باب ما يحرم من جهة ما لا تأكله العرب 9/ 315. الدارمي في سننه 2/ 85. أحمد في مسنده 1/ 302. ابن حبان في صحيحه 5280 وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 262. 3 تقدم تخريجه في 2/ 61. (2/68) المسألة العاشرة: نسخ القرآن بالسنة المتواترة مدخل ... المسألة العاشرة: نسخ القرآن بالسنة المتواترة يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة عند الجمهور، كما حكى ذلك عنهم أبو الطيب الطبري، وابن برهان، وابن الحاجب. قال ابن فورك في "شرح مقالات الأشعرى"1: وإليه ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعرى، وكان يقول: إن ذلك وجد في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } 2، فإنه منسوخ بالسنة المتواترة، وهي قوله: "لا وصية لوارث " 3 "وكان يقول: إنه لا يجوز أن يقال إنها نسخت بآية المواريث"* لأنه يمكن أن يجمع بينهما. قال ابن السمعاني: وهو مذهب أبي حنيفة، وعامة المتكلمين. __________ * ما بين قوسين ساقط من "أ". __________ 1 لم أجد فيما بين يدي من كتب التراجم أحدا ممن ترجم لابن فورك يذكر له هذا الكتاب. 2 البقرة 180. 3 تقدم تخريجه في 1/ 389. (2/68) وقال سليم الرازي: هو قول أهل العراق، قال: وهو مذهب الأشعري، والمعتزلة، وسائر المتكلمين. قال الدبوسي: إنه قول علمائنا، يعني: الحنفية. قال الباجي: قال به عامة شيوخنا، وحكاه "أبو"* الفرج عن مالك. قال: ولهذا لا تجوز عنده الوصية للوارث للحديث، فهو ناسخ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} الآية. وذهب الشافعي في عامة كتبه -كما قال ابن السمعاني- إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة بحال، وإن كانت متواترة. وبه جزم الصيرفي، والخفاف1، ونقله عبد الوهاب عن أكثر الشافعية. وقال الأستاذ أبو منصور: أجمع أصحاب الشافعي على المنع، وهذا يخالف ما حكاه ابن فورك عنهم، فإنه حكى عن أكثرهم القول بالجواز، ثم اختلف المانعون، فمنهم من منعه عقلا وشرعا، ومنهم من منعه شرعا لا عقلا. واستدل على ذلك بقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} 2 الآية. قالوا: ولا تكون السنة خيرا من القرآن، "ولا"** مثله، قالوا: ولم نجد في القرآن آية منسوخة بالسنة. وقد استنكر جماعة من العلماء ما ذهب إليه الشافعي من المنع، حتى قال إلكيا الهراس: هفوات الكبار على أقدارهم، ومن عد خطؤه عظم قدره. قال: وقد كان عبد الجبار كثيرا ما "ينصر"*** مذهب الشافعي في الأصول والفروع، فلما وصل إلى هذا الموضع قال: هذا الرجل كبير، ولكن الحق أكبر منه، قال: ولم نعلم أحدا منع من جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد عقلا، فضلا عن المتواتر، فلعله يقول: دل عرف الشرع على المنع منه، وإذا لم يدل قاطع من السمع توقفنا، وإلا فمن الذي يقول: إنه عليه السلام لا يحكم بقوله في نسخ ما ثبت في الكتاب، وأن هذا مستحيل في العقل؟ __________ *في "أ": أين. ** ما بين قوسين ساقط من "أ". *** في "أ": ينظر. __________ 1 هو عبد الوهاب بن عطاء العجلي، الخفاف، أبو نصر، فقيه، محدث مفسر، من أهل البصرة، توفي ببغداد سنة أربع ومائتين هـ، من آثاره: "السنن في الفقه، التفسير، الناسخ والمنسوخ، الصيام". ا. هـ. معجم المؤلفين 6/ 225. كشف الظنون 2/ 1434. 2 جزء من الآية 106 من سورة البقرة. (2/69) والمغالون في حب الشافعي لما رأوا هذا القول لا يليق بعلو قدره، وهو الذي مهد هذا الفن ورتبه، وأول من أخرجه، قالوا: لا بد أن يكون لهذا القول من هذا العظيم محمل، فتعمقوا في محامل ذكروها، انتهى. ولا يخفاك أن السنة شرع من الله عز وجل، كما أن الكتاب شرع منه سبحانه، وقد قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 1، وأمر سبحانه باتباع رسوله في غير موضع في القرآن، فهذا بمجرده يدل على أن السنة الثابتة عنه ثبوتا على حد ثبوت الكتاب العزيز حكمها حكم القرآن في النسخ وغيره، وليس في العقل ما يمنع من ذلك، ولا في الشرع. وقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} 2، ليس فيه إلا أن ما يجعله الله منسوخا من الآيات القرآنية سيبدله بما هو خير منه، أو بما هو مثله للمكلفين، وما أتانا على لسان رسوله، فهو كما أتانا منه، كما قال سبحانه: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 3 وكما قال تعالى: { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي} 4. قال أبو منصور البغدادي: لم يرد الشافعي مطلق السنة، بل أراد السنة المنقولة آحادا، واكتفى بهذا الإطلاق؛ لأن الغالب في السنة الآحاد. قال الزركشي في "البحر": والصواب أن مقصود الشافعي أن الكتاب والسنة لا يوجدان مختلفين إلا ومع أحدهما مثله ناسخ له، وهذا تعظيم عظيم، وأدب مع الكتاب والسنة، وفهم لموقع احدهما من الآخر، وكل من تكلم في هذه المسألة لم يقع على مراد الشافعي، بل فهموا خلاف مراده، حتى غلطوه وأولوه. انتهى. ومن جملة ما قيل: إن السنة فيه نسخت القرآن الآية المتقدمة، أعني قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} 5 الآية، وقوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ} 6، وقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} 7 الآية منسوخة بالنهي "عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير"8، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 9، فإنها منسوخة بأحاديث الدباغ10 على نزاع طويل في كون ما في هذه الآيات منسوخة بالسنة. __________ 1 جزء من الآية 7 من سورة الحشر. 2 جزء من الآية 106 من سورة البقرة 3 الآية 4 من سورة النجم. 4 جزء من الآية 15 من سورة يونس. 5 جزء من الآية 180 من سورة البقرة. 6 جزء من الآية 11 من سورة الممتحنة. 7 جزء من الآية 145 من سورة الأنعام. 8 تقدم تخريجه في 2/ 68. 9 جزء من الآية 3 من سورة المائدة. 10 أحاديث الدباغة كثيرة منها حديث شاة ميمونة المشهور، وقوله عليه الصلاة والسلام: "إيما إهاب دبغ فقد طهر" وقد تقدم تخريجه في 1/ 347. (2/70) نسخ السنة بالقرآن: وأما نسخ السنة بالقرآن فذلك جائز عند الجمهور، وبه قال بعض من منع من نسخ القرآن بالسنة. وللشافعي في ذلك قولان حكاهما القاضي أبو الطيب الطبري، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وإمام الحرمين، وصححوا جميعا الجواز. قال ابن برهان: هو قول المعظم. وقال سليم: هو قول عامة المتكلمين والفقهاء. وقال السمعاني1: إنه الأولى بالحق، وجزم به الصيرفي، ولا وجه للمنع قط، ولم يأت في ذلك ما يتشبث به المانع، لا من عقل، ولا من شرع، بل ورد في الشرع نسخ السنة بالقرآن في غير موضع. فمن ذلك: قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} 2 الآية. وكذلك نسخ صلحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقريش على أنْ يرد لهم النساء، بقوله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} 3. __________ 1 هو منصور بن محمد، الإمام العلامة، مفتي خراسان، شيخ الشافعية، أبو المظفر ولد سنة ستٍ وعشرين وأربعمائة، من آثاره كتاب "الاصطلام" "البرهان" "الأمالي" وتوفي سنة تسعٍ وثمانين وأربعمائة هـ. ا. هـ. سير أعلام النبلاء 19/ 114. هدية العارفين 2/ 473 شذرات الذهب 3/ 393 الأعلام 7/ 303. 2 جزء من الآية 144 من سورة البقرة. وانظر التعليق 1 في الصفحة 60. 3 جزء من الآية 10 من سور الممتحنة. وسبب نزولها كما ذكر القرطبي قال: هربت أم كلثوم بنت عقبة من زوجها عمرو بن العاص ومعها أخواها عمارة والوليد؛ وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد صالح قريشا في الحديبية على أن من جاءه من قريش رده إليهم، فرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخويها وحبسها، فقالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ردها علينا للشرط، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان الشرط في الرجال لا في النساء. فأنزل الله تعالى هذه الآية. وعن عروة قال: كان مما اشترط سهيل بن عمرو على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية: ألا يأتيك من أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل. يومئ إلى أن الشرط في رد النساء نسخ بذلك. وقيل نزلت الآية في سبيعة بنت الحارث الأسلمية زوجة صيفي بن الراهب. ا. هـ القرطبي 18/ 61 تفسير ابن كثير 4/ 374 الصاوي على الجلالين 4/ 411. (2/71) ونسخ تحليل الخمر بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِر} 1 الآية: ونسخ تحريم المباشرة بقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُن} 2 ونسخ صوم يوم عاشوراء بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} 3. ونحو ذلك مما يكثر تعداده. __________ 1 جزء من الآية 90 من سورة المائدة وانظر التعليق 5 في الصفحة 60. 2 جزء من الآية 187من سورة البقرة وانظر التعليق 1 في الصفحة 59. 3 جزء من الآية 185من سورة البقرة وانظر التعليق 2 في الصفحة 61. (2/72) المسألة الحادية عشرة: نسخ القول والفعل من السنة ذهب الجمهور إلى أن الفعل من السنة ينسخ القول، كما أن القول ينسخ الفعل، وحكى الماوردي، والروياني عن ظاهر قول الشافعي: إن القول لا ينسخ إلا بالقول، وأن الفعل لا ينسخ إلا بالفعل، ولا وجه لذلك، فالكل سنة وشرع. ولا يخالف في ذلك الشافعي ولا غيره، وإذا كان كل واحد منهما شرعا ثابتا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا وجه للمنع من نسخ أحدهما بالآخر، ولا سيما وقد وقع ذلك في السنة كثيرا. ومنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السارق: "فإن عاد في الخامسة فاقتلوه" 1 ثم رفع إليه سارق في الخامسة فلم يقتله2. فكان هذا الترك ناسخا للقول. __________ 1 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الحدود، 4/ 382 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي في التلخيص: بل منكر. وقال التهاونوي في إعلاء السنن: وسند المستدرك صحيح على قاعدة الحافظ السيوطي 11/ 715 كتاب السرقة، باب إذا سرق الثانية قطعت رجله اليسرى. وأخرج بنحوه البيهقي في سننه في السرقة، باب السارق يعود فيسرق ثانيا وثالثا ورابعا 8/ 272. 2 ومثال ذلك ما أخرجه البيهقي في سننه في السرقة باب السارق يعود فيسرق ثانيا وثالثا ورابعا من حديث الحارث بن أبي ربيعة "قال أتي بالسارق فقال: يا رسول الله هذا غلام الأيتام من الأنصار والله لا نعلم لهم مالا غيره، فتركه ثم أتي به الثانية فتركه، ثم أتي الثالثة فتركه، ثم أتي الرابعة فتركه، ثم أتي به الخامسة فقطع يده، ثم أتي به السادسة فقطع رجله، ثم أتي به السابعة فقطع يده، ثم أتي به الثامنة فقطع رجله 8/ 273. وذكر الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث عصمة في الحدود والديات باب ما جاء في السرقة وما لا قطع فيه 6/ 275 برقم 10655. وقال: "الثيب بالثيب جلد مائة والرجم" 1، ثم رجم ماعزا، ولم يجلده2، فكان ذلك ناسخا لجلد من ثبت عليه الرجم. ومنه ما ثبت في الصحيح من قيامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجنازة3، ثم ترك ذلك4، فكان نسخًا، وثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 5، ثم فعل غير ما كان يفعله، وترك بعض ما كان يفعله، فكان ذلك نسخًا، وهذا كثير في السنة لمن تتبعه. ولم يأت المانع بدليل يدل على ذلك، لا من عقل، ولا من شرع، وقد تابع الشافعي في المنع من نسخ الأقوال بالأفعال ابن عقيل6 من الحنابلة، وقال: الشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه، يعني: والقول أقوى من الفعل. __________ 1 أخرجه مسلم، كتاب الحدود، باب حد الزنى 1690. والترمذي من حديث عبادة، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم على الثيب 1434. وأبو داود، كتاب الحدود، باب في الرجم 4416. والبيهقي كتاب الحدود، باب ما جاء في نفي البكر 8/ 222. وأحمد في مسنده 5/ 313. وابن حبان في صحيحه 4425. والدارمي في سننه 2/ 181. 2 حديث ماعز أخرجه البخاري، كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره ولا سكران والمجنون 5271 وفي الحدود، باب لا يرجم المجنون والمجنونة 6815. ومسلم، كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى 1691. والنسائي، في الرجم، كما في التحفة 1019. والترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع 1428. والبغوي 2584. والبيهقي، كتاب الحدود، باب المرجوم يغسل ويصلى عليه ثم يدفن8/ 219. وابن حبان في صحيحه 4439. وابن الجارود 819. 3 أخرجه البخاري من حديث جابر بن عبد الله بلفظ: "إن للموت فزعا فإذا رأيتم جنازة فقوموا" كتاب الجنائز، باب من قام لجنازة يهودي 1311. ومسلم، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة 960. والنسائي، كتاب الجنائز، باب القيام لجنازة أهل الشرك 4/ 45. وأبو داود، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة 3174. وأحمد في مسنده 3/ 319. وابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في القيام للجنازة 1543. والبيهقي،كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة 4/ 26. وابن حبان في صحيحه 3050. 4 أخرجه مسلم من حديث علي رضي الله عنه بلفظ: "كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا بالقيام في الجنازة، ثم جلس بعد ذلك، وأمر بالجلوس" كتاب الجنائز، باب نسخ القيام للجنائز 962. وأبو داود، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة 3175". والنسائي، كتاب الجنائز، باب الوقوف للجنائز 4/ 77. والترمذي، كتاب الجنائز، باب الرخصة في ترك القيام للجنازة 1044. والبيهقي، كتاب الجنائز، باب القيام للجنازة 4/ 27. وابن حبان في صحيحه 3056. وأبو يعلى في مسنده 1/ 273. 5 تقدم تخريجه في الصفحة 1/ 105. 6 هو علي بن عقيل بن محمد، العلامة البحر، شيخ الحنابلة، أبو الوفاء، ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة، من آثاره كتاب "الفنون" وهو أكثر من أربعمائة مجلد، و"الواضح في الأصول" وغيرهما. ا. هـ سير أعلام النبلاء 19/ 443 شذرات الذهب 4/ 35 الأعلام 4/ 313. (2/73) المسألة الثانية عشرة: القول في نسخ الإجماع والنسخ به ======= |
وقعة بئر مَعُونَة شهر صفر سنة 4هـ /وتجرأت بنو غَطَفَان حتى همت بالغزو على المدينة في جمادي الأولي سنة 4 هـ/سرية أبي سلمة 1/محرم سنة 4هـ/بعث عبد الله بن أُنَيس 5/محرم/سنة 4هـ حتي السبت 25 محرم سنة4هـ/بعث الرَّجِيع شهر صفر 4 للهجرة /واقعة بئر مَعُونة شهر صفر 4 للهجرة غزوة بني النضير ربيع الأول سنة 4 من الهجرة،/غزوة نجد في شهر ربيع الثاني أو جمادي الأولي سنة 4 هـ(ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة 4 هـ /غزوة ذات الرِّقَاع ربيع2 سنة4هـ/غزوة الخندق فى أواخر السنة الخامسة
...............................................................................................................
الاثنين، 23 أبريل 2018
ارشاد الفحول للشوكاني 10..
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق