السبت، 21 أبريل 2018

أهم حوادث السنة العاشرة للهجرة وفاة إبراهيم ابن النبي صلى‏ الله‏ عليه وسلم

أهم حوادث السنة العاشرة للهجرة (557) (558) 
 وفاة إبراهيم ابن النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله :

قال المسعودي : في شهر ربيع الأول توفي إ براهيم ابن رسول اللّه صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله ، وإنّما عاش سنة وعشرة أشهر وعشرة أيام(1) .

روى الحلبي في « المناقب » عن تفسير النقاش باسناده عن ابن عباس قال : كنت عند النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله وعلى فخذه الأيسر ابنه إ براهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي ، وهو تارة يقبّل هذا وتارة يقبّل هذا ، إذ هبط جبرئيل بوحي من ربّ العالمين . فلما سُرّى عنه قال : أتاني جبرئيل من ربي فقال : يا محمد ، إن ربّك يقرأ عليك السلام ويقول : لستُ أجمعهما ، فافدِ أحدهما بصاحبه .



ثم نظر إلى إبراهيم فبكى ونظر إلى الحسين فبكى وقال : إنّ إ براهيم أُمُه أمة ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، واُم الحسين فاطمة وأبوه علي ابن عمي لحمي ودمي ! ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنت أنا عليه ، وأنا اُؤثر حُزني على حزنهما ، يا جبرئيل ، يقبض إ براهيم فديته للحسين .

(1) التنبيه والاشراف : 238 . (559)

فقُبض بعد ثلاث . فكان النبي إذا رأى الحسين مُقْبلاً قبّله وضمّه الى صدره ورشف ثناياه وقال : فديت من فديته بابني إ براهيم(1) .

وروى البرقي في « المحاسن » بسنده عن الكاظم عليه‏السلام قال : لما قبض إ براهيم ابن رسول اللّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله جرت في موته ثلاث سنن :

أما واحدة : أن الشمس انكسفت فقال الناس : إنّما انكسفت الشمس لموت ابن رسول اللّه ! فصعد رسول اللّه المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : أ يّها الناس إنّ الشمس والقمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره مطيعان له ، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا انكسفا أو أحدهما صلّوا(2) .

قال : ثم نزل من المنبر فصلّى بالناس الكسوف .

فلما سلّم(3) قال : يا علي ، قم فجهِّز ابني . فقام علي فغسّل إ براهيم وحنّطه وكفّنه ، ومضى رسول اللّه حتى انتهى به الى قبره . فقال الناس : إن رسول اللّه نسي أن يصلي على ابنه لما دخله من الجزع عليه !

فانتصب قائما ثم قال : إن جبرئيل أتاني وأخبرني بما قلتم : زعمتم أني نسيت أن اُصلّي على ابني لما دخلني من الجزع ! ألا وإ نّه ليس كما ظننتم ، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات ، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة ، وأمرني أن لا اُصلي إلاّ على مَن صلّى .

ثم قال : يا علي انزل والحد ابني ، فنزل علي فألحد إ براهيم في لحده . فقال الناس : إنّه لا ينبغي لأحد أن ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول اللّه بابنه . فقال رسول اللّه صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله : أيها الناس ، إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ،


(1) مناقب آل أبي طالب 4 : 88 ، 89 .

(2) المحاسن 2 : 29 ـ 31 وفي فروع الكافي 3 : 208 .

(3) وهو تاريخ تشريع صلاة الآيات وفوريتها . (560)

ولكن لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره(1) .



وروى الطوسي في « الأمالي » بسنده عن عائشة قالت : لما مات إ براهيم ، بكى النبي حتى جرت دموعه على لحيته ، فقيل له : يا رسول اللّه تنهى عن البكاء وأنت تبكي ؟ ! فقال صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله : ليس هذا بكاء ، إنّما هذا رحمة ، ومن لا يرحَم لا يُرحَم(2) .

وروى الكليني في « فروع الكافي » بسنده عن الصادق صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله قال : لما مات إبراهيم ابن رسول اللّه صلى الله ‏عليه ‏و‏آله هملت عين رسول اللّه بالدموع ثم قال : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ ، وإنّا بك يا إبراهيم لمحزونون(3) .



ثم رأى النبي في قبره خللاً فسوّاه بيده ثم قال : إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن . ثم قال له : الحق بسلفك الصالح عثمان بن مظعون(4) اذ كان قبره الى قبر ابن مظعون .


(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 87 والتنبيه والاشراف : 238 .

(2) أمالي الطوسي : 388 ح 850 / 101 .

(3) وفي تاريخ اليعقوبي 2 : 87 .

وفي تفسير القمي بسنده عن الباقر عليه‏السلام قال : لما هلك إ براهيم ابن رسول اللّه حزن عليه رسول اللّه حزنا شديدا ، فقالت له عائشة : ما الذي يحزنك عليه ، فما هو إلاّ ابن جريج !

فبعث رسول اللّه عليا وأمره بقتله ، فذهب علي اليه ومعه السيف ، وكان جريج القبطي في حائط ، فضرب علي عليه‏السلام باب البستان فأقبل اليه ليفتح الباب ولكنّه لما رأى عليا عرف في وجهه الشر فلم يفتح الباب وأدبر راجعا ، فوثب علي على الحائط ونزل الى البستان واتّبعه ، وولّى جريج مدبرا ، فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة وصعد علي في أثره فلما دنا منه رمى جريج بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته فإذا ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء ، فقال النبي : الحمد للّه الذي صرف عنّا السوء أهل البيت . تفسير القمي 2 : 99 .

(4) فروع الكافي 3 : 262 و 263 ، الحديث 45 . (561)

وقد مرّ النصّ على أن نصارى نجران عليهم أن يؤدّوا ألف حُلّة جزيةً في شهر صفر ، ثم ألفا آخر في شهر رجب ، ولم يستثنوا صفر الأول ، وهذا يعني بفاصل شهرين عن المعاهدة . ولا نجد نصّا على أمر خالد باستلامها ، ولكنّا نظنّ ذلك ، إذ لم يُذكر غيره لذلك يومئذٍ فيما يلي :

اسلام سائر العرب بنجران :

قال ابن اسحاق : في سنة عشر للهجرة في شهر ربيع الآخر بعث رسول اللّه صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله خالد بن الوليد الى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم الى الاسلام ثلاثا فإن استجابوا يقبل منهم وإن لم يفعلوا يقاتلهم ، وإن أسلموا يقيم فيهم يعلّمهم كتاب اللّه وسنّة نبيّه ومعالم الإسلام . فلما وصل إليهم خالد بعث ركبانا ينادون : أيها الناس ، أسلموا تسلموا ، فأسلموا .

فكتب خالد الى رسول اللّه : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، لمحمد النبي رسول اللّه من خالد بن الوليد . السلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته ، فإني أحمد اليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو . أما بعد : يا رسول اللّه صلّى اللّه عليك ، فإنّك بعثتني الى بني الحارث بن كعب وأمرتني إذا أتيتهم : أن لا اُقاتلهم الى ثلاثة أيام وأدعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا قبلت منهم وأقمت فيهم وعلّمتهم كتاب اللّه وسنّة نبيّه ومعالم الإسلام ، وإن لم يسلموا اُقاتلهم . وإنّي قدمت عليهم فدعوتهم الى الاسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسول اللّه بعثت فيهم ركبانا قالوا : يا بني الحارث أسلموا تسلموا . فأسلموا . وأنا مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم اللّه به ، وأنهاهم عمّا نهاهم اللّه عنه ، واُعلّمهم معالم الاسلام وسنّة النبيّ ، حتى يكتب اليّ رسول اللّه ، والسلام عليك يا رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته » .

فكتب اليه رسول اللّه : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من محمد النبيّ رسول اللّه (562)

الى خالد بن الوليد ، سلام عليك ، فإني أحمد اليك اللّه الذي لا إله إلاّ هو ، أما بعد : فإن كتابك جاءني مع رسولك ، تخبر : أنّ بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم ، وأجابوا الى ما دعوتهم اليه من الاسلام وشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمدا عبد اللّه ورسوله ، وأن قد هداهم اللّه بهداه فبشِّرهم وأنذرهم ، وأقبل ، وليقبل معك وفدهم ، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته »(1) .
اسلام بني نُمير :
وروى عمر بن شبّة ( م 262 هـ ) في كتابه « تاريخ المدينة المنوّرة » عن أشياخ من بني نمير النجديّين عن آبائهم : أ نّهم وفدوا الى النبي صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله ليسلموا فيَسلموا من خالد بن الوليد ، فدنا منه شريح بن الحارث فأسلم وقال : آخذ أمانا ، قال لمن تأخذ ؟ قال : آخذ لبني نمير كلّها ، قال : إني بعثت خالد بن الوليد الى أهلكم ، وهذه براءتكم ، فكتب اليه كتابا فيه : إذا أتاك كتابي هذا فانصرف الى أهل العمق من أهل اليمامة ، فإن بني نمير قد أتوني فأسلموا وأخذوا لقومهم أمانا .

فانطلق قرة وشريح النميريان حتى قدما على خالد ودفعا اليه كتاب رسول اللّه على رؤوس الناس ، فقال خالد : أما واللّه حتى تتلقوني بالأذان فلا ! فأتوا قومهم فأمروهم أن يتلقوا خالدا بالأذان ففعلوا . فانصرف عنهم الى أهل العمق فوقع بهم فقتلهم حتى سال واديهم دما .

وانصرف قرة وشريح بن الحارث الى النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله حتى قدما عليه فاستعمل شريحا على قومه وأمره أن يصدّقهم ويزكيهم ويعمل فيهم بكتاب اللّه وسنة نبيّهم(2) .




(1) ابن اسحاق في السيرة 4 : 239 ، 240 ، ونقله في بحار الأنوار 21 : 370 عن المنتقى . وانظر مكاتيب الرسول 2 : 510 ـ 515 .

(2) تاريخ المدينة المنورة 2 : 596 ، وعنه في مكاتيب الرسول 2 : 516 ـ 519 . (563)



وقاتل خالد في البحرين :

وروى الصدوق بسنده عن الصادق عليه‏السلام قال : إن رسول اللّه صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله كان قد بعث خالد بن الوليد الى البحرين ( وكان قد عهد اليه في دماء المعاهدين من اليهود والنصارى ولم يعهد اليه في المجوس ) فأصاب بها دماء قوم من اليهود والنصارى والمجوس ، فكتب الى رسول اللّه : « إنّي أصبت دماء قوم من اليهود والنصارى فوديتهم ثمانمئة ، وأصبت دماء قوم من المجوس ، ولم تكن عهدت اليّ فيهم عهدا » .

فكتب اليه رسول اللّه : « إنّ ديتهم مثل دية اليهود والنصارى ، فإنّهم أهل كتاب »(1) .

سريّة علي عليه‏السلام الى اليمن :

على ما مرّ كان خـالد بن الوليد المخـزومي مبعوثا عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الى البحـرين


(1) كتاب من لا يحضره الفقيه 4 : 121 والاستبصار 4 : 268 والتهذيب 10 : 186 .

قال ابن اسحاق : ثم أقبل خالد الى رسول اللّه ومعه وفد بني الحارث بن كعب منهم قيس بن الحصين ، فلما قدموا عليه في شهر شوال قيل له : يا رسول اللّه ، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب ، ولما وقفوا عليه سلموا عليه وقالوا : نشهد أ نّك رسول اللّه وأ نّه لا إله إلاّ اللّه ... حمدنا اللّه الذي هدانا بك يا رسول اللّه . قال : صدقتم . ثم قال : بم كنتم تغلبون في الجاهلية من قاتلكم ؟ قالوا : كنّا نغلب من قاتلنا ـ يا رسول اللّه ـ انّا كنّا نجتمع ولا نتفرّق ولا نبدأ أحدا بظلم . قال : صدقتم ، ثم أمّر عليهم قيس بن الحصين . فرجعوا الى قومهم في أواخر شهر شوّال أو أوائل شهر ذي القعدة الحرام .

ولا نجد نصّا على جباية خالد بجزية نجران في شهر رجب ، كما مرّ ، ولكن إذ كان رجوعه الى المدينة من نجران بعد شهر رجب ـ كما يأتي ـ فنظن ذلك ، إذ لم يُذكر غيره . (564)

وقاتل فيها جمعا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس ، وانصرف بأمره صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عن بني نمير الى أهـل العمـق من اليمـامة وقاتلهم حتى سـال واديهـم دما ، والى غيـر النصـارى من بني الحارث بن كعب بنجران ولكنّهم أسلموا ووفدوا معه اليه صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله بأمره في كتابه اليه : « فبشّرهم وأنذرهم وأقبل ، وليقبل معك وفدهم » .



وأفاد المفيد في « الارشاد » : ما أجمع عليه أهل السير : أن النبي صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله بعث خالد بن الوليد الى أهل اليمن ( ؟ ) يدعوهم الى الإسلام ، فأقام خالد على القوم ستّة أشهر ( من ربيع الآخر الى آخر رمضان أو أوائل شوّال ) فلم يجبه أحد منهم ( كذا ! ) فساء ذلك رسول اللّه صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله ، فدعا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‏السلام ، وأمره أن يُقفِل خالدا وإن أراد أحد ممن مع خالد أن يُعقّب معك فاتركه(1) بلا تاريخ . إلاّ أن الواقدي قيّد ذلك بشهر رمضان من العاشرة للهجرة(2) .

ولكن المفيد إذ لم يؤرّخ لذلك زاد على المقصد السابق أ نّه صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله : كان قد أنفذه الى اليمن ليخمّس ركازها(3) ويقبض على ما وافق عليه أهل نجران من الحُلل والعين وغير ذلك(4) ، هذا وقد أسلف قبلها بصفحة في كتاب صلحهم : ألفي حُلة من حُلل الأواقي يؤدون ألفا منها في صفر ، وألفا منها في رجب(5) فهل كان إ يفاده لشهر صفر أم لشهر رجب ؟



اللهم إلاّ أن يقال إنّه كان مأمورا بقبض ذلك من خالد ، بعد أن قبضها خالد منهم في آخر شهر رجب ثم قبضها منه علي عليه‏السلام في أواخر شهر رمضان أو أوائل شهر شوّال ، كإ بداء كراهية النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله من كيفيّة عمل خالد في قتل الناس من أهل الكتاب وغيرهم .

(1) الارشاد 1 : 61 ، 62 .

(2) مغازي الواقدي 2 : 1079 .

(3) الركاز : ما ارتكز في الأرض من الكنز .

(4) الارشاد 1 : 171 . (5) الارشاد 1 : 169 .

(565)

وزاد المفيد في مقاصد إ يفاده عليه‏السلام قال : أراد رسول اللّه صلى‏ الله ‏عليه ‏و‏آله إيفاده الى اليمن ليعلّمهم الأحكام ، ويعرّفهم الحلال والحرام ، ويحكم فيهم بأحكام القرآن والإسلام ، فقال له أمير المؤمنين عليه‏ السلام : يا رسول اللّه ، تنفذني للقضاء وأنا شاب ولا علم لي بكل القضاء ؟ فقال له : ادنُ منّي . فدنا منه فضرب بيده على صدره وهو يقول : اللهم اهد قلبه ، وثبّت لسانه(1) وفهّمه القضاء ، وقال له : إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأوّل حتى تسمع من الآخر ، فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء(2) .

وقال له : يا علي ، لا تقاتلنّ أحدا حتى تدعوه ، وايم اللّه لئن يهدي اللّه على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه يا علي(3) يعني تكون واليه ووارثه إذا لم يكن له وارث مسلم(4) . فهو وارث من لا وارث له وكيلاً من قبل النبي صلى ‏الله‏ عليه ‏و‏آله .



وقال له : يا علي ، اُوصيك بالدعاء فإن معه الإجابة ، وبالشكر فإنّ معه المزيد ، وإ يّاك أن تخفر عهدا أو تعين عليه ، وأنهاك عن المكر ، فإنّه « لا يحيق المكر السيّئ إلاّ بأهله ، وأنهاك عن البغي ، فإنّه مَن بُغي عليه لينصرنّه اللّه »(5) .

ثم أمره أن يعسكر بقُباء ، فعسكر بها حتى يجتمع معه أصحابه . ثم عقد له


(1) الارشاد 1 : 194 ، 195 وبهامشه مصادر عديدة ، وإعلام الورى 1 : 258 وبهامشه مصادر اُخرى كثيرة .

(2) كتاب من لا يحضره الفقيه 3 : 13 ح 3238 ، ط . الغفّاري ، وفي البداية والنهاية : أ نّه قالها له ذلك عند بعثه الى اليمن ، كما عنه في سيرة المصطفى : 679 .

(3) الكافي 5 : 8 ب 1 ح 14 و : 36 ب 14 ح 4 ، والفقيه 2 : 173 ب 67 ح 2 ، والتهذيب 6 : 141 ب 62 ح 2 .

(4) بحار الأنوار 21 : 361 .

(5) أمالي الطوسي : 597 ح 1239 . (566)

رسول اللّه يومئذٍ لواءً : أخذ عِمامة فلفّها مثنّية مربّعة فجعلها في رأس الرمح ثم دفعها اليه وقال : هكذا اللواء ! وعمّمه عمامة ثلاثة أكوار ، وجعل منها ذراعا بين يديه ، وشبرا من ورائه ، وقال : هكذا العِمّة .



ثم قال له : إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك ، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً ، فإن قتلوا منكم قتيلاً فلا تقاتلهم حتى تقول لهم : هل لكم الى أن تقولوا : لا إله إلاّ اللّه ؟ فإن قالوا : نعم ، فقل : هل لكم أن تصلّوا ؟ فإن قالوا : نعم ، فقل لهم : هل لكم أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردّونها على فقرائكم ؟ فإن قالوا : نعم ، فلا تبغ منهم غير ذلك ، واللّه لئن يهدي اللّه بك رجلاً واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت !

ثم خرج في ثلاثمئة فارس الى أرض مذحِج(1) الى جمع من زُبيدٍ وغيرهم(2) .



اسلام همدان :

وحيث قال النبي لعلي عليه ‏السلام : إن أراد أحد ممن مع خالد أن يعقب معك فاتركه ، وكان ممن مع خالد البراء بن عازب الأنصاري فتعقّب عن خالد مع علي عليه‏السلام .

فروى عنه المفيد قال : بلغ الخبر همْدان فتجمّعوا له ، فصلّى بنا علي عليه‏السلام الفجر ، ثم تقدّم بين أيدينا فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله ، فأسلم كل همْدان في يوم واحد .

وكتب أمير المؤمنين بذلك الى رسول اللّه صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله ، فلما قُرئ كتابه ابتهج واستبشر


(1) مغازي الواقدي 2 : 1079 .

(2) مغازي الواقدي 2 : 1082 . (567)

وخرّ ساجدا شكرا للّه عزّ وجل ثم رفع رأسه فجلس ، وقال : السلام على همْدان ، السلام على همْدان .



وبعد إسلام همْدان تتابع أهل اليمن على الإسلام(1) .



وبنو زُبَيْد بأرض مَذحِج :

قال الواقدي : قالوا : لما انتهى الى أرض مَذْحِج فرّق أصحابه قبل أن يلقاهم جَمْعٌ ، فرجعوا اليه بغنائم من نَعَم وسبي ، فجعل على الغنائم بُريدة بن الحُصيب .

ثم لقي جمعا منهم ، فدعاهم الى الإسلام فأبوا ، فدفع لواءه الى مسعود بن سنان السُلمي ، فبرز رجل من مَذحج يدعو الى البراز ، فبرز اليه الأسود السُلمي وهما فارسان فتجاولا ساعة حتى قتل الأسود الرجل وأخذ سلَبه .

ثم حمل عليهم علي عليه‏السلام بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً ، فتركوا لواءهم قائما وانهزموا وتفرّقوا ، فكفّ عن تعقيبهم ، ثم دعاهم الى الإسلام فسارعوا بالاجابة وتقدّم نفر من رؤسائهم فبايعوه وقالوا : نحن على من وراءنا من قومنا ، وهذه أموالنا فخذ منها حق اللّه(2) .




(1) الارشاد 1 : 62 . ونحوه في التنبيه والاشراف : 238 . وعليه فإسلام أهل اليمن تتابع بعد إسلام همدان ، وإسلام همدان كان على يد علي عليه‏السلام في شهر رمضان ولعلّه كان في العشر الأخير منه في السنة العاشرة ، وقد مرّ سابقا استبعاد ما أفاده ابن اسحاق من نقل كتاب النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الى الحارث بن عبد كُلال بوصفه ملك اليمن ( 4 : 255 ) وقبله نقل جواب النبي لكتابه وكتاب أخويه النعمان ونعيم بوصفهم اُمراء معافر وذي رُعين وهمدان ( 4 : 235 ) محتويا على إسلام همدان وقتالهم مع المشركين لديهم ، مما يُظنّ به أ نّه اُريد منه أن يكون بديلاً عن هذا الخبر المعتبر عن إسلام همدان مع علي عليه‏السلام ، ولا سيّما مع ذكر ذلك دون هذا .

وابن الأثير ذكر ذلك في السنة العاشرة ، وأشار اليه المجلسي في بحار الأنوار 21 : 363 .

(2) مغازي الواقدي 2 : 1079 ، 1080 . (568)

فلما ظهر علي عليه‏السلام على عدوّه ودخلوا في الإسلام ، جمع ما غنم منهم وأضافه الى بريدة بن الحُصيب ، وأقام بين أظهرهم ، وكتب الى رسول اللّه كتابا يخبره فيه : أ نّه لقي جمعا من زبيد وغيرهم ، فدعاهم الى الاسلام وأعلمهم أ نّهم إن أسلموا كفّ عنهم ، فأبوا ذلك ، فقاتلهم « فرزقني اللّه الظفر عليهم حتى قُتل من قُتل منهم ثم أجابوا الى ما كان عُرض عليهم فدخلوا في الإسلام ، وأطاعوا بالصدقة ، وأتى بشر منهم فعلّمتهم قراءة القرآن » وبعث به اليه مع عبد اللّه بن عمرو المُزني .



ورجع عبد اللّه المزني اليه بأمره صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏آله إيّاه أن يوافيه في الموسم(1) .

وكان مَن قبله من اُمراء العساكر ينفِّلون أصحابهم ويعطونهم من الخمس ، فلما يخبرون النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بذلك لا يستردّه منهم ، فطلبوا مثل ذلك من علي عليه‏السلام فأبى وقال : الخمس أحمله الى رسول اللّه وهذا هو يوافي الموسم ونلقاه ، فيصنع فيها ما أراه اللّه . وجمع عليه‏السلام ما أصاب من تلك الغنائم فجزأها خمسة أجزاء فأقرع عليها وكتب في سهم منها : للّه ، فخرج أول السهام سهم الخمس(2) .



وروى الواقدي عن أبي سعيد الخدري أنّه كان مع علي عليه‏السلام باليمن فقال : كان يأخذ الصدقات يأمر من يسعى بذلك عليهم ، وكان يأتيهم في أفنيتهم ، وكان يقعد فما اُتي به من شاة فيها وفاء له أخذه ، ولا يفرّق الماشية ولا يُكلّف الناس مشقّة ، فيأخذ البعير من الابل ، والبقرة من البقر ، والشاة من الغنم ، والزبيب من الزبيب ، والحبّ من الحبّ ، ويقسّمه على فقرائهم من ها هنا وها هنا ، يعرفهم .



(1) المصدر السابق 2 : 1081 ، 1082 . وفيه أن كعب الأحبار لما بلغه قدوم علي عليه‏السلام الى اليمن أقبل اليه فوافاه وسمع بعض خطبه فصدّقه ، ثم استخبره عن صفة النبيّ فأخبره فتبسّم وقال : يوافق ما عندنا من صفته ، ثم سأله عمّا يحلّ ويحرّم ، فأخبره فقال : هو عندنا كما وصفت ، وصدّق به وآمن .

(2) مغازي الواقدي 2 : 1080 . (569)

وروى عن رجاء بن حَيْوة : أ نّه عليه‏ السلام قضى في ديّة النفس على أهل الابل مئة من الابل ، وعلى أهل البقر مئتي جَذَعة أو مئتي بقرة نصفها تبيع ونصفها مسان ، وعلى أهل الغنم ألفي شاة ( كذا ) وعلى أهل الحُلل ألفي ثوب معافرية(1) .

فهرس الکتاب
-------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق