السبت، 21 أبريل 2018

أهم حوادث السنة السابعة للهجرة/ أمر خيبر

812
 أهم حوادث السنة السابعة للهجرة (7)(8)
أمر خيبر(1) :
مرّ في أخبار أواخر شهر رمضان سنة ست أنه صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله بلغه أن أمير خيبر الجديد اُسير بن رِزام يجمع الجموع من غطفان لحربه ، فأرسل اليه سريّة في شوال فقتلوه وأصحابه خارج خيبر . وعلقت عليه أنه يصلح أن يكون الباعث لحرب خيبر ، بالإضافة الى مشاركتهم من قبل في حرب الأحزاب .
كتبه إلى يهود خيبر :
وفي الفتح المعنوي والسياسي في صلح الحديبية نزلت « سورة الفتح » كما مرّ خبره ، وهي ببسملتها ثلاثون آية ، اختتمت بالتأكيد على رسالة رسول اللّه صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله ومثل الذين معه في التوراة والانجيل ، فكأن ذلك اقتضى ـ لدى النبيّ ـ أن يحتجّ بها على مركز يهود الحجاز في خيبر ، فكتب اليهم :
(1) خيبر: نحو الشام على بُعد مئة وعشرين كم، كما في جزيرة العرب في القرن العشرين: 24. (9)
« بسم اللّه الرحمن الرحيم . من محمد رسول اللّه صاحب موسى وأخيه المصدّق لما جاء به . ألا إن اللّه قال لكم ـ يا معشر أهل التوراة ـ وانكم لتجدون ذلك في كتابكم : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعا سُجَّدا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرا عَظِيما »(1) .
واني انشدكم باللّه وبما أنزل عليكم ، واُنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من أسباطكم المنّ والسلوى ، واُنشدكم بالذي أيبس البحر لآبائكم حتى انجاكم من فرعون وعمله إلاّ أخبرتموني : هل تجدون فيما أنزل اللّه عليكم أن تؤمنوا بمحمد ؟ !
فان كنتم لا تجدون ذلك في كتابكم فلا كُره عليكم « قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَي » فأدعوكم الى اللّه ونبيّه »(2) وبقي الكتاب بلا جواب .
ورواية اخرى رواها البيهقي عن ابن عباس ، ولعلها رسالة دعوة ثانية بعد الاولى :
« بسم اللّه الرحمن الرحيم . من محمد رسول اللّه أخي موسى وصاحبه ، بعثه اللّه بما بعثه به . اني انشدكم باللّه وما أنزل على موسى يوم طور سيناء ، وفلق البحر لكم فانجاكم وأهلك عدوكم ، وأطعمكم المنّ والسلوى ، وظلّل عليكم الغمام هل تجدون في كتابكم : أني رسول اللّه اليكم والى الناس كافة ؟ ! فان كان ذلك كذلك فاتقوا اللّه وأسلموا .
(1) الفتح : 29 .
(2) مكاتيب الرسول 1 : 174 عن كنز العمال 5 : 385 . (10)
وان لم يكن عندكم فلا تباعة عليكم »(1) وبلا جواب كذلك !
ولذلك وللمرة الثالثة اتماما للحجة أنذرهم فأعذر بأ نّه بحول اللّه وقوته سيورثه اللّه أرضهم لتكون لمن يشاء من عباده : « من محمد بن عبد اللّه ، الاُميّ ، رسول اللّه إلى يهود خيبر :
أمّا بعد ، فإن الارض للّه يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، ولا حول ولا قوة الاّ باللّه العلي العظيم » .
ورد هذا في كتاب « الاختصاص » المنسوب الى الشيخ المفيد(2) ، مرفوعا الى ابن عباس : أن جبرئيل أمره صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أن يكتب الى أهل الكتاب ـ يعني اليهود والنصارى ـ كتابا ، وأملى جبرئيل عليه‏السلام على النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كتابه ، وكاتبه يومئذٍ سعد بن ابي وقاص ، فكتب الى يهود خيبر بهذا الكتاب ... ووجّهه اليهم .
فلما وصل الكتاب اليهم أتوا به رئيسا لهم يقال له عبد اللّه بن سلام(3) .
التهيؤ للغزو :
وكأنه صلى‏ الله‏ عليه ‏و‏آله بعد هذه الدعوات المكرّرة ثلاثا اتماما للحجة وإعذارا وانذارا ، وبعد أن أقام ـ كما قال الواقدي ـ لذلك بقية ذي الحجة والمحرم من سنة سبع ، أمر أصحابه بالتهيؤ للغزو ، فهم مجدّون لذلك(4) .
(1) مكاتيب الرسول 1 : 172 عن السنن الكبرى 10 : 180 .
(2) للتحقيق في ذلك انظر مقالات السيد محمد جواد الشبيري الزنجاني في المجلة الفارسية « نور علم » العدد 40 و 42 .
(3) قيل : ان اسمه كان الحصين ، وأسلم في السنة الثانية فسماه رسول اللّه عبد اللّه . وعليه فلا يصحّ هذا الخبر بطوله راجع الاختصاص : 42 ـ 51 .
(4) مغازي الواقدي 2 : 634 . (11)
وكان ابو عبْس بن جبر من فقراء أصحابه فقال له : ما عندنا نفقة ولا زاد ولا ثوب نخرج فيه . فأعطاه رسول اللّه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله ثوبا سابغا طويلاً ، باعه بثمانية دراهم وابتاع بنصف ثمنه بُردة ، ودرهمين تمرا ، وترك درهمين نفقة لاهله .
فرآه رسول اللّه ليس عليه ثوبه فسأله : أين الشقة التي كسوتك ؟ فقال : بعتها بثمانية دراهم ، واشتريت بردة بأربعة دراهم ، وتزودت تمرا بدرهمين ، وتركت درهمين نفقة لأهلي . فضحك رسول اللّه ثم قال : يا أبا عبس ، والذي نفسي بيده لئن سلمت وأصحابك من الفقراء وعشتم قليلاً ، ليكثرنّ زادكم وما تتركون لأهليكم ، وليكثرن دراهمكم وعبيدكم ، وما ذاك بخير لكم !(1)
وقد كان جماعة منهم تخلّفوا عنه في الحديبية وأرجفوا به وبالمسلمين ... وجاؤوا اليوم يريدون أن يخرجوا معه رجاء الغنيمة ، فقالوا له : إن خيبر ريف الحجاز طعاما ولحما وأموالاً ، فنخرج معك اليها ؟ فقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : لا تخرجوا معي الاّ راغبين في الجهاد ، وأما الغنيمة فلا .
ثم بعث مناديا ينادي : لا يخرجن معنا الا راغب في الجهاد ، وأما الغنيمة فلا .
موقف يهود المدينة :
قال : وحين تجهّز النبيّ صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله الى خيبر أصبح يهود المدينة يقولون للمسلمين : ما أمنع واللّه خيبر منكم ! لو رأيتم خيبر وحصونها ورجالها لرجعتم قبل أن تصلوا اليهم ، هم في حصون شامخات في ذرى الجبال ، والماء فيها واتن ( لا ينقطع ) وان فيها لألف دارع ، وما كانت أسد وغطفان يمتنعون من العرب قاطبة الا بهم ، أفأنتم تطيقون خيبر ؟ ! فيقول لهم الأصحاب : ان اللّه قد وعد نبيّه أن يغنّمه ايّاها(2) .
(1) مغازي الواقدي 2 : 635 ، 636 .
(2) مغازي الواقدي 2 : 637 . (12)
وأصبح اليهود الذين لهم حقّ على بعض المسلمين يلزمونهم باداء حقوقهم . وكان من ذلك : أن عبد اللّه الأسلمي كان قد أخذ لأهله شعيرا من أبيالشحم اليهودي بخمسة دراهم ، فلزمه بها ، فقال له الأسلمي : انّ اللّه عزّ وجل قد وعد نبيّه ان يغنمه خيبر ، فأجّلني فإني ارجو أن ارجع اليك فأقضيك حقك ان شاء اللّه . فقال له ابو الشحم : أتحسب أنّ قتال خيبر مثل ما تلقونه من الاعراب ؟ ! إنّ فيها عشرة آلاف مقاتل ، والتوراة ! فقال الأسلمي : أي عدو اللّه تخوّفنا بعدوّنا وأنت في ذمّتنا وجوارنا ؟ ! واللّه لأرفعنّك الى رسول اللّه ! فترافعا اليه . فقال الأسلمي : يا رسول اللّه ، ألا تسمع الى ما يقول هذا اليهودي ؟ وأخبره خبره . فقال اليهودي : يا ابا القاسم ، ان هذا قد أخذ طعامي وحبسني حقي وظلمني .
فقال رسول اللّه : يا عبد اللّه ، اعطه حقه . فباع عبد اللّه ثوبه وأعطاه حقه(1) .
خروج النسوة إلى خيبر :
روى الواقدي بسنده عن اُميّة بنت قيس الغفارية قالت : جئت رسول اللّه في نسوة من بني غفار فقلنا : يا رسول اللّه ، انا نريد أن نخرج معك في وجهك هذا فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؟
فقال رسول اللّه : على بركة اللّه ... واردفني رسول اللّه على حقيبة رحله(2) .
وخرج مع رسول اللّه من المدينة عشرون امرأة : مولاته‏ام أيمن ، ومولاته الاخرى سلمى امرأة مولاه ابي رافع القبطي ، وزوجته ام سلمة ، وعمته صفية بنت
(1) مغازي الواقدي 2 : 634 ، 635 .
(2) مغازي الواقدي 2 : 685 ورواه ابن اسحاق في السيرة 3 : 357 بنفس السند قال : عن امرأة من بني غفار قد سمّاها لي قالت ... . (13)
عبد المطلب ( مع ابنها الزبير بن العوّام ) وامرأة عاصم بن عدي مع زوجها عاصم وكانت حاملاً مقربا ، واُم عمارة نُسيبة بنت كعب الخزرجية ، واُم عامر الاشهلية ، واُم عطية الأنصارية ، واُم العلاء الأنصارية ، واُم الضحاك بنت مسعود الحارثية ، واُم سُليم بنت مِلحان(1) ، واُم سليط ، واُم شباث وهي اُم منيع ، وهند بنت عمرو بن حزام(2) وامرأة عبد اللّه بن انس وهي حبلى مقرب مع زوجها(3) ، واُم مطاع الأسلمية ، وكُعيبة بنت سعد الأسلمية(4) 

وروى بسنده عن اُم سنان الاسلمية قالت : لما أراد رسول اللّه الخروج جئته فقلت : يا رسول اللّه اخرج معك في وجهك هذا أخرز السقاء واداوي المرضى وانطُر الرحل ؟ فقال : اخرجي على بركة اللّه ، فانّ لك صواحب قد كلّمنني واذنت لهن ، من قومك ومن غيرهم ، فان شئت فمع قومك وان شئت فمعنا ؟ قلت : فمعك . قال : فكوني مع اُم سلمة زوجتي . فكنت معها(5) .
المسير نحو خيبر :
قال : واستخلف رسول اللّه على المدينة سباع بن عُرفُطة الغفاري(6) وخرج
(1) وهي اُم أنس بن مالك . ابن هشام 3 : 354 .
(2) مغازي الواقدي 2 : 685 .
(3) مغازي الواقدي 2 : 686 .
(4) مغازي الواقدي 2 : 685 .
(5) مغازي الواقدي 2 : 686 ، 687 .
(6) مغازي الواقدي 2 : 636 و 637 و 684 وفي سيرة ابن هشام 3 : 342 : نُميلة بن عبد اللّه الليثي . (14)
الى خيبر في صفر سنة سبع ، ويقال : لهلال ربيع الاول(1) . فسلك ثنية الوداع(2) ثم اخذ على الزّغابة ، ثم على نَقْمى ، ثم سلك المستناخ ... ثم خرج على عِصْر ( جبل ) وبه مسجد(3) ، وانتهى الى الصهباء فصلى بها العصر . ثم دعا بالاطعمة فاُتي بالتمر والسويق فأكلوا . ثم قام الى المغرب من دون ان يجدد وضوءه(4) ثم صلى العشاء .
وكان قد خرج معهم دليلان من أشجع(5) : حسيل بن خارجة وعبد اللّه بن نُعيم ، فدعا النبيّ بهم فقال لحُسيل : امض أمامنا حتى تأخذنا في صدور الوديان حتى نأتي خيبر من بينها وبين الشام فأحول بينهم وبين الشام وبين حلفائهم من غطفان . فقال حُسيل : نعم ، أنا أسلك بك الى ذلك . فسلك به حتى انتهى الى موضع مفترق طرق فقال : يا رسول اللّه هنا طرق كلّها يؤتى منها . فقال النبيّ : سمّها لي . فسمّى : الحزن والحاطب والشاش ، وقال النبيّ : لا تسلكها ، فقال : لم يبق لها إلاّ
(1) مغازي الواقدي 2 : 634 بينما قال ابن اسحاق : خرج في بقية المحرم 3 : 342 . وقال الطبرسي في مجمع البيان 9 : 181 : لما قدم النبي المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة . وفي اعلام الورى 1 : 207 : في ذي الحجة سنة ست . وكذلك في قصص الأنبياء : 347 
ويقول ابن اسحاق : وكان فتح خيبر في صفر ، ويستشهد لذلك بقول ابن لُقيم العبسي في شعره في خيبر :
ولقد علمت ليغلبنّ محمد وليثوينّ بها الى أصفار
وأصفار جمع صفر يريد بها شهر صفر 3 : 355 ، 356 .
(2) لا ننسى أنها كانت نحو الشام لا مكة ، فالمشرق لا الجنوب .
(3) مغازي الواقدي 2 : 638 . وقال ابن اسحاق : سلك رسول اللّه على عِصْر فبُني له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ... حتى نزل بالرجيع ـ سيرة ابن هشام 3 : 344 .
(4) خلافا لمن زعم ان الطعام ناقض للوضوء .
(5) وفيهم يهود وكان منهم نعيم بن مسعود الاشجعي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق