الاثنين، 7 مايو 2018

11. مكرر تصليح من الصفحة 158 الي 171.والتالي 172.


11. مكرر تصليح من الصفحة 158 الي 171.والتالي 172.
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158
فبلغوا سيف البحر (1) من ناحية العِيص (2) فالتقوا واصطَفُّوا للقتال، فمشى مجديُّ بن عمرو الجهني -وكان حليفًا للفريقين جميعًا- بين هؤلاء وهؤلاء حتى حَجَزَ بينهم ولم يقتتلوا (3).
16 - وفي شوال من هذه السنة: كانت سرية عُبيدة بن الحارث بن عبد المطلب - رضي الله عنه - إلى بطن رابغ.
الشرح:
ثم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عُبيدة بن الحارث بن عبد المطلب في سرية إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة، وعقد له لواءً أبيض، وحمله مِسْطَحُ بن أُثاثة بن عبد المطلب ابن عبد مناف، وكانوا في ستين من المهاجرين ليس فيهم أنصاريٌّ، فلقي أبا سفيان بن حرب، وهو في مائتين على بطن رابغ، على عشرة أميال من الجحفة، وكان بينهم الرميُ، ولم يَسُلُّوا السيوف، ولم يَصْطَفُّوا للقتال، وإنما كانت مناوشة، وكان سعد بن أبي وقاص فيهم، وهو أول مَن رمى بسهم في سبيل الله, ثم انصرف الفريقان إلى حاميتهم.
قال ابن إسحاق:
وكان على القوم عكرمة بن أبي جهل (4)
(1) سيف البحر: ساحله.
(2) قال أبو ذر: العيص هنا موضع، وأصل العيص منبت الشجر، وهو الأصل أيضًا. اهـ.
وقال ياقوت عن ابن إسحاق: العيص: من ناحية ذي المروة على ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون منها إلى الشام. اهـ. نقلاً من كلام الشيخ محمَّد محيي الدين عبد الحميد على هامش "سيرة ابن هشام".
(3) "زاد المعاد" 3/ 146، 147.
(4) "زاد المعاد" 3/ 147.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159
* * *
17 - وفي شوال مِن هذه السنة بنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
الشرح:
عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَزَوَّجَنِي وَأَنَا بنتُ سَبْعٍ أَوْ سِتٍّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ أَتَيْنَ نِسْوَةٌ، فَأَتَتْنِي أُمُّ رُومَانَ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ، فَذَهَبْنَ بِي، وَهَيَّأْنَنِي، وَصَنَعْنَنِي، فَأُتِيَ بِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَبَنَىْ بِي وَأَنَا ابْنَةُ تِسْعٍ، فَوَقَفَتْ بِي عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: هِيهْ هِيهْ، قَالَ أبو دَاوُد: أَيْ تَنَفَّسَتْ، فَأُدْخِلْتُ بَيْتًا فَإِذَا فِيهِ نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ (1).
وعنها قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي في شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ (2).
18 - وفي ذي القعدة من هذه السنة: كانت سرية سعد بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه - إلى الخرَّار.
الشرح:
ثم بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص إلى الخرَّار في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر، وعقد له لواءً أبيض، وحمله المقداد بن عمر، وكانوا عشرين راكبًا يعترضون عيرًا لقريش، وعهد أن لا يجاوز الخرَّار، فخرجوا على أقدامهم فكانوا يكمنون بالنهار، ويسيرون بالليل حتى صبّحوا المكان صبيحة خمس، فوجدوا العير قد مرت بالأمس (3).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (1422)، كتاب: النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة، وأبو داود (4933) كتاب: الأدب، باب في الأرجوحة، واللفظ لأبي داود.
(2) صحيح: أخرجه مسلم (1423)، كتاب: النكاح، باب: استحباب التزوج والتزويج في شوال واستحباب الدخول فيه.
(3) "زاد المعاد" 3/ 147.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160
* * *
19 - وفي ذي القعدة من هذه السنة: آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المهاجرين والأنصار.
الشرح:
ثم آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلًا، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله -عز وجل-: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6)} [الأحزاب: 6] ردَّ التوارث إلى الرحم دون عقد الإخوَّة (1).
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قالَ: حَالَفَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ الْأَنْصارِ وَقُرَيْشٍ في دارِي الَّتِي بِالْمَدِينَةِ (2).
وعَنْ أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قالَ: قالَتْ الْأَنْصارُ: اقْسِمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ النَّخْلَ، قالَ: لا، قالَ: يَكْفُونَنا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنا في الثمْرِ، قالُواة سَمِعْنا وَأَطَعْنا (3).
(1) "زاد المعاد" 3/ 56، 57.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (7340)، كتاب: الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وحض على اتفاق أهل العلم وما أجمع عليه الحَرَمان مكة والمدينة وما كان بها من مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرين والأنصار ومصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- والمنبر والقبر، مسلم (2529)، كتاب: فضائل الصحابة, باب: مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه.
(3) صحيح: أخرجه البخاري (3782)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: إخاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار.
ومعنى قولهم: يكفوننا المئونة ويشركوننا في الثمر؛ يكفونهم العمل في الأرض ويشاركونهم في الثمار التي تخرج منها.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161
* * *
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- آخَى بَيْنَ أبي عُبَيْدَةَ بن الْجَرّاحِ، وَبَيْنَ أبي طَلْحَةَ (1).
قالَ تَعَالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} [الحشر: 9].
عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قالَ: لَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَينَ عبد الرَّحمَنِ بن عَوْفٍ وَسَعْدِ بن الرَّبِيعِ قالَ لِعبد الرَّحمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الْأَنْصارِ مالًا فَأَقْسِمُ مالِي نِصفَيْنِ وَلِي امْرَأَتانِ فانْظُرْ أَعْجَبَهُما إِلَيْكَ فَسَمِّها لِي أُطَلِّقْها فَإِذا انْقَضَتْ عِدَّتُها فَتَزَوَّجْها، قالَ: بارَكَ الله لَكَ في أَهْلِكَ وَمالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بني قَيْنُقاعَ فَما انْقَلَبَ إِلّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ ثُمَّ تابَعَ الْغُدُوَّ (2)، ثُمَّ جاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْيَمْ"، قالَ: تَزَوَّجْتُ، قالَ: "كَمْ سُقْتَ إِلَيْها؟ " قالَ: نَواةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَواةٍ مِنْ ذهَبٍ (3).
فهذا الموقف من الصحابي الجليل سعد بن الربيع يوضح حجم الحب والمودة الذي كان بين الأنصار وبين إخوانهم الذين هاجروا إليهم.
وآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أبي بكر - رضي الله عنه - وخارجة بن زيد، وبين عمر بن الخطّاب وعتبان بن مالك، وبين طلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك، وبين سعيد بن زيد وأبي بن كعب، وبين عثمان بن عفان وأوس بن ثابت، وغيرهم (4).
(1) صحيح: أخرجه مسلم (2528)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه.
(2) أي تابع الذهاب إلى السوق فكان يذهب كثيرًا.
(3) صحيح: أخرجه البخاري (3780)، كتاب: مناقب الأنصار، باب: إخاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار، وظاهر هذه الرواية الإرسال ولكنه جاء موصولًا في مواضع في الصحيح منها حديث (3781) عن أنس - رضي الله عنه - وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: أولم ولو شاه.
(4) انظر: "سيرة ابن هشام" 2/ 67، 69.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162
* * *
السنة الثانية من الهجرة
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163
* * *
السنة الثانية من الهجرة
وفيها ثلاثة وعشرون حدثًا:
1 - في صفر من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة الأبْوَاء حتى بلغ ودَّان وهي أول غزوة غزاها بنفسه الشريفة، فداه أبي وأمي.
الشرح:
ثم غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- بنفسه غزوة الأَبْواء، ويقال لها: ودَّان، وهي أول غزوة غزاها بنفسه، وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهرًا من مُهاجَره، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب، وكان أبيض واستخلف على المدينة سعد بن عبادة، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيرًا لقريش، فلم يلق كيدًا وفي هذه الغزوة وادع مخشَّ بن عمرو الضَمْريّ وكان سيد بني ضَمْرة في زمانه على ألا يغزو بني ضمرة، ولا يغزوه ولا أن يكثرِّوا عليه جمعًا، ولا يعينوا عليه عدوا، وكتب بينه وبينهم كتابًا، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة (1).
وقال ابن إسحاق:
وهي أول غزواته -عليه السلام- (2).
2 - وفي ربيع الأول من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة بُواط.
الشرح:
ثم غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شهر ربيع الأوّل يريد قريشًا.
(1) "زاد المعاد" 3/ 148.
(2) "سيرة ابن هشام" 2/ 124.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165
* * *
واستعمل على المدينة السائب بن عثمان بن مظعون حتى بلغ بُواط (1) من ناحية رضْوى (2)، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا (3) فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى (4).
3 - وفي ربيع الأول أيضًا من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة بدر الأولى حتى بلغ وادي سَفَوان.
الشرح:
ثم خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رأس ثلاثة عشر شهرًا من مُهاجره يطلب كُرز بن جابر الفهري، وحمل لواءه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -،وكان أبيض واستخلف على المدينة زيد بن حارثة وكان كُرز قد أغار على سرح المدينة (5) فاستاقه، وكان يرعى بالحِمى، فطلبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بلغ واديًا يقال له: سَفَوان من ناحية بدر، وفاته كُرز ولم يَلحقْه، فرجع إلى المدينة (6).
4 - وفي جمادي الأولى من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة العُشيرة، فوادع بني مُدلِج وحلفاءهم من بني ضمرة.
الشرح:
ثم غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشًا، فاستعمل على المدينة أبا سلمة بن
(1) بواط: بضم الباء وفتح الواو مخففة وقيل: بفتح الباء، جبل من جبال جهينة يقرب من يَنْبُع، على أربعة بُرُد من المدينة.
(2) رضوى: جبل قيل على أربعة أيام من المدينة، ذو شعابٍ وأودية وبه مياه وأشجار.
(3) أي: لم يقاتله أحد.
(4) "سيرة ابن هشام" 2/ 129.
(5) سرح المدينة: بفتح السين وسكون الراء، هي الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة.
(6) "زاد المعاد" 3/ 149.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166
* * *
عبد الأسد، وسار حتى نزل العُشيرة من بطن ينبُع، فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادى الآخرة، ووداع فيها بني مُدْلج وحلفاءهم من بني ضَمْرة (1)، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا (2).
5 - وفي رجب من هذه السنة: كانت سرية جُهينة وفيهم سعد ابن أبي وقاص إلى حيٍّ من كنانة.
الشرح:
روى الإمام أحمد عَنْ سَعْدِ بن أبي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قالَ: لَمّا قَدِمَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ جاءَتْهُ جُهَيْنَةُ فَقالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنا، فَأَوْثِقْ لَنا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُم، فَأَسْلَمُوا قالَ: فَبَعَثَنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في رَجَبٍ، وَلا نَكُونُ مِائَةً وَأَمَرَنا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيّ مِنْ بني كِنانَةَ إلى جَنْبِ جُهَيْنَةَ فَأَغَرْنا عَلَيْهِمْ، وَكانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنا إلى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونا، وَقالُوا: لِمَ تُقاتِلُونَ في الشَّهْرِ الْحَرامِ؟! فَقُلْنَا: إِنَّما نُقاتِلُ مَنْ أَخْرَجَنا مِنْ الْبَلَدِ الْحَرامِ في الشَّهْرِ الْحَرامِ، فَقالَ بَعْضُنا لِبَعْضٍ: ما تَرَوْنَ؟ فَقالَ بَعْضُنا: نَأتِي نَبِي الله - صلى الله عليه وسلم - فَنُخْبِرُهُ، وَقالَ قَوْمٌ: لا، بَلْ نُقِيمُ ها هُنا، وَقُلْتُ أَنا في أُناسٍ مَعِي لا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُها، فانْطَلَقْنا إلى الْعِيرِ، وانْطَلَقَ أَصحابُنَا إلى النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقامَ غَضْبانًا مُحْمَرَّ الْوَجْهِ، فَقالَ: أَذَهبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ؟ إِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ الْفُرْقَةُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ والْعَطَشِ، فَبَعَثَ عَلَيْنا عبد الله بن جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ، فَكانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ في الْإِسْلامِ (3).
(1) قال الزرقانيُّ: وتقدم في ودَّان أنه وادع بني ضمرة، فلعلها تأكيد للأولى أو أن حلفاء بني مدلج كانوا خارجين عن بني ضمرة لأمر ما وبسببه حالفوا بني مدلج.
(2) "سيرة ابن هشام" 2/ 129، 130 بتصرف.
(3) "مسند أحمد" (1539)، وقال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-: إسناده ضعيف.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167
* * *
6 - وفي رجب في هذه السنة: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش - رضي الله عنه - إلى نخلة.
الشرح:
ثم بعث رسول الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش الأسديَّ إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من الهجرة في اثني عشر رجلًا من المهاجرين كل اثنين يعتقبان على بعير، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرًا لقريش، وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين، وكان رسول الله كتب له كتابًا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، ولما فتح الكتاب وجد فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم، فقال: سمعًا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وبأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض، فمضوا كلهم، فلما كان في أثناء الطريق، أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وبعُد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارة فيها عمرو بن الحضرميّ، وعثمان ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم، انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم أجمعوا على مُلاقاتهم فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في الإِسلام، وأول قتيل في الإِسلام وأول أسيرين في الإِسلام، وأنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم ما فعلوه، واشتد تعنت قريش وإنكارهم ذلك وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا،
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168
* * *
فقالوا: قد أحل محمَّد الشهر الحرام، واشتد على المسلمين ذلك، حتى أنزل الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] يقول سبحانه: هذا الذي أنكرتموه عليهم وإن كان كبيرًا فما ارتكبتموه أنتم من الكفر بالله، والصدِّ عن سبيله وعن بيته وإخراج المسلمين الذين هم أهل منه، والشرك الذي أنتم عليه، والفتنة التي حصلت منكم به أكبر عند الله من قتالهم في الشهر الحرام (1).
7 - وفي ر جب أو شعبان من هذه السنة: نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى مكة المشرفة، وهو أول نسخ وقع في الإسلام.
الشرح:
عَنْ الْبَراءِ بن عازب - رضي الله عنه - أَنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى إلى بَيتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوْ صَلّاها صَلاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُم راكِعُونَ قالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَد صَلَّيتُ مَعَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قِبَلَ مَكَّةَ فَدارُوا كَما هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكانَ الَّذِي ماتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجالٌ قُتِلُوا لَم نَدْرِ ما نَقُولُ فِيهِمْ فأَنْزَلَ الله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} [البقرة: 143] (2).
(1) "زاد المعاد" 3/ 150، 151.
(2) متفق عليه: أخرجه البخاري (4486) كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {سَيَقُولُ
=
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169
* * *
وعَنْ عبد الله بن عُمَرَ - رضي الله عنهما - قال: بَيْنَما النّاسُ يُصَلُّون الصُّبْحَ في مَسْجِدِ قُباءٍ إِذْ جاءَ جاءٍ فَقالَ: أَنْزَلَ الله عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قُرْآنًا أَنْ يَستَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فاسْتَقْبِلُوها فَتَوَجَّهُوا إلى الْكَعْبَةِ (1).
وعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يُصلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بني سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ في صَلاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنادَى: أَلا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَمالُوا كَما هُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ (2).
قال ابن كثير -رحمه الله-:
وحاصل الأمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه -كما رواه الإمام أحمد عن بن عباس - رضي الله عنهما - فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه أن يجمع بينهما، فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة، واستدبر الكعبة ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وهذا يقتضي أن
=
السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} [البقرة: 142]، ومسلم (525) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.
(1) متفق عليه: أخرجه البخاري (4488) كتاب: التفسير، باب: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]، ومسلم (526) كتاب: المساجد، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.
(2) صحيح: أخرجه مسلم (527) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170
* * *
يكون ذلك في رجب من السنة الثانية. والله أعلم (1).
قال ابن إسحاق:
وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة (2).
وقال في موضع آخر:
ويقال: صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من مقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة (3).
8 - وفي شعبان من هذه السنة: فُرضَ صيامُ رمضان.
الشرح:
قال ابن جرير -رحمه الله-:
وفي هذه السنة -السنة الثانية - فُرض صيام شهر رمضان، وقد قيل: إنه فُرض في شعبان منها (4).
9 - وفي يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من هذه السنة: وقعت غزوة بدر الكبرى.
الشرح:
سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن أبا سفيان بن حرب مقبلًا من الشام في عير لقريش
(1) "البداية والنهاية" 3/ 267.
(2) "سيرة ابن هشام" 2/ 98.
(3) "سيرة ابن هشام" 2/ 134.
(4) "تاريخ الطبري" نقلا عن "البداية والنهاية" 3/ 269.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171
* * *
عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم، وفيها ثلاثون رجلًا من قريش أو أربعون، منهم: مخرمة بن نوفل، وعمرو بن العاص (1).
فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين إليهم، وقال هذه عيرُ قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفِّلكموها، فانتدب الناس، فخفَّ بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقى حربًا.
وكان أبو سفيان- حين دنا من الحجاز- يتحسس الأخبار، ويسأل من لقى من الركبان، تخوفًا على أمر الناس، حتى أصاب خبرًا من بعض الناس أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضَمْضَم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويُخبرهم أن محمدًا قد عرض لنا في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة (2).
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب، قبل قدوم ضمضم بثلاث ليال، رؤيا أفزعتها، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني وتخوفتُ أن يدخل علي قومك منها شر ومصيبة، فاكتم عني ما أحدثك به، فقال لها: وما رأيت؟ قال: رأيت راكبًا أقبل على بعير له، حتى وقف بالأبطح، ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غُدَر (3) لمصارعكم في ثلاث، فأرى الناس اجتمعوا إليه، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه، فبينما هم حوله مَثَلَ به (4) بعيرُه على ظهر الكعبة، ثم صرخ بمثلها: ألا
(1) "سيرة ابن هشام" 2/ 134.
(2) صحيح: "سيرة ابن هشام" عن ابن إسحاق 2/ 134، 135، بسنده إلى ابن عباس، وصححه الشيخ الألباني -رحمه الله- في تخريج فقه السيرة للغزالي (226).
(3) غُدَرُ: من غادر، ويستعمل هذا في النداء بالشتم.
(4) مثل به: أي قام به ماثلًا.
* * *
الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق