الثلاثاء، 24 أبريل 2018

المغازي للواقدي مستطيل









سرية حمزة بن عبد المطلب

- ص 9 - وكانت سرية حمزة بن عبد المطلب في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم .
قالوا : أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدم المدينة لحمزة بن عبد المطلب ، بعثه في ثلاثين راكبا شطرين خمسة عشر من المهاجرين وخمسة عشر من الأنصار ، فكان من المهاجرين أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعامر بن ربيعة ، وعمرو بن سراقة وزيد بن حارثة ، وكناز بن الحصين وابنه مرثد بن كناز وأنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجال .
ومن الأنصار : أبي بن كعب ، وعمارة بن حزم ، وعبادة بن الصامت ، وعبيد بن أوس ، وأوس بن خولي وأبو دجانة والمنذر بن عمرو ، ورافع بن مالك ، وعبد الله بن عمرو بن حرام وقطبة بن عامر بن حديدة في رجال لم يسموا لنا .
فبلغوا سيف البحر يعترض لعير قريش قد جاءت من الشام تريد مكة ، فيها أبو جهل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة . فالتقوا حتى اصطفوا للقتال فمشى بينهم مجدي بن عمرو ، وكان حليفا للفريقين جميعا ، فلم يزل يمشي إلى هؤلاء وإلى هؤلاء حتى انصرف القوم وانصرف حمزة راجعا إلى المدينة في أصحابه وتوجه أبو جهل في عيره وأصحابه إلى مكة ، ولم - ص 10 - يكن بينهم قتال .
فلما رجع حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم خبره بما حجز بينهم مجدي ، وأنهم رأوا منه نصفة لهم فقدم رهط مجدي على النبي صلى الله عليه وسلم فكساهم وصنع إليهم خيرا ، وذكر مجدي بن عمرو فقال إنه ما علمت ميمون النقيبة مبارك الأمر . أو قال رشيد الأمر . حدثني عبد الرحمن بن عياش عن عبد الملك بن عبيد ، عن ابن المسيب وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع قالا : لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بنفسه إلى بدر ، وذلك أنه ظن أنهم لا ينصرونه إلا في الدار وهو المثبت .

سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ

ثم عقد لواء لعبيدة بن الحارث في شوال على رأس ثمانية أشهر إلى رابغ - ورابغ على عشرة أميال من الجحفة وأنت تريد قديدا . فخرج عبيدة في ستين راكبا ، فلقي أبا سفيان بن حرب على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ ، وأبو سفيان يومئذ في مائتين . فكان أول من رمى بسهم في الإسلام سعد بن أبي وقاص ، نثر كنانته وتقدم أمام أصحابه وترس أصحابه عنه . قال فرمى بما في كنانته حتى أفناها ، ما فيها سهم إلا ينكي به .
ويقال كان في الكنانة عشرون سهما ، فليس منها سهم إلا يقع فيجرح إنسانا أو دابة . ولم يكن سهم يومئذ إلا هذا ، لم يسلوا السيوف ولم يصطفوا للقتال أكثر من هذا الرمي والمناوشة ثم انصرف هؤلاء على حاميتهم وهؤلاء على حاميتهم . فكان سعد بن أبي وقاص يقول فيما حدثني ابن أبي سبرة عن المهاجر بن مسمار قال كان الستون كلهم من قريش . قال سعد - ص 11 - فقلت لعبيدة لو اتبعناهم لأصبناهم فإنهم قد ولوا مرعوبين . قال فلم يتابعني على ذلك فانصرفنا إلى المدينة .

سرية سعد بن أبي وقاص

إلى الخرار ثم عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء لسعد بن أبي وقاص إلى الخرار - والخرار من الجحفة قريب من خم - في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من مهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فحدثني أبو بكر بن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرج يا سعد حتى تبلغ الخرار ، فإن عيرا لقريش ستمر به . فخرجت في عشرين رجلا أو أحد وعشرين على أقدامنا ، فكنا نكمن النهار ونسير الليل حتى صبحناها صبح خمس فنجد العير قد مرت بالأمس . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلي ألا أجاوز الخرار ، ولولا ذلك لرجوت أن أدركهم . فيقال لم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من الأنصار مبعثا حتى غزا بهم بدرا ، وذلك لأنهم شرطوا له أن يمنعوه في دارهم حدثني بذلك عبد الرحمن بن عياش المخزومي ، عن عبد الملك بن عبيد بن سعيد بن يربوع عن سعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع .

غزوة الأبواء

ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفر على رأس أحد عشر - ص 12 - شهرا ، حتى بلغ الأبواء يعترض لعير قريش ، فلم يلق كيدا . وفي هذه الغزاة وادع بني ضمرة من كنانة على ألا يكثروا عليه ولا يعينوا عليه أحدا . ثم كتب بينهم كتابا ، ثم رجع وكانت غيبته خمس عشرة ليلة .




غزوة بواط

ثم غزا بواط - وبواط حيال ضبة من ناحية ذي خشب بين بواط والمدينة ثلاثة برد - في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا ، يعترض لعير قريش ، فيها أمية بن خلف ومائة رجل من قريش ، وألفان وخمسمائة بعير ثم رجع ولم يلق كيدا .

غزوة بدر الأولى

ثم غزا في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا في طلب كرز بن جابر الفهري ، أغار على سرح المدينة ، وكان يرعى بالجماء ونواحيها ، حتى بلغ بدرا ولم يدركه .

غزوة ذي العشيرة

ثم غزا في جمادى الآخرة على رأس ستة عشر شهرا ، يعترض لعيرات قريش حين أبدأت إلى الشام ، فندب أصحابه فخرج في خمسين ومائة - ويقال في مائتين - وكان قد جاءه الخبر بفصول العير من مكة تريد - ص 13 - الشام ، قد جمعت قريش أموالها فهي في تلك العير فسلك على نقب من بني دينار بيوت السقيا ، وهي غزوة ذي العشيرة .







سَرِيّةُ نَخْلَةَ



بَدْرُالْقِتَالِ




ذكر سرية قتل عصماء بنت مروان

حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه أن عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تحت يزيد بن زيد بن حصن الخطمي وكانت تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت شعرا :

فباست بني مالك والنبيت
وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاوي من غيركم
فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس
كما يرتجى مرق المنضج


قال عمير بن عدي بن خرشة بن أمية الخطمي حين بلغه قولها - ص 173 - وتحريضها : اللهم إن لك علي نذرا لئن رددت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأقتلنها - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ببدر - فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها ، وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها ; فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها ، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ، ثم خرج حتى صلى الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى عمير فقال أقتلت بنت مروان ؟ قال نعم بأبي أنت يا رسول الله .





سرية قتل أبي عفك

حدثنا سعيد بن محمد عن عمارة بن غزية وحدثناه أبو مصعب إسماعيل بن مصعب بن إسماعيل بن زيد بن ثابت ، عن أشياخه قالا : إن شيخا من بني عمرو بن عوف يقال له أبو عفك وكان شيخا كبيرا ، قد بلغ عشرين ومائة سنة حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، كان يحرض على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدخل في الإسلام . فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر رجع وقد ظفره الله بما ظفره - ص 175 - فحسده وبغى فقال

قد عشت حينا وما إن أرى
من الناس دارا ولا مجمعا
أجم عقولا وآتى إلى
منيب سراعا إذا ما دعا
فسلبهم أمرهم راكب
حراما حلالا لشتى معا
فلو كان بالملك صدقتم
وبالنصر تابعتم تبعا


فقال سالم بن عمير ، وهو أحد البكائين من بني النجار علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه . فأمهل فطلب له غرة ، حتى كانت ليلة صائفة فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف فأقبل سالم بن عمير ، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش وصاح عدو الله فثاب إليه أناس ممن هم على قوله فأدخلوه منزله وقبروه .



غزوة قينقاع

- ص 176 - غزوة قينقاع يوم السبت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا ، حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى هلال ذي القعدة .
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن الحارت بن الفضيل عن ابن كعب القرظي قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وادعته يهود كلها ، وكتب بينه وبينها كتابا . وألحق رسول الله صلى الله عليه وسلم كل قوم بحلفائهم وجعل بينه وبينهم أمانا ، وشرط عليهم شروطا ، فكان فيما شرط ألا يظاهروا عليه عدوا .
فلما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بدر وقدم المدينة ، بغت يهود وقطعت ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فجمعهم ثم قال يا معشر يهود أسلموا ، فوالله إنكم لتعلمون أني رسول الله قبل أن يوقع الله بكم مثل وقعة قريش . فقالوا : يا محمد لا يغرنك من لقيت ، إنك قهرت قوما أغمارا . وإنا والله أصحاب الحرب ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا .
فبينا هم على ما هم عليه من إظهار العداوة ونبذ العهد جاءت امرأة نزيعة من العرب تحت رجل من الأنصار إلى سوق بني قينقاع ، فجلست عند صائغ في حلي لها ، فجاء رجل من يهود قينقاع فجلس من ورائها ولا تشعر فخل درعها إلى ظهرها بشوكة فلما قامت المرأة بدت عورتها فضحكوا منها . فقام إليه - ص 177 - رجل من المسلمين فاتبعه فقتله فاجتمعت بنو قينقاع ، وتحايشوا فقتلوا الرجل ونبذوا العهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحاربوا ، وتحصنوا في حصنهم . فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم فكانوا أول من سار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلى يهود قينقاع وكانوا أول يهود حاربت .



غزوة السويق

- ص 181 - غزوة السويق في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحد لخمس ليال خلون من ذي الحجة فغاب خمسة أيام .
حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري ، وإسحاق بن حازم عن محمد بن كعب قالا : لما رجع المشركون إلى مكة من بدر حرم أبو سفيان الدهن حتى يثأر من محمد وأصحابه بمن أصيب من قومه . فخرج في مائتي راكب - في حديث الزهري ، وفي حديث ابن كعب في أربعين راكبا - حتى سلكوا النجدية . فجاءوا بني النضير ليلا ، فطرقوا حيي بن أخطب ليستخبروه من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأبى أن يفتح لهم وطرقوا سلام بن مشكم ففتح لهم فقراهم وسقى أبا سفيان خمرا ، وأخبره من أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
فلما كان بالسحر خرج فمر بالعريض فيجد رجلا من الأنصار مع أجير له في حرثه فقتله وقتل أجيره وحرق بيتين بالعريض وحرق حرثا لهم ورأى أن يمينه قد حلت ثم ذهب هاربا ، وخاف الطلب فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فندب أصحابه فخرجوا في أثره وجعل أبو سفيان وأصحابه يتخففون فيلقون جرب السويق - وهي عامة زادهم - فجعل المسلمون يمرون - ص 182 - بها فيأخذونها ، فسميت تلك الغزوة غزوة السويق لهذا الشأن حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . فقال [ أبو سفيان ] ، في حديث الزهري ، هذه الأبيات

سقاني فرواني كميتا مدامة
على ظمأ مني سلام بن مشكم
وذاك أبو عمرو يجود وداره
بيثرب مأوى كل أبيض خضرم


كان الزهري يكنيه أبا عمرو ، والناس يكنونه أبا الحكم . واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر . فحدثني محمد عن الزهري ، قال كانت في ذي الحجة على رأس اثنين وعشرين شهرا .



غزوة قرارة الكدر

إلى بني سليم وغطفان للنصف من المحرم على رأس ثلاثة وعشرين شهرا ; غاب خمس عشرة ليلة .
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن أبي عون عن يعقوب بن عتبة ، قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى قرارة الكدر ، وكان الذي هاجه على ذلك أنه بلغه أن بها جمعا من غطفان وسليم . فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأخذ عليهم الطريق حتى جاء فرأى آثار النعم ومواردها ، ولم يجد في المجال أحدا ; فأرسل في أعلى الوادي نفرا من أصحابه
واستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطن الوادي ، - ص 183 - فوجد رعاء فيهم غلام يقال له يسار فسألهم عن الناس فقال يسار لا علم لي بهم إنما أورد لخمس وهذا يوم ربعي ; والناس قد ارتبعوا إلى المياه وإنما نحن عزاب في النعم . فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ظفر بنعم فانحدر إلى المدينة حتى إذا صلى الصبح فإذا هو بيسار فرآه يصلي . فأمر القوم أن يقسموا غنائمهم فقال القوم يا رسول الله إن أقوى لنا أن نسوق النعم جميعا ، فإن فينا من يضعف عن حظه الذي يصير إليه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتسموا فقالوا : يا رسول الله إن كان أنما بك العبد الذي رأيته يصلي ، فنحن نعطيكه في سهمك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد طبتم به نفسا ؟ قالوا : نعم . فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقه وارتحل الناس فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، واقتسموا غنائمهم فأصاب كل رجل منهم سبعة أبعرة وكان القوم مائتين .

قتل ابن الأشرف

وكان قتله على رأس خمسة وعشرين شهرا في ربيع الأول .
حدثني عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن رومان ، ومعمر عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، وإبراهيم بن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله ، فكل قد حدثني بطائفة فكان الذي اجتمعوا لنا عليه قالوا : إن ابن الأشرف كان شاعرا وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم كفار قريش في شعره .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط - منهم المسلمون الذين تجمعهم دعوة الإسلام فيهم أهل الحلقة والحصون ومنهم حلفاء للحيين جميعا الأوس والخزرج . فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة استصلاحهم كلهم وموادعتهم وكان الرجل يكون مسلما وأبوه مشركا .

شأن غزوة غطفان بذي أمر

وكانت في ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهرا . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع فغاب أحد عشر يوما .

غزوة بني سليم ببحران بناحية الفرع

لليال خلون من جمادى الأولى ، على رأس سبعة وعشرين شهرا ; غاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرا .
حدثني معمر بن راشد عن الزهري قال لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بني سليم كثيرا ببحران تهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك ولم يظهر وجها ، فخرج في ثلاثمائة رجل من أصحابه فأغذوا السير حتى إذا كانوا دون بحران بليلة لقي رجلا من بني سليم فاستخبروه عن القوم وعن جمعهم . فأخبره أنهم قد افترقوا أمس ورجعوا إلى مائهم فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحبس مع رجل من القوم ثم سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى ورد بحران ، وليس به أحد وأقام - ص 197 - أياما ثم رجع ولم يلق كيدا ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل . وكانت غيبته عشر ليال . حدثني عبد الله بن نوح عن محمد بن سهل قال استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم .

شأن سرية القردة

فيها زيد بن حارثة ، وهي أول سرية خرج فيها زيد رضي الله عنه أميرا ، وخرج لهلال جمادى الآخرة على رأس سبعة وعشرين شهرا .
حدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد ، عن أهله قالوا : كانت قريش قد حذرت طريق الشام أن يسلكوها ، وخافوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكانوا قوما تجارا ، فقال صفوان بن أمية : إن محمدا وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا ، فما ندري كيف نصنع بأصحابه لا يبرحون الساحل وأهل الساحل قد وادعهم ودخل عامتهم معه فما ندري أين نسلك ، وإن أقمنا نأكل رءوس أموالنا ونحن في دارنا هذه ما لنا بها نفاق إنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف وفي الشتاء إلى أرض الحبشة . قال له الأسود بن المطلب فنكب عن الساحل وخذ طريق العراق . قال صفوان لست بها عارفا . قال أبو زمعة فأنا أدلك على أخبر دليل بها يسلكها وهو مغمض العين إن شاء الله .




غَزْوَةُ أُحُدٍ


غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ


غزوة حمراء الأسد

وكانت يوم الأحد لثمان خلون من شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرا ، ودخل المدينة يوم الجمعة وغاب خمسا . قالوا - ص 335 - لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الأحد ومعه وجوه الأوس والخزرج ، وكانوا باتوا في المسجد على بابه - سعد بن عبادة ، وحباب بن المنذر وسعد بن معاذ ، وأوس بن خولي وقتادة بن النعمان ، وعبيد بن أوس في عدة منهم . فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصبح أمر بلالا أن ينادي إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس .
قال فخرج سعد بن معاذ راجعا إلى داره يأمر قومه بالمسير . قال والجراح في الناس فاشية عامة بني عبد الأشهل جريح بل كلها ، فجاء سعد بن معاذ فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تطلبوا عدوكم . قال يقول أسيد بن حضير وبه سبع جراحات وهو يريد أن يداويها : سمعا وطاعة لله ولرسوله فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم . وجاء سعد بن عبادة قومه بني ساعدة فأمرهم بالمسير فتلبسوا ولحقوا . وجاء أبو قتادة أهل خربى ، وهم يداوون الجراح فقال هذا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم . فوثبوا إلى سلاحهم وما عرجوا على جراحاتهم . فخرج من بني سلمة أربعون جريحا ، بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا ، وبخراش بن الصمة عشر جراحات وبكعب بن مالك بضعة عشر جرحا ، وبقطبة بن عامر بن حديدة تسع جراحات حتى وافوا النبي صلى الله عليه وسلم ببئر أبي عنبة إلى رأس الثنية - الطريق الأولى يومئذ - عليهم السلاح قد صفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم والجراح فيهم فاشية قال اللهم ارحم بني سلمة
قال الواقدي : وحدثني عتبة بن جبيرة عن رجال من قومه قالوا - ص 336 - إن عبد الله بن سهل ، ورافع بن سهل بن عبد الأشهل رجعا من أحد وبهما جراح كثيرة وعبد الله أثقلهما من الجراح فلما أصبحوا وجاءهم سعد بن معاذ يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم بطلب عدوهم قال أحدهما لصاحبه والله إن تركنا غزوة مع رسول الله لغبن والله ما عندنا دابة نركبها وما ندري كيف نصنع قال عبد الله انطلق بنا قال رافع لا والله ما بي مشي . قال أخوه انطلق بنا ، نتجار ونقصد فخرجا يزحفان فضعف رافع فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبة ويمشي الآخر عقبة حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العشاء وهم يوقدون النيران فأتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وعلى حرسه تلك الليلة عباد بن بشر - فقال ما حبسكما ؟ فأخبراه بعلتهما ، فدعا لهما بخير وقال إن طالت لكم مدة كانت لكم مراكب من خيل وبغال وإبل وليس ذلك بخير لكم حدثني عبد العزيز بن محمد عن يعقوب بن عمر بن قتادة ، قال هذان أنس ومؤنس وهذه قصتهما .
وقال جابر بن عبد الله : يا رسول الله إن مناديا نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس . وقد كنت حريصا على الحضور ولكن أبي خلفني على أخوات لي وقال يا بني لا ينبغي لي ولك أن ندعهن ولا رجل عندهن وأخاف عليهن وهن نسيات ضعاف وأنا خارج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقني الشهادة . فتخلفت عليهن فاستأثره الله علي بالشهادة وكنت رجوتها ، فأذن لي يا رسول الله أن أسير معك . فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال جابر فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري ، واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل من الأمس فدفعه إلى علي عليه السلام ويقال دفعه إلى أبي بكر .
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح في وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في جبهته في أصول الشعر ورباعيته قد شظيت وشفته قد كلمت من باطنها ، وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة - ص 337 - وركبتاه مجحوشتان . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فركع ركعتين والناس قد حشدوا ، ونزل أهل العوالي حيث جاءهم الصريخ ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فدعا بفرسه على باب المسجد وتلقاه طلحة رضي الله عنه وقد سمع المنادي فخرج ينظر متى يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الدرع والمغفر وما يرى منه إلا عيناه فقال يا طلحة سلاحك فقلت : قريبا . قال طلحة فأخرج أعدو فألبس درعي ، وآخذ سيفي ، وأطرح درقتي في صدري ; وإن بي لتسع جراحات ولأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي . ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طلحة فقال ترى القوم الآن ؟ قال هم بالسيالة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي ظننت ، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا . وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم سليطا ونعمان ابني سفيان بن خالد بن عوف بن دارم من بني سهم ومعهما ثالث من أسلم من بني عوير لم يسم لنا . فأبطأ الثالث عنهما وهما يجمزان وقد انقطع قبال نعل أحدهما ، فقال أعطني نعلك . قال لا والله لا أفعل فضرب أحدهما برجله في صدره فوقع لظهره وأخذ نعليه . ولحق القوم بحمراء الأسد ولهم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان ينهاهم عن الرجوع فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فأصابوهما . فانتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء الأسد فعسكروا ، وقبروهما في قبر واحد - ص 338 -
فقال ابن عباس : هذا قبرهما وهما القرينان . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد . قال جابر وكان عامة زادنا التمر وحمل سعد بن عبادة ثلاثين جملا حتى وافت الحمراء وساق جزرا فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثا . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمرنا أن نوقد النيران . فيوقد كل رجل نارا ، فلقد كنا تلك الليالي نوقد خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب ذكر معسكرنا ونيراننا في كل وجه حتى كان مما كبت الله تعالى عدونا .
وانتهى معبد بن أبي معبد الخزاعي ، وهو يومئذ مشرك وكانت خزاعة سلما للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد ، لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله أعلى كعبك ، وأن المصيبة كانت بغيرك . ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء . وهم يقولون لا محمدا أصبتم ولا الكواعب أردفتم فبئس ما صنعتم فهم مجمعون على الرجوع ويقول قائلهم فيما بينهم ما صنعنا شيئا ، أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم قبل أن يكون لهم وفر - والمتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل . فلما جاء معبد إلى أبي سفيان قال هذا معبد وعنده الخبر ، ما وراءك يا معبد ؟
قال تركت محمدا وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران وقد أجمع معه من تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج ، وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم - ص 339 - غضبا شديدا ولمن أصبتم من أشرافهم . قالوا : ويلك ما تقول ؟ قال والله ما نرى أن نرتحل حتى نرى نواصي الخيل ثم قال معبد لقد حملني ما رأيت منهم أن قلت أبياتا :
كادت تهد من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تعدو بأسد كرام لا تنابلة

عند اللقاء ولا ميل معازيل
فقلت ويل ابن حرب من لقائهم

إذا تغطمطت البطحاء بالجيل




وكان مما رد الله تعالى أبا سفيان وأصحابه كلام صفوان بن أمية قبل أن يطلع معبد وهو يقول يا قوم لا تفعلوا فإن القوم قد حزنوا وأخشى أن يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج ، فارجعوا والدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان برشيد والذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم ومر بأبي سفيان نفر من عبد القيس - ص 340 - يريدون المدينة ، فقال هل مبلغو محمدا وأصحابه ما أرسلكم به على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ إن أنتم جئتموني ؟
قالوا : نعم . قال حيثما لقيتم محمدا وأصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم وأنا آثاركم . فانطلق أبو سفيان . وقدم الركب على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحمراء فأخبروهم الذي أمرهم أبو سفيان فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل وفي ذلك أنزل الله عز وجل الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح الآية . وقوله الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية . وكان معبد قد أرسل رجلا من خزاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه أن قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفين وجلين . ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة

 
سَرِيّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِي أَسَدٍ

سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى قطن إلى بني أسد


في المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا قال الواقدي : حدثني عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد . وغيره أيضا قد حدثني من حديث هذه السرية وعماد الحديث عن عمر بن عثمان عن سلمة قالوا شهد أبو سلمة بن عبد الأسد أحدا ، وكان نازلا في بني أمية بن زيد بالعالية حين تحول من قباء ، ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية . فجرح بأحد جرحا على عضده فرجع إلى منزله فجاءه الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حمراء الأسد ، فركب - ص 341 - حمارا وخرج يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه حين هبط من العصبة بالعقيق فسار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد .
فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انصرف مع المسلمين ورجع من العصبة ، فأقام شهرا يداوي جرحه حتى رأى أن قد برأ ودمل الجرح على بغي لا يدرى به فلما كان هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اخرج في هذه السرية فقد استعملتك عليها . وعقد له لواء وقال سر حتى ترد أرض بني أسد ، فأغر عليهم قبل أن تلاقى عليك جموعهم . وأوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا فخرج معه في تلك السرية خمسون ومائة منهم أبو سبرة بن أبي رهم وهو أخو أبي سلمة لأمه - أمه برة بنت عبد المطلب - وعبد الله بن سهيل بن عمرو وعبد الله بن مخرمة العامري .
ومن بني مخزوم : معتب بن الفضل بن حمراء الخزاعي حليف فيهم وأرقم بن أبي الأرقم من أنفسهم .
ومن بني فهر : أبو عبيدة بن الجراح وسهيل بن بيضاء . ومن الأنصار : أسيد بن الحضير ، وعباد بن بشر وأبو نائلة وأبو عبس وقتادة بن النعمان ، ونضر بن الحارث الظفري وأبو قتادة ، وأبو عياش الزرقي ، وعبد الله بن زيد ، وخبيب بن يساف ومن لم يسم لنا .
والذي هاجه أن رجلا من طيئ قدم المدينة يريد امرأة ذات رحم به من طيئ متزوجة رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل على صهره الذي هو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن طليحة وسلمة ابني خويلد تركهما قد سارا في قومهما ومن أطاعهما بدعوتهما إلى حرب - ص 342 - رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون أن يدنوا للمدينة وقالوا نسير إلى محمد في عقر داره ونصيب من أطرافه فإن لهم سرحا يرعى جوانب المدينة ; ونخرج على متون الخيل فقد أربعنا خيلنا ونخرج على النجائب المخبورة فإن أصبنا نهبا لم ندرك وإن لاقينا جمعهم كنا قد أخذنا للحرب عدتها معنا خيل ولا خيل معهم ومعنا نجائب أمثال الخيل والقوم منكوبون قد أوقعت بهم قريش حديثا فهم لا يستبلون دهرا ولا يثوب لهم جمع . فقام فيهم رجل منهم يقال له قيس بن الحارث بن عمير فقال يا قوم والله ما هذا برأي ما لنا قبلهم وتر وما هم نهبة لمنتهب إن دارنا لبعيدة من يثرب وما لنا جمع كجمع قريش . مكثت قريش دهرا تسير في العرب تستنصرها ولهم وتر يطلبونه ثم ساروا وقد امتطوا الإبل وقادوا الخيل وحملوا السلاح مع العدد الكثير - ثلاثة آلاف مقاتل سوى أتباعهم - وإنما جهدكم أن تخرجوا في ثلاثمائة رجل إن كملوا فتغررون بأنفسكم وتخرجون من بلدكم ولا آمن أن تكون الدائرة عليكم . فكاد ذلك أن يشككهم في المسير وهم على ما هم عليه بعد . فخرج به الرجل الذي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ما أخبر الرجل فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة فخرج في أصحابه وخرج معه الطائي دليلا فأغذوا السير ونكب بهم عن سنن الطريق وعارض الطريق وسار بهم ليلا ونهارا فسبقوا الأخبار وانتهوا إلى أدنى قطن - ماء من مياه بني أسد ، هو الذي كان عليه جمعهم - فيجدون سرحا فأغاروا على سرحهم فضموه وأخذوا رعاء لهم
- ص 343 - مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم فجاءوا جمعهم فخبروهم الخبر وحذروهم جمع أبي سلمة وكثروه عندهم فتفرق الجمع في كل وجه .
وورد أبو سلمة الماء فيجد الجمع قد تفرق فعسكر وفرق أصحابه في طلب النعم والشاء فجعلهم ثلاث فرق - فرقة أقامت معه وفرقتان أغارتا في ناحيتين شتى . وأوعز إليهما ألا يمعنوا في طلب وألا يبيتوا إلا عنده إن سلموا وأمرهم ألا يفترقوا واستعمل على كل فرقة عاملا منهم . فآبوا إليه جميعا سالمين قد أصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر أبو سلمة بذلك كله إلى المدينة راجعا ورجع معه الطائي فلما ساروا ليلة قال أبو سلمة اقتسموا غنائمكم . فأعطى أبو سلمة الطائي الدليل رضاه من المغنم ثم أخرج صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا ثم أخرج الخمس ثم قسم ما بقي بين أصحابه فعرفوا سهمانهم ثم أقبلوا بالنعم والشاء يسوقونها حتى دخلوا المدينة . قال عمر بن عثمان فحدثني عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن عمر بن أبي سلمة ، قال كان الذي جرح أبا سلمة أبو أسامة الجشمي ، رماه يوم أحد بمعبلة في عضده فمكث شهرا يداويه فبرأ فيما نرى وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا إلى قطن وغاب بضع عشرة .
فلما قدم المدينة انتقض الجرح فمات لثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة فغسل من اليسيرة - بئر بني أمية - بين القرنين وكان اسمها في الجاهلية العبير فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم اليسيرة ثم حمل من بني أمية فدفن بالمدينة .
- ص 344 - قال عمر بن أبي سلمة : واعتدت أمي حتى خلت أربعة أشهر وعشرا ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل بها في ليال بقين من شوال فكانت أمي تقول ما بأس في النكاح في شوال والدخول فيه قد تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وأعرس بي في شوال . وماتت أم سلمة في ذي القعدة سنة تسع وخمسين .
غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ


غَزْوَةُ الرّجِيعِ


غزوة الرجيع

في صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا
حدثني موسى بن يعقوب - ص 354 - عن أبي الأسود عن عروة قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرجيع عيونا إلى مكة ليخبروه خبر قريش ، فسلكوا على النجدية حتى كانوا بالرجيع فاعترضت لهم بنو لحيان .
حدثني محمد بن عبد الله ومعمر بن راشد وعبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الله بن جعفر ، ومحمد بن صالح ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، ومعاذ بن محمد في رجال ممن لم أسم وكل قد حدثني ببعض الحديث وبعض القوم كان أوعى له من بعض وقد جمعت الذي حدثوني ، قالوا : لما قتل سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي مشت بنو لحيان إلى عضل والقارة ، فجعلوا لهم فرائض على أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكلموه فيخرج إليهم نفرا من أصحابه يدعونهم إلى الإسلام . فنقتل من قتل صاحبنا ونخرج بسائرهم إلى قريش بمكة فنصيب بهم ثمنا ; فإنهم ليسوا لشيء أحب إليهم من أن يؤتوا بأحد من أصحاب محمد يمثلون به ويقتلونه بمن قتل منهم ببدر . فقدم سبعة نفر من عضل والقارة - وهما حيان إلى خزيمة - مقرين بالإسلام فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن فينا إسلاما فاشيا ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يقرئوننا القرآن ويفقهوننا في الإسلام . - ص 355 - فبعث معهم سبعة نفر مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، وخالد بن أبي البكير وعبد الله بن طارق البلوي حليف في بني ظفر ، وأخاه لأمه معتب بن عبيد ، حليف في بني ظفر وخبيب بن عدي بن بلحارث بن الخزرج ، وزيد بن الدثنة من بني بياضة ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح . ويقال كانوا عشرة وأميرهم مرثد بن أبي مرثد ; ويقال أميرهم عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح . فخرجوا حتى إذا كانوا بماء لهذيل - يقال له الرجيع قريب من الهدة - خرج النفر فاستصرخوا عليهم أصحابهم الذين بعثهم اللحيانيون فلم يرع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا بالقوم مائة رام وفي أيديهم السيوف . فاخترط أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسيافهم ثم قاموا ، فقال العدو : ما نريد قتالكم وما نريد إلا أن نصيب منكم من أهل مكة ثمنا ، ولكم عهد الله وميثاقه لا نقتلكم .
فأما خبيب بن عدي ، وزيد بن الدثنة ، وعبد الله بن طارق ، فاستأسروا . وقال خبيب إن لي عند القوم يدا . وأما عاصم بن ثابت ومرثد وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد ، فأبوا أن يقبلوا جوارهم ولا أمانهم . وقال عاصم بن ثابت إني نذرت ألا أقبل جوار مشرك أبدا . فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول
ما علتي وأنا جلد نابل

النبل والقوس لها بلابل
تزل عن صفحتها المعابل

الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل

بالمرء والمرء إليه آئل




إن لم أقاتلكم فأمي هابل
قال الواقدي - ص 356 - ما رأيت من أصحابنا أحدا يدفعه . قال فرماهم بالنبل حتى فنيت نبله ثم طاعنهم بالرمح حتى كسر رمحه وبقي السيف فقال اللهم حميت دينك أول نهاري فاحم لي لحمي آخره وكانوا يجردون كل من قتل من أصحابه . قال فكسر غمد سيفه ثم قاتل حتى قتل وقد جرح رجلين وقتل واحدا . فقال عاصم وهو يقاتل :
أنا أبو سليمان ومثلي رامى

ورثت مجدا معشرا كراما




أصبت مرثدا وخالدا قياما
ثم شرعوا فيه الأسنة حتى قتلوه . وكانت سلافة بنت سعد بن الشهيد . قد قتل زوجها وبنوها أربعة قد كان عاصم قتل منهم اثنين الحارث ومسافعا ; فنذرت لئن أمكنها الله منه أن تشرب في قحف رأسه الخمر وجعلت لمن جاء برأس عاصم مائة ناقة قد علمت ذلك العرب وعلمته بنو لحيان فأرادوا أن يحتزوا رأس عاصم ليذهبوا به إلى سلافة بنت سعد ليأخذوا منها مائة ناقة . فبعث الله تعالى عليهم الدبر فحمته فلم يدن إليه أحد إلا لدغت وجهه وجاء منها شيء كثير لا طاقة لأحد به .
فقالوا : دعوه إلى الليل فإنه إذا جاء الليل ذهب عنه الدبر . فلما جاء الليل بعث الله عليه سيلا - وكنا ما نرى في السماء سحابا في وجه من الوجوه - فاحتمله فذهب به فلم يصلوا إليه . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يذكر عاصما - وكان عاصم نذر ألا يمس مشركا ولا يمسه مشرك تنجسا به . فقال عمر رضي الله عنه إن الله عز وجل ليحفظ المؤمنين فمنعه الله عز وجل أن - ص 357 - يمسوه بعد وفاته كما امتنع في حياته . وقاتل معتب بن عبيد حتى جرح فيهم ثم خلصوا إليه فقتلوه . وخرجوا بخبيب وعبد الله بن طارق ، وزيد بن الدثنة حتى إذا كانوا بمر الظهران ، وهم موثقون بأوتار قسيهم قال عبد الله بن طارق : هذا أول الغدر والله لا أصاحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة - يعني القتلى . فعالجوه فأبى ، ونزع يده من رباطه ثم أخذ سيفه فانحازوا عنه فجعل يشد فيهم وينفرجون عنه فرموه بالحجارة حتى قتلوه - فقبره بمر الظهران .
وخرجوا بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة حتى قدموا بهما مكة ، فأما خبيب فابتاعه حجير بن أبي إهاب بثمانين مثقال ذهب . ويقال اشتراه بخمسين فريضة ويقال اشترته ابنة الحارث بن عامر بن نوفل بمائة من الإبل . وكان حجير إنما اشتراه لابن أخيه عقبة بن الحارث بن عامر ليقتله بأبيه قتل يوم بدر . وأما زيد بن الدثنة ، فاشتراه صفوان بن أمية بخمسين فريضة فقتله بأبيه ويقال إنه شرك فيه أناس من قريش ; فدخل بهما في شهر حرام في ذي القعدة فحبس حجير خبيب بن عدي في بيت امرأة . يقال لها ماوية مولاة لبني عبد مناف ، وحبس صفوان بن أمية زيد بن الدثنة عند ناس من بني جمح ، ويقال عند نسطاس غلامه . وكانت ماوية قد أسلمت بعد فحسن إسلامها ، وكانت تقول والله ما رأيت أحدا خيرا من خبيب . والله لقد اطلعت عليه من صير الباب وإنه لفي الحديد ما أعلم في الأرض حبة عنب تؤكل وإن في يده لقطف عنب مثل رأس الرجل يأكل منه وما هو إلا رزق رزقه الله . وكان خبيب يتهجد بالقرآن - ص 358 - وكان يسمعه النساء فيبكين ويرققن عليه . قالت فقلت له يا خبيب هل لك من حاجة ؟ قال لا ، إلا أن تسقيني العذب ولا تطعميني ما ذبح على النصب . وتخبريني إذا أرادوا قتلي . قالت فلما انسلخت الأشهر الحرم وأجمعوا على قتله أتيته فأخبرته ، فوالله ما رأيته اكترث لذلك وقال ابعثي لي بحديدة أستصلح بها . قالت فبعثت إليه موسى مع ابني أبي حسين فلما ولى الغلام قلت : أدرك والله الرجل ثأره أي شيء صنعت ؟ بعثت هذا الغلام بهذه الحديدة فيقتله ويقول " رجل برجل " .
فلما أتاه ابني بالحديدة تناولها منه ثم قال ممازحا له وأبيك إنك لجريء أما خشيت أمك غدري حين بعثت معك بحديدة وأنتم تريدون قتلي ؟ قالت ماوية وأنا أسمع ذلك فقلت : يا خبيب إنما أمنتك بأمان الله وأعطيتك بإلهك ، ولم أعطك لتقتل ابني . فقال خبيب ما كنت لأقتله وما نستحل في ديننا الغدر . ثم أخبرته أنهم مخرجوه فقاتلوه بالغداة . قال فأخرجوه بالحديد حتى انتهوا به إلى التنعيم ، وخرج معه النساء والصبيان والعبيد وجماعة من أهل مكة ; فلم يتخلف أحد ، إما موتور فهو يريد أن يتشافى بالنظر من وتره وإما غير موتور فهو مخالف للإسلام وأهله . فلما انتهوا به إلى التنعيم ، ومعه زيد بن الدثنة ، فأمروا بخشبة طويلة فحفر لها ، فلما انتهوا بخبيب إلى خشبته قال هل أنتم تاركي فأصلي ركعتين ؟ قالوا : نعم . فركع ركعتين أتمهما من غير أن يطول فيهما .
فحدثني معمر عن الزهري ، عن عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن العلاء عن أبي هريرة قال أول من سن الركعتين عند القتل خبيب . - ص 359 - قالوا : ثم قال أما والله لولا أن تروا أني جزعت من الموت لاستكثرت من الصلاة . ثم قال اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم أحدا .
فقال معاوية بن أبي سفيان : لقد حضرت دعوته ولقد رأيتني وإن أبا سفيان ليضجعني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب ولقد جبذني يومئذ أبو سفيان جبذة فسقطت على عجب ذنبي فلم أزل أشتكي السقطة زمانا .
وقال حويطب بن عبد العزى : لقد رأيتني أدخلت إصبعي في أذني وعدوت هربا فرقا أن أسمع دعاءه .
وقال حكيم بن حزام : لقد رأيتني أتوارى بالشجر فرقا من دعوة خبيب .
فحدثني عبد الله بن يزيد قال حدثني سعيد بن عمرو قال سمعت جبير بن مطعم يقول لقد رأيتني يومئذ أتستر بالرجال فرقا من أن أشرف لدعوته .
وقال الحارث بن برصاء والله ما ظننت أن تغادر دعوة خبيب منهم أحدا .
غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ


غَزْوَةُ بَدْرِ الْمَوْعِد


غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ

غزوة ذات الرقاع

فإنما سميت ذات الرقاع لأنه جبل فيه بقع حمر وسواد وبياض . خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة السبت لعشر خلون من المحرم على رأس سبعة وأربعين شهرا . وقدم صرارا يوم الأحد لخمس بقين من المحرم وغاب خمس عشرة .
فحدثني الضحاك بن عثمان ، عن عبيد الله بن مقسم ، وحدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن جابر وعن عبد الكريم بن أبي حفصة عن جابر وعبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر ، عن عبد الله بن أبي بكر ، ومالك بن أنس ، وعبد الله بن عمر ، عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله ، وقد زاد بعضهم على بعض في الحديث وغيرهم قد حدثني به قالوا : قدم قادم بجلب له فاشترى بسوق النبط وقالوا : من أين جلبت جلبك ؟ قال جئت من نجد وقد رأيت أنمارا وثعلبة قد جمعوا لكم جموعا ، وأراكم هادين عنهم .
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم - ص 396 - قوله فخرج في أربعمائة من أصحابه وقال قائل كانوا سبعمائة أو ثمانمائة . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، حتى سلك على المضيق ثم أفضى إلى وادي الشقرة فأقام به يوما ، وبث السرايا فرجعوا إليه مع الليل وخبروه أنهم لم يروا أحدا وقد وطئوا آثارا حديثة .
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى أتى محالهم فيجدون المحال ليس فيها أحد ، وقد ذهبت الأعراب إلى رءوس الجبال وهم مطلون على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، والمشركون منهم قريب وخاف المسلمون أن يغيروا عليهم وهم غارون . وخافت الأعراب ألا يبرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستأصلهم . وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف
فحدثني ربيعة بن عثمان عن أبي نعيم عن جابر بن عبد الله ، قال فكان أول ما صلى يومئذ صلاة الخوف وخاف أن يغيروا عليه وهم في الصلاة وهم صفوف . فحدثني عبد الله بن عثمان عن أخيه عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات عن أبيه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة وطائفة خلفه وطائفة مواجهة العدو فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وسجدتين ثم ثبت قائما فصلوا خلفه ركعة وسجدتين ثم سلموا ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين والطائفة الأولى مقبلة على العدو فلما صلى بهم ركعة ثبت جالسا حتى أتموا لأنفسهم ركعة وسجدتين ثم سلم
- ص 397 - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب في محالهم نسوة وكان في السبي جارية وضيئة كان زوجها يحبها ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة حلف زوجها ليطلبن محمدا ، ولا يرجع إلى قومه حتى يصيب محمدا ، أو يهريق فيهم دما ، أو تتخلص صاحبته .
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره عشية ذات ريح فنزل في شعب استقبله فقال من رجل يكلؤنا الليلة ؟ فقام رجلان عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فقالا : نحن يا رسول الله نكلؤك . وجعلت الريح لا تسكن وجلس الرجلان على فم الشعب ، فقال أحدهما لصاحبه أي الليل أحب إليك ، أن أكفيك أوله فتكفيني آخره ؟ قال اكفني أوله . فنام عمار بن ياسر ، وقام عباد بن بشر يصلي ، وأقبل عدو الله يطلب غرة وقد سكنت الريح فلما رأى سواده من قريب قال يعلم الله إن هذا لربيئة القوم ففوق له سهما فوضعه فيه فانتزعه فوضعه ثم رماه بآخر فوضعه فيه فانتزعه فوضعه ثم رماه الثالث فوضعه فيه فلما غلب عليه الدم ركع وسجد ثم قال لصاحبه اجلس فقد أتيت فجلس عمار فلما رأى الأعرابي أن عمارا قد قام علم أنهم قد نذروا به . فقال عمار أي أخي ، ما منعك أن توقظني به في أول سهم رمى به ؟ قال كنت في سورة أقرأها وهي سورة الكهف ، فكرهت أن أقطعها حتى أفرغ منها ، ولولا أني خشيت أن أضيع ثغرا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انصرفت ولو أتي على نفسي
ويقال الأنصاري عمارة بن حزم . قال ابن واقد : وأثبتهما عندنا عمار بن ياسر .
- ص 398 - فكان جابر يقول إنا لمع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فأقبل أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه . فرأيت الناس عجبوا من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا الطائر ؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه والله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه
غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ


غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ


غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ


بَابُ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ


بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ

باب شأن سرية عبد الله بن أنيس إلى سفيان بن خالد بن نبيح

قال عبد الله بن أنيس : خرجت من المدينة يوم الاثنين لخمس خلون من المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا ، فغبت اثنتي عشرة ليلة وقدمت يوم السبت لسبع بقين من المحرم .
قال الواقدي : حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن جبير ، عن موسى بن جبير قال بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن سفيان بن خالد بن نبيح الهذلي ثم اللحياني وكان نزل عرنة وما حولها في ناس من قومه وغيرهم فجمع الجموع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضوى إليه بشر كثير من أفناء الناس .
فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أنيس ، فبعثه سرية وحده إليه ليقتله وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ص 532 - انتسب إلى خزاعة . فقال عبد الله بن أنيس : يا رسول الله ما أعرفه فصفه لي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنك إذا رأيته هبته وفرقت منه وذكرت الشيطان . وكنت لا أهاب الرجال فقلت : يا رسول الله ما فرقت من شيء قط . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلى ، آية بينك وبينه أن تجد له قشعريرة إذا رأيته .
واستأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أقول فقال قل ما بدا لك . قال فأخذت سيفي لم أزد عليه وخرجت أعتزي إلى خزاعة ، فأخذت على الطريق حتى انتهيت إلى قديد ، فأجد بها خزاعة كثيرا ، فعرضوا علي الحملان والصحابة فلم أرد ذلك وخرجت حتى أتيت بطن سرف ، ثم عدلت حتى خرجت على عرنة ، وجعلت أخبر من لقيت أني أريد سفيان بن خالد لأكون معه حتى إذا كنت ببطن عرنة لقيته يمشي ، ووراءه الأحابيش ومن استجلب وضوى إليه .
فلما رأيته هبته ، وعرفته بالنعت الذي نعت لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأيتني أقطر فقلت : صدق الله ورسوله وقد دخلت في وقت العصر حين رأيته ، فصليت وأنا أمشي أومئ إيماء برأسي ، فلما دنوت منه قال من الرجل ؟ فقلت : رجل من خزاعة ، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك . قال أجل إني لفي الجمع له .
فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي ، وأنشدته شعرا ، وقلت : عجبا لما أحدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم قال لم يلق محمد أحدا يشبهني قال وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض - ص 533 - حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم مطيفون به فقال هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه فقال لجاريته احلبي فحلبت ثم ناولتني ، فمصصت ثم دفعته إليه فعب كما يعب الجمل حتى غاب أنفه في الرغوة ثم قال اجلس . فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا وهدأ اغتررته فقتلته وأخذت رأسه ثم أقبلت وتركت نساءه يبكين عليه وكان النجاء مني حتى صعدت في جبل فدخلت غارا .
وأقبل الطلب من الخيل والرجال توزع في كل وجه وأنا مختف في غار الجبل وضربت العنكبوت على الغار وأقبل رجل ومعه إداوة ضخمة ونعلاه في يده وكنت حافيا ، وكان أهم أمري عندي العطش كنت أذكر تهامة وحرها ، فوضع إداوته ونعله وجلس يبول على باب الغار ثم قال لأصحابه ليس في الغار أحد .
فانصرفوا راجعين وخرجت إلى الإداوة فشربت منها وأخذت النعلين فلبستهما . فكنت أسير الليل وأتوارى النهار حتى جئت المدينة فوجدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فلما رآني قال أفلح الوجه قلت : أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت رأسه بين يديه وأخبرته خبري ، فدفع إلي عصا فقال تخصر بهذه في الجنة . فإن المتخصرين في الجنة قليل
فكانت عند عبد الله بن أنيس حتى إذا حضره الموت أوصى أهله أن يدرجوها في كفنه . وكان قتله في المحرم على رأس أربعة وخمسين شهرا .
غَزْوَةُ الْقُرْطَاءِ


غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ

غزوة بني لحيان

حدثني عبد الملك بن وهب أبو الحسن الأسلمي ، عن عطاء بن أبي مروان قال خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهلال ربيع الأول سنة ست فبلغ غران وعسفان ، وغاب أربع عشرة ليلة .
حدثني معمر عن الزهري ، عن ابن كعب بن مالك ، وحدثني يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم وغيرهما قد حدثني .
وقد زاد أحدهما على صاحبه قالوا : وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ص 536 - على عاصم بن ثابت وأصحابه وجدا شديدا ، فخرج [ في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا ] في أصحابه فنزل بمضرب القبة من ناحية الجرف ، فعسكر في أول نهاره وهو يظهر أنه يريد الشام ، ثم راح مبردا فمر على غرابات ، ثم على بين حتى خرج على صخيرات الثمام فلقي الطريق هناك .
ثم أسرع السير حتى انتهى إلى بطن غران حيث كان مصابهم فترحم عليهم وقال هنيئا لكم الشهادة فسمعت به لحيان فهربوا في رءوس الجبال فلم نقدر منهم على أحد ، فأقام يوما أو يومين وبعث السرايا في كل ناحية فلم يقدروا على أحد .
ثم خرج حتى أتى عسفان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : إن قريشا قد بلغهم مسيري وأني قد وردت عسفان ، وهم يهابون أن آتيهم فاخرج في عشرة فوارس .
فخرج أبو بكر فيهم حتى أتوا الغميم ، ثم رجع أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يلق أحدا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا يبلغ قريشا فيذعرهم ويخافون أن نكون نريدهم - وخبيب بن عدي يومئذ في أيديهم . فبلغ قريشا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ الغميم ، فقالت قريش : ما أتى محمد الغميم إلا يريد أن يخلص - ص 537 - خبيبا .
غَزْوَةُ الْغَابَةِ


سَرِيّةُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ

سرية عكاشة بن محصن إلى الغمر

في شهر ربيع الأول سنة ست
- ص 550 - حدثني ابن أبي سبرة عن عبد ربه بن سعيد قال سمعت رجلا من بني أسد بن خزيمة يحدث القاسم بن محمد يقول بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن في أربعين رجلا - منهم ثابت بن أقرم . وشجاع بن وهب ويزيد بن رقيش . فخرج سريعا يغذ السير ونذر القوم فهربوا من مائهم فنزلوا علياء بلادهم فانتهى إلى الماء فوجد الدار خلوفا ، فبعث الطلائع يطلبون خبرا أو يرون أثرا حديثا ، فرجع إليه شجاع بن وهب فأخبره أنه رأى أثر نعم قريبا ، فتحملوا فخرجوا حتى يصيبوا ربيئة لهم قد نظر ليلته يسمع الصوت فلما أصبح نام فأخذوه وهو نائم فقالوا : الخبر عن الناس قال وأين الناس ؟ قد لحقوا بعلياء بلادهم قالوا : فالنعم ؟ قال معهم . فضربه أحدهم بسوط في يده . قال تؤمنني على دمي وأطلعك على نعم لبني عم لهم لم يعلموا بمسيركم إليهم ؟ قالوا : نعم . فانطلقوا معه فخرج حتى أمعن وخافوا أن يكونوا معه في غدر فقربوه فقالوا : والله لتصدقنا أو لنضربن عنقك قال تطلعون عليهم من هذا الظريب . قال فأوفوا على الظريب فإذا نعم رواتع فأغاروا عليه فأصابوه وهربت الأعراب في كل وجه ونهى عكاشة عن الطلب واستاقوا مائتي بعير فحدروها إلى المدينة ، وأرسلوا - ص 551 - الرجل وقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصب منهم أحد ولم يلقوا كيدا .
سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِي الْقَصّةِ

سرية محمد بن مسلمة إلى ذي القصة

إلى بني ثعلبة وعوال في ربيع الآخر
حدثني عبد الله بن الحارث ، عن أبيه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة فورد عليهم ليلا ، فكمن القوم حتى نام ونام أصحابه فأحدقوا به وهم مائة رجل فما شعر القوم إلا بالنبل قد خالطتهم . فوثب محمد بن مسلمة وعليه القوس فصاح بأصحابه السلاح فوثب فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الأعراب بالرماح فقتلوا منهم ثلاثة ثم انحاز أصحاب محمد إليه فقتلوا من القوم رجلا ، ثم حمل القوم فقتلوا من بقي . ووقع محمد بن مسلمة جريحا ، فضرب كعبه فلا يتحرك وجردوهم من الثياب وانطلقوا ، فمر رجل على القتلى فاسترجع فلما سمعه محمد تحرك له فإذا هو رجل مسلم فعرض على محمد طعاما وشرابا وحمله حتى ورد به المدينة .
فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجد أحدا واستاق نعما ثم رجع . قال أبو عبد الله فذكرت هذه السرية لإبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة فقال أخبرني أبي أن محمد بن مسلمة خرج في عشرة نفر أبو نائلة والحارث بن أوس ، وأبو عبس بن جبر ونعمان بن عصر ، ومحيصة بن مسعود ، وحويصة وأبو بردة بن نيار ورجلان من مزينة ، ورجل من غطفان ، فقتل المزنيان - ص 552 - والغطفاني ، وارتث محمد بن مسلمة من القتلى . قال محمد فلما كانت غزوة خيبر نظرت إلى أحد النفر الذين كانوا ولوا ضربي يوم ذي القصة فلما رآني قال أسلمت وجهي لله فقلت : أولى
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى ذِي الْقَصّةِ

سرية أميرها أبو عبيدة إلى ذي القصة

في ربيع الآخر سنة ست ليلة السبت وغاب ليلتين .
حدثني عبد الرحمن بن زياد الأشجعي ، عن عيسى بن عميلة وحدثني عبد الله بن الحارث بن الفضل ، عن أبيه زاد أحدهما على صاحبه قالا : أجدبت بلاد بني ثعلبة وأنمار ، ووقعت سحابة بالمراض إلى تغلمين ، فصارت بنو محارب وثعلبة وأنمار إلى تلك السحابة وكانوا قد أجمعوا أن يغيروا على سرح المدينة ، وسرحهم يومئذ يرعى ببطن هيقا ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا من المسلمين حين صلوا صلاة المغرب فباتوا ليلتهم يمشون حتى وافوا ذي القصة مع عماية الصبح فأغار عليهم فأعجزهم هربا في الجبال وأخذ رجلا منهم ووجد نعما من نعمهم فاستاقه ورثة من متاع فقدم به المدينة ، فأسلم الرجل فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عليه خمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقسم ما بقي عليهم .
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتّ


سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ

سرية زيد بن حارثة إلى العيص في جمادى الأولى سنة ست


حدثني - ص 553 - موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الغابة بلغه أن عيرا لقريش أقبلت من الشام ، فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب فأخذوها وما فيها . وأخذوا يومئذ فضة كثيرة لصفوان وأسروا ناسا ممن كان في العير معهم منهم أبو العاص بن الربيع ، والمغيرة بن معاوية بن أبي العاص . فأما أبو العاص فلم يغد أن جاء المدينة ، ثم دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرا ، وهي امرأته فاستجارها فأجارته .
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر قامت زينب على بابها فنادت بأعلى صوتها فقالت إني قد أجرت أبا العاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم . قال فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم وقد أجرنا من أجارت . فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد إلى أبي العاص ما أخذ منه من المال ففعل وأمرها ألا يقربها ، فإنها لا تحل له ما دام مشركا . ثم كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وكانت معه بضائع لغير واحد من قريش ، فأدوا إليه كل شيء حتى إنهم ليردون - ص 554 - الإداوة والحبل حتى لم يبق شيء . ورجع أبو العاص إلى مكة فأدى إلى كل ذي حق حقه . قال يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم شيء ؟ قالوا : لا والله . قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله لقد أسلمت بالمدينة وما منعني أن أقيم بالمدينة إلا أن خشيت أن تظنوا أني أسلمت لأن أذهب بالذي لكم . ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه زينب بذلك النكاح . ويقال إن هذه العير كانت أخذت طريق العراق ، ودليلها فرات بن حيان العجلي
 سرية زيد بن حارثة إلى الطرف

في جمادى الآخرة سنة ست
حدثني أسامة بن زيد الليثي ، عن عمران بن مناح قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة فخرج في خمسة عشر رجلا ، حتى إذا كانوا بالطرف أصاب نعما وشاء . وهربت الأعراب وخافوا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إليهم فانحدر زيد بن حارثة حتى صبح المدينة بالنعم وخرجوا في طلبه حتى أعجزهم فقدم بعشرين بعيرا . ولم يكن قتال فيها ، وإنما غاب أربع ليال .
حدثني ابن أبي سبرة عن أبي رشد عن حميد بن مالك عن من حضر السرية قال أصابهم بعيران أو حسابهما من الغنم فكان كل بعير عشرا من الغنم وكان شعارنا : أمت أمت
 
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى

سرية زيد بن حارثة إلى حسمى

في جمادى الآخرة سنة ست
حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال أقبل دحية الكلبي من عند قيصر قد أجاز دحية بمال وكساه كسى . فأقبل حتى كان بحسمى ، فلقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وأصابوا كل شيء - ص 556 - معه فلم يصل إلى المدينة إلا بسمل فلم يدخل بيته حتى انتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ؟ فقال دحية الكلبي . قال ادخل . فدخل فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كان من هرقل حتى أتى على آخر ذلك ثم قال يا رسول الله أقبلت من عنده حتى كنت بحسمى فأغار علي قوم من جذام ، فما تركوا معي شيئا حتى أقبلت بسملي ، هذا الثوب .
فحدثني موسى بن محمد قال سمعت شيخا من سعد هذيم كان قديما يخبر عن أبيه يقول إن دحية لما أصيب - أصابه الهنيد بن عارض وابنه عارض بن الهنيد : وكانا والله نكدين مشئومين فلم يبقوا معه شيئا ، فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إلى الهنيد وابنه . فكان فيمن نفر منهم النعمان بن أبي جعال في عشرة نفر وكان نعمان رجل الوادي ذا الجلد والرماية . فارتمى النعمان وقرة بن أبي أصفر الصلعي ، فرماه قرة فأصاب كعبه فأقعده إلى الأرض . ثم انتهض النعمان فرماه بسهم عريض السروة فقال خذها من الفتى فخل السهم في ركبته فشنجه وقعد فخلصوا لدحية متاعه فرجع به سالما إلى المدينة .
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ

سرية أميرها عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل

في شعبان سنة ست
حدثني سعيد بن مسلم بن قمادين عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عمر قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال وتجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا ، أو من غد إن شاء الله . قال ابن عمر : فسمعت ذلك فقلت : لأدخلن فلأصلين مع النبي الغداة فلأسمعن وصيته لعبد الرحمن بن عوف . قال فغدوت فصليت فإذا أبو بكر ، وعمر ، وناس من المهاجرين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ما خلفك عن أصحابك ؟ قال ابن عمر وقد مضى أصحابه في السحر فهم معسكرون بالجرف وكانوا سبعمائة رجل فقال أحببت يا رسول الله أن يكون آخر عهدي بك ، وعلي ثياب سفري . قال وعلى عبد الرحمن بن عوف عمامة قد لفها على رأسه . قال ابن عمر فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأقعده بين يديه فنقض عمامته بيده ثم عممه بعمامة سوداء - ص 561 - فأرخى بين كتفيه منها ، ثم قال هكذا فاعتم يا ابن عوف قال وعلى ابن عوف السيف متوشحه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغز باسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليدا . قال ابن عمر ثم بسط يده فقال يا أيها الناس اتقوا خمسا قبل أن يحل بكم ما نقض مكيال قوم إلا أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يرجعون وما نكث قوم عهدهم إلا سلط الله عليهم عدوهم وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عليهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا ، وما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الطاعون وما حكم قوم بغير آي القرآن إلا ألبسهم الله شيعا ، وأذاق بعضهم بأس بعض .
سَرِيّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى بَنِي سَعْدٍ بِفَدَكٍ

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بني سعد بفدك

في شعبان سنة ست
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن يعقوب بن عتبة ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام في مائة رجل إلى حي سعد بفدك ، وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر ، فسار الليل وكمن النهار حتى انتهى إلى الهمج فأصاب عينا فقال ما أنت ؟ هل لك علم بما وراءك من جمع بني سعد ؟ قال لا علم لي به . فشدوا عليه فأقر أنه عين لهم بعثوه إلى خيبر ، يعرض على يهود خيبر نصرهم على أن يجعلوا لهم من تمرهم كما جعلوا لغيرهم ويقدمون عليهم فقالوا له فأين القوم ؟ قال تركتهم وقد تجمع منهم مائتا رجل وراسهم وبر بن عليم . قالوا : فسر بنا حتى تدلنا . قال على أن تؤمنوني قالوا : إن دللتنا عليهم وعلى سرحهم أمناك ، وإلا فلا أمان لك . قال فذاك فخرج بهم دليلا لهم حتى ساء ظنهم به وأوفى بهم على فدافد وآكام ثم أفضى بهم إلى سهولة فإذا نعم كثير وشاء فقال هذا نعمهم وشاؤهم . فأغاروا عليه فضموا النعم والشاء . قال أرسلوني قالوا : لا حتى نأمن الطلب ونذر بهم الراعي رعاء الغنم والشاء فهربوا إلى جمعهم فحذروهم - ص 563 - فتفرقوا وهربوا ، فقال الدليل علام تحبسني ؟ قد تفرقت الأعراب وأنذرهم الرعاء . قال علي عليه السلام لم نبلغ معسكرهم . فانتهى بهم إليه فلم ير أحدا ، فأرسلوه وساقوا النعم والشاء النعم خمسمائة بعير وألفا شاة .
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ


سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أُسَيْرِ بْن زَارِمَ

سرية أميرها عبد الله بن رواحة إلى أسير بن زارم

في شوال سنة ست
قال - ص 566 - الواقدي : حدثني موسى بن يعقوب عن أبي الأسود قال سمعت عروة بن الزبير قال غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرتين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم البعثة الأولى إلى خيبر في رمضان في ثلاثة نفر ينظر إلى خيبر ، وحال أهلها وما يريدون وما يتكلمون به فأقبل حتى أتى ناحية خيبر فجعل يدخل الحوائط وفرق أصحابه في النطاة ، والشق ، والكتيبة ، ووعوا ما سمعوا من أسير وغيره . ثم خرجوا بعد إقامة ثلاثة أيام فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لليال بقين من رمضان فخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما رأى وسمع ثم خرج إلى أسير في شوال .
فحدثني ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن ابن عباس ، قال كان أسير رجلا شجاعا ، فلما قتل أبو رافع أمرت اليهود أسير بن زارم فقام في اليهود فقال إنه والله ما سار محمد إلى أحد من اليهود إلا بعث أحدا من أصحابه فأصاب منهم ما أراد ولكني أصنع ما لا يصنع أصحابي . فقالوا : وما عسيت أن تصنع ما لم يصنع أصحابك ؟ قال أسير في غطفان فأجمعهم . فسار في غطفان فجمعها ، ثم قال يا معشر اليهود ، نسير إلى محمد في عقر داره فإنه لم يغز أحد في داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد . قالوا : نعم ما رأيت .
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ

سرية أميرها كرز بن جابر

لما أغير على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بذي الجدر في شوال سنة ست وهي على ثمانية أميال من المدينة .
- ص 569 - حدثنا خارجة بن عبد الله عن يزيد بن رومان ، قال قدم نفر من عرينة ثمانية على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، فاستوبأوا المدينة فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه وكان سرح المسلمين بذي الجدر فكانوا بها حتى صحوا وسمنوا . وكانوا استأذنوه يشربون من ألبانها وأبوالها ، فأذن لهم فغدوا على اللقاح فاستاقوها ، فيدركهم مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه نفر فقاتلهم فأخذوه فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات . وانطلقوا بالسرح فأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمر بيسار تحت شجرة فلما رأته وما به - وقد مات - رجعت إلى قومها وخبرتهم الخبر ، فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتا . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم عشرين فارسا ، واستعمل عليهم كرز بن جابر الفهري ، فخرجوا في طلبهم حتى أدركهم الليل فباتوا بالحرة وأصبحوا فاغتدوا لا يدرون أين يسلكون فإذا هم بامرأة تحمل كتف بعير فأخذوها فقالوا : ما هذا معك ؟ قالت مررت بقوم قد نحروا بعيرا فأعطوني . قالوا : أين هم ؟ قالت هم بتلك القفار من الحرة ، إذا وافيتم عليها رأيتم دخانهم . فساروا حتى أتوهم حين فرغوا من طعامهم فأحاطوا بهم فسألوهم أن يستأسروا ، فاستأسروا بأجمعهم لم يفلت منهم إنسان فربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة ، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، فخرجوا نحوه
 
غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ

غزوة الحديبية

قال حدثنا ربيعة بن عمير بن عبد الله بن الهرم وقدامة بن موسى ، وعبد الله بن يزيد الهذلي ، ومحمد بن عبد الله بن أبي سبرة وموسى بن محمد وأسامة بن زيد الليثي ، وأبو معشر وعبد الحميد بن جعفر وعبد الرحمن بن عبد العزيز ويونس بن محمد ويعقوب بن محمد بن - ص 572 - أبي صعصعة ومجمع بن يعقوب ، وسعيد بن أبي زيد الزرقي ، وعابد بن يحيى ، ومحمد بن صالح عن عاصم بن عمر ، ومحمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة ، ومعاذ بن محمد وعبد الله بن جعفر ، وحزام بن هشام عن أبيه فكل قد حدثني من هذا الحديث بطائفة وبعضهم أوعى لهذا الحديث من بعض وغير هؤلاء المسمين قد حدثني ، أهل الثقة وكتبت كل ما حدثوني ، قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في النوم أنه دخل البيت وحلق رأسه وأخذ مفتاح البيت وعرف مع المعرفين فاستنفر أصحابه إلى العمرة فأسرعوا وتهيئوا للخروج . وقدم عليه بسر بن سفيان الكعبي في ليال بقيت من شوال سنة ست فقدم مسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرا له وهو على الرجوع إلى أهله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بسر لا تبرح حتى تخرج معنا فإنا إن شاء الله معتمرون . فأقام بسر وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسر بن سفيان يبتاع له بدنا ، فكان بسر يبتاع البدن ويبعث بها إلى ذي الجدر حتى حضر خروجه فأمر بها فجلبت إلى المدينة ، ثم أمر بها ناجية بن جندب الأسلمي أن يقدمها إلى ذي الحليفة ، واستعمل على هديه ناجية بن جندب .
غَزْوَةُ خَيْبَرَ


سَرِيّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى تُرَبَةَ

سرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى تربة

في شعبان سنة سبع
- ص 722 - حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز هوازن بتربة فخرج عمر رضي الله عنه ومعه دليل من بني هلال فكانوا يسيرون الليل ويكمنون النهار وأتى الخبر هوازن فهربوا ، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحدا . وانصرف راجعا إلى المدينة حتى سلك النجدية ، فلما كان بالجدر قال الهلالي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه هل لك في جمع آخر تركته من خثعم ، جاءوا سائرين قد أجدبت بلادهم ؟ فقال عمر لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إنما أمرني أصمد لقتال هوازن بتربة . فانصرف عمر راجعا إلى المدينة .
سَرِيّةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى نَجْدٍ

سرية أبي بكر رضي الله عنه إلى نجد

في شعبان سنة سبع
حدثني حمزة بن عبد الواحد عن عكرمة بن عمار ، عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وأمره علينا ، فبيتنا ناسا من هوازن ، فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات وكان شعارنا : أمت أمت
سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلَى فَدَكَ

سرية بشير بن سعد إلى فدك

في شعبان سنة سبع
- ص 723 - حدثني عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك . فخرج فلقي رعاء الشاء فسأل أين الناس ؟ فقالوا : هم في بواديهم . والناس يومئذ شاتون لا يحضرون الماء فاستاق النعم والشاء وعاد منحدرا إلى المدينة ، فخرج الصريخ فأخبرهم فأدركه الدهم منهم عند الليل فباتوا يرامونهم بالنبل حتى فنيت نبل أصحاب بشير وأصبحوا وحمل المريون عليهم فأصابوا أصحاب بشير وولى منهم من ولى . وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ضرب كعبه وقيل قد مات ورجعوا بنعمهم وشاءهم . وكان أول من قدم بخبر السرية ومصابها علبة بن زيد الحارثي . وأمهل بشير بن سعد وهو في القتلى ، فلما أمسى تحامل حتى انتهى [ إلى ] فدك ، فأقام عند يهودي بفدك أياما حتى ارتفع من الجراح ثم رجع إلى المدينة .
وهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال سر حتى تنتهي إلى مصاب أصحاب بشير فإن ظفرك الله بهم فلا تبق فيهم . وهيأ معه مائتي رجل وعقد له اللواء فقدم غالب بن عبد الله من سرية قد ظفر الله عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير بن العوام اجلس وبعث غالب بن عبد الله في مائتي رجل فخرج أسامة بن زيد في - ص 724 - السرية حتى انتهى إلى مصاب بشير وأصحابه وخرج معه علبة بن زيد .
سَرِيّةُ بَنِي عَبْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عَلَيْهَا غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ إلَى الْمَيْفَعَةِ

سرية بني عبد بن ثعلبة عليها غالب بن عبد الله إلى الميفعة

في رمضان سنة سبع
حدثني عبد الله بن جعفر ، عن ابن أبي عون عن يعقوب بن عتبة ، قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الكدر أقام أياما ما شاء الله أن يقيم فقال له يسار مولاه يا رسول الله إني قد علمت غرة من بني عبد بن ثعلبة فأرسل معي إليهم . فأرسل معه النبي صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله في مائة وثلاثين رجلا ، خرج بهم يسار فظعن بهم في غير الطريق حتى فنيت أزوادهم وجهدوا ، واقتسموا التمر عددا ، فبينا القوم ذات ليلة بعدما ساء ظنهم بيسار وظن القوم أن إسلامه لم يصح وقد انتهوا إلى مكان قد فحصه السيل فلما رآه يسار كبر قال والله قد ظفرتم بحاجتكم اسلكوا في هذا الفحص حتى ينقطع بكم . فسار القوم فيه ساعة بحس خفي لا يتكلمون إلا همسا حتى انتهوا إلى ضرس - ص 727 - من الحرة ، فقال يسار لأصحابه لو صاح رجل شديد الصوت لأسمع القوم فارتأوا رأيكم قال غالب انطلق بنا يا يسار أنا وأنت وندع القوم كمينا ، ففعلا ، فخرجنا حتى إذا كنا من القوم بمنظر العين سمعنا حس الناس والرعاء والحلب فرجعا سريعين فانتهيا إلى أصحابهما ، فأقبلوا جميعا حتى إذا كانوا من الحي قريبا ، وقد وعظهم أميرهم غالب ورغبهم في الجهاد ونهاهم عن الإمعان في الطلب وألف بينهم وقال إذا كبرت فكبروا . فكبر وكبروا جميعا معه ووقعوا وسط محالهم فاستاقوا نعما وشاء وقتلوا من أشرف لهم وصادفوهم تلك الليلة على ماء يقال له الميفعة . قال واستاقوا النعم فحدروه إلى المدينة ، ولم يسمع أنهم جاءوا بأسرى .
سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلَى الْجِنَابِ

سرية بشير بن سعد إلى الجناب

سنة سبع
حدثني يحيى بن عبد العزيز عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد ، قال قدم رجل من أشجع يقال له حسيل بن نويرة ، وقد كان دليل النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين يا حسيل ؟ قال قدمت من الجناب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءك ؟ قال تركت جمعا من غطفان بالجناب قد بعث إليهم عيينة يقول لهم إما تسيروا إلينا وإما نسير إليكم . فأرسلوا إليه أن سر إلينا حتى نزحف إلى محمد جميعا ، وهم يريدونك أو بعض أطرافك - ص 728 - قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ، فذكر لهما ذلك فقالا جميعا : ابعث بشير بن سعد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا فعقد له لواء وبعث معه ثلاثمائة رجل وأمرهم أن يسيروا الليل ويكمنوا النهار وخرج معهم حسيل بن نويرة دليلا ، فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا أسفل خيبر فنزلوا بسلاح ثم خرجوا من سلاح
حتى دنوا من القوم ، فقال لهم الدليل بينكم وبين القوم ثلثا نهار أو نصفه فإن أحببتم كمنتم وخرجت طليعة لكم حتى آتيكم بالخبر وإن أحببتم سرنا جميعا . قالوا : بل نقدمك . فقدموه فغاب عنهم ساعة ثم كر عليهم فقال هذا أوائل سرحهم فهل لكم أن تغيروا عليهم ؟ فاختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم إن أغرنا الآن حذرنا الرجال والعطن .
غَزْوَةُ الْقَضِيّةِ


سرية أميرها غالب بن عبد الله بالكديد

في صفر سنة ثمان
حدثنا الواقدي قال حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون عن يعقوب بن عتبة ، عن مسلم بن عبد الله الجهني ، عن جندب بن مكيث الجهني ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي
أحد بني كلب بن عوف في سرية كنت فيهم وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح بالكديد ، وهم من بني ليث . فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك بن البرصاء فأخذناه فقال - ص 751 - إنما جئت أريد الإسلام . فقلنا : لا يضرك رباط ليلة إن كنت تريد الإسلام وإن يكن غير ذلك نستوثق منك . فشددناه وثاقا ، وخلفنا عليه رجلا منا يقال له سويد بن صخر وقلنا : إن نازعك فاحتز رأسه .
ثم سرنا حتى أتينا
الكديد عند غروب الشمس فكمنا ناحية الوادي ، فبعثني أصحاب ربيئة لهم فخرجت فأتيت تلا مشرفا على الحاضر يطلعني عليهم حتى إذا أسندت فيه وعلوت على رأسه انبطحت ، فوالله إني لأنظر إذ خرج رجل منهم من خباء له فقال [ لامرأته ] : والله إني لأرى على هذا التل سوادا ما رأيته عليه صدر يومي هذا ، فانظري إلى أوعيتك لا تكون الكلاب أخذت منها شيئا . فنظرت فقالت والله ما أفقد من أوعيتي شيئا . فقال ناوليني قوسي ونبلي فناولته قوسه وسهمين معها ، فأرسل سهما ، فوالله ما أخطأ به جنبي ، فانتزعته فوضعته وثبت مكاني . ثم رماني الآخر فخالطني به أيضا ، فأخذته فوضعته وثبت مكاني . فقال لامرأته والله لو كان زائلة لتحرك بعد لقد خالطه سهماي لا أبا لك إذا أصبحت فاتبعيها ; لا تمضغهما الكلاب .
ثم دخل خباءه وراحت ماشية الحي من إبلهم وأغنامهم فحلبوا وعطنوا ، فلما اطمأنوا وهدءوا شننا عليهم الغارة فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية واستقنا النعم والشاء فخرجنا نحدرها قبل
المدينة حتى مررنا بأبي البرصاء - ص 752 - فاحتملناه واحتملنا صاحبنا . وخرج صريخ القوم في قومهم فجاءنا ما لا قبل لنا به ونظروا إلينا وبيننا وبينهم الوادي وهم موجهون إلينا ، فجاء الله الوادي من حيث شاء بماء ملأ جنبيه وايم الله ما رأينا قبل ذلك سحابا ولا مطرا ، فجاء بما لا يستطيع أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم وقوفا ينظرون إلينا وقد أسندنا في المشلل وفتناهم فهم لا يقدرون على طلبنا ، فما أنسى رجز أميرنا غالب
أبى أبو القاسم أن تعز بي

وذاك قول صادق لم يكذب
في خضل نباته مغلولب

صفر أعاليه كلون المذهب




ثم قدمنا
المدينة . فحدثني عبد العزيز بن عقبة عن محمد بن حمزة بن عمر الأسلمي عن أبيه قال كنت معهم وكنا بضعة عشر رجلا ، شعارنا : أمت أمت
سَرِيّةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ

سرية كعب بن عمير إلى ذات أطلاح

في شهر ربيع الأول سنة ثمان
قال الواقدي : حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري ، قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري في خمسة عشر رجلا حتى انتهوا إلى
ذات أطلاح من أرض الشام ، فوجدوا جمعا من جمعهم - ص 753 - كثيرا ، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم ورشقوهم بالنبل . فلما رأى ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قاتلوهم أشد القتال حتى قتلوا ، فأفلت منهم رجل جريح في القتلى ، فلما برد عليه الليل تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بالبعث إليهم فبلغه أنهم قد ساروا إلى موضع آخر فتركهم .
حدثني ابن أبي سبرة عن الحارث بن الفضيل قال كان كعب يكمن النهار ويسير الليل حتى دنا منهم فرآه عين لهم فأخبرهم بقلة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا على الخيول فقتلوهم .
سَرِيّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ إلَى السّيّ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ مِنْ نَاحِيَةِ رُكْبَةَ


غَزْوَةُ مُؤْتَةَ


غَزْوَةُ ذَاتِ السّلَاسِلِ

زوة ذات السلاسل

حدثني
ربيعة بن عثمان عن ابن رومان وحدثني أفلح بن سعد عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش عن أبي بكر بن حزم وحدثني - ص 770 - عبد الحميد بن جعفر فكل قد حدثني منه طائفة وبعضهم أوعى للحديث من بعض فجمعت ما حدثوني ، وغير هؤلاء المسمين قد حدثني أيضا ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بلي وقضاعة قد تجمعوا يريدون أن يدنوا إلى أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في سراة المهاجرين والأنصار - في ثلاثمائة - عامر بن ربيعة ، وصهيب بن سنان ، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وسعد بن أبي وقاص . ومن الأنصار : أسيد بن حضير وعباد بن بشر وسلمة بن سلامة ، وسعد بن عبادة . وأمره أن يستعين بمن مر به من العرب ، وهي بلاد بلي وعذرة وبلقين ، وذلك أن عمرو بن العاص كان ذا رحم بهم . كانت أم العاص بن وائل بلوية فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم بعمرو . فسار وكان يكمن النهار ويسير الليل وكانت معه ثلاثون فرسا ، فلما دنا من القوم بلغه أن لهم جمعا كثيرا ، فنزل قريبا منهم عشاء وهم شاتون فجمع أصحابه الحطب يريدون أن يصطلوا - وهي أرض باردة - فمنعهم فشق ذلك عليهم حتى كلمه في ذلك بعض المهاجرين فغالظه فقال عمرو : أمرت أن تسمع لي وتطيع قال فافعل وبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره أن لهم جمعا كثيرا ويستمده بالرجال فبعث أبا عبيدة بن الجراح وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين - أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - والأنصار ، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق عمرو بن العاص . فخرج أبو عبيدة في مائتين وأمره أن يكونا جميعا ولا يختلفا . فساروا حتى لحقوا - ص 771 - بعمرو بن العاص فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس ويتقدم عمرا ، فقال له عمرو : إنما قدمت علي مددا لي ، وليس لك أن تؤمني ، وأنا الأمير وإنما أرسلك النبي صلى الله عليه وسلم إلي مددا .
سَرِيّةُ الْخَبَطِ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ

سرية الخبط أميرها أبو عبيدة

قال الواقدي : حدثني داود بن قيس ، ومالك بن أنس ، وإبراهيم بن محمد الأنصاري من ولد ثابت بن قيس بن شماس ، وخارجة بن الحارث وبعضهم قد زاد في الحديث قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في سرية فيها
المهاجرون والأنصار ، وهم ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة ; فأصابهم جوع شديد فأمر أبو عبيدة بالزاد فجمع حتى إذا كانوا ليقتسمون التمرة فقيل لجابر فما يغني ثلث تمرة ؟ قال لقد وجدوا فقدها . قال ولم تكن معهم حمولة إنما كانوا على أقدامهم وأباعر يحملون عليها زادهم . فأكلوا الخبط وهو يومئذ ذو مشرة حتى إن شدق أحدهم بمنزلة مشفر البعير العضة ، فمكثنا على ذلك حتى قال - ص 775 - قائلهم لو لقينا عدوا ما كان بنا حركة إليه لما بالناس من الجهد . فقال قيس بن سعد : من يشتري مني تمرا بجزر يوفيني الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة ؟ فجعل عمر يقول واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدان في مال غيره فوجد رجلا من جهينة ، فقال قيس بن سعد : بعني جزرا وأوفيك سقة من تمر بالمدينة . قال الجهني والله ما أعرفك ، ومن أنت ؟ قال أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم . قال الجهني ما أعرفتني بنسبك أما إن بيني وبين سعد خلة سيد أهل يثرب . فابتاع منهم خمس جزر كل جزور بوسقين من تمر يشرط عليه البدوي ، تمر ذخيرة مصلبة من تمر آل دليم . قال يقول قيس : نعم . فقال الجهني فأشهد لي .
سَرِيّةُ خَضِرَةَ أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ

سرية خضرة أميرها أبو قتادة

في شعبان سنة ثمان
حدثنا الواقدي قال حدثني محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال قال عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي تزوجت ابنة سراقة بن حارثة النجاري وكان قتل ببدر فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلي من مكانها ، فأصدقتها مائتي درهم فلم أجد شيئا أسوقه إليها فقلت : - ص 778 - على الله وعلى رسوله المعول . فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال كم سقت إليها قلت : مائتي درهم . فقال لو كنتم تغترفونه من ناحية
بطحان ما زدتم . فقلت : يا رسول الله أعني في صداقها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكني قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا [ في سرية ] ، فهل لك أن تخرج فيها ؟ فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك . فقلت : نعم فخرجنا فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة وهو أميرنا ، وبعثنا إلى غطفان نحو نجد فقال سيروا الليل واكمنوا النهار وشنوا الغارة ولا تقتلوا النساء والصبيان . فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان ، فهجمنا على حاضر منهم عظيم . قال وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى الله عز وجل وألف بين كل رجلين وقال لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره ولا يأتني رجل فأسأل عن صاحبه فيقول لا علم لي به وإذا كبرت فكبروا ، وإذا حملت فاحملوا ، ولا تمعنوا في الطلب . فأحطنا بالحاضر فسمعت رجلا يصرخ يا خضرة فتفاءلت وقلت : لأصيبن خيرا ولأجمعن إلي امرأتي وقد أتيناهم ليلا . قال فجرد أبو قتادة سيفه وجردنا سيوفنا ، وكبر وكبرنا معه فشددنا على الحاضر فقاتل رجال وإذا برجل طويل قد جرد سيفه صلتا ، وهو يمشي القهقرى ويقول يا مسلم هلم إلى الجنة فاتبعته ثم قال إن صاحبكم لذو مكيدة وإن أمره هو الأمر . وهو يقول الجنة الجنة يتهكم بنا . فعرفت أنه مستقبل فخرجت في أثره وهو يقول صاحبي : لا تبعد فقد نهانا أميرنا أن نمعن في الطلب فأدركته فرميته على - ص 779 - جريداء متنه ثم قال ادن يا مسلم إلى الجنة فرميته حتى قتلته بنبلي ، ثم وقع ميتا فأخذت سيفه . وجعل زميلي ينادي : أين تذهب ؟ إني والله إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته . قال فلقيته قبل أبي قتادة فقلت : أسأل أميري عني ؟ فقال نعم وقد تغيظ علي وعليك .
شَأْنُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ
غزوة بني جذيمة



قال حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي جعفر قال لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة وبعثه داعيا لهم إلى الإسلام ولم يبعثه مقاتلا . فخرج والمسلمين من
المهاجرين والأنصار وبني سليم ; فكانوا ثلثمائة وخمسين رجلا ، فانتهى إليهم بأسفل مكة ، فقيل لبني جذيمة هذا خالد بن الوليد معه المسلمون . قالوا : ونحن قوم مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد وبنينا المساجد وأذنا فيها . فانتهى إليهم خالد فقال الإسلام قالوا : نحن مسلمون قال فما بال السلاح عليكم ؟ قالوا : إن بيننا وبين قوم من العرب عداوة فخفنا أن تكونوا هم فأخذنا السلاح لأن ندفع عن أنفسنا من خالف دين الإسلام . قال فضعوا السلاح فقال لهم رجل - ص 876 - منهم يقال له جحدم يا بني جذيمة إنه والله خالد وما يطلب محمد من أحد أكثر من أن يقر بالإسلام ونحن مقرون بالإسلام وهو خالد لا يريد بنا ما يراد بالمسلمين وإنه ما يقدر مع السلاح إلا الإسار ثم بعد الإسار السيف قالوا : نذكرك الله تسومنا . فأبى يلقي سيفه حتى كلموه جميعا فألقى سيفه وقالوا : إنا مسلمون والناس قد أسلموا ، وفتح محمد مكة ، فما نخاف من خالد ؟ فقال أما والله ليأخذنكم بما تعلمون من الأحقاد القديمة . فوضع القوم السلاح ثم قال لهم خالد . استأسروا فقال جحدم يا قوم ما يريد من قوم مسلمين يستأسرون إنما يريد ما يريد فقد خالفتموني وعصيتم أمري ، وهو والله السيف . فاستأسر القوم فأمر بعضهم يكتف بعضا ، فلما كتفوا دفع إلى كل رجل من المسلمين الرجل والرجلين وباتوا في وثاق فكانوا إذا جاء وقت الصلاة يكلمون المسلمين فيصلون ثم يربطون . فلما كان في السحر والمسلمون قد اختلفوا بينهم فقائل يقول ما نريد بأسرهم نذهب بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقائل يقول ننظر هل يسمعون أو يطيعون ونبلوهم ونخبرهم . والناس على هذين القولين فلما كان في السحر نادى خالد بن الوليد : من كان معه أسير فليذافه - والمذافة الإجهاز عليه بالسيف . فأما بنو سليم فقتلوا كل من كان في أيديهم . وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أساراهم .
قال فحدثني موسى بن عبيدة . عن إياس بن سلمة ، عن أبيه قال كنت مع خالد بن الوليد وكان في يدي أسير فأرسلته وقلت : اذهب حيث شئت وكان مع أناس من
الأنصار أسارى فأرسلوهم .
- ص 877 - قال وحدثني عبد الله بن نافع ، عن أبيه عن ابن عمر قال وأرسلت أسيري ، وما أحب أني قتلته وأن لي ما طلعت عليه شمس أو غربت وأرسل قومي معي من
الأنصار أسراهم .
قال حدثني معمر عن الزهري ، عن سالم عن ابن عمر قال لما نادى خالد " من كان معه أسير فليذافه " أرسلت أسيري . قال حدثني عبد الله بن يزيد ، عن ضمرة بن سعيد قال سمعت أبا بشير المازني يقول كان معي أسير منهم . قال فلما نادى خالد " من كان معه أسير فليذافه " أخرجت سيفي لأضرب عنقه فقال لي الأسير يا أخا
الأنصار ، إن هذا لا يفوتك ، انظر إلى قومك قال فنظرت فإذا الأنصار طرا قد أرسلوا أساراهم . قال قلت : انطلق حيث شئت فقال بارك الله عليكم ولكن من كان أقرب رحما منكم قد قتلونا بنو سليم .
قال فحدثني إسحاق بن عبد الله ، عن خارجة بن زيد بن ثابت قال لما نادى خالد بن الوليد في الأسرى يذافون وثبت
بنو سليم على أسراهم فذافوهم - وأما المهاجرون والأنصار فأرسلوا أسراهم - غضب خالد على من أرسل من الأنصار ، فكلمه يومئذ أبو أسيد الساعدي وقال اتق الله يا خالد والله ما كنا لنقتل قوما مسلمين قال وما يدريك ؟ قال نسمع إقرارهم بالإسلام وهذه المساجد بساحتهم .
قال حدثني عبد الله بن يزيد بن قسيط عن أبيه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد عن أبيه قال إنا في الجيش وقد كتفت
بنو جذيمة ، أمر بعضهم فكتف بعضا . فقال رجل من الأسرى : يا فتى - ص 878 - فقلت : ما تريد ؟ قال هل أنت آخذ برمتي هذه فمقدمي إلى النسيات ثم رادي ففاعل بي ما فعل بأصحابي ؟ قال قد سألت يسيرا . قال وأخذت برمته فانتهيت به إلى النسوة . فلما انتهى إليهن كلم امرأة منهن ببعض ما يريد . قال ثم رجعت به حتى رددته في الأسرى ، فقام بعضهم فضرب عنقه . ويقال إن فتى من بني جذيمة أدركه الجيش عشية فنادى في القوم فكف عنه وكان الذين يطلبونه بنو سليم ، وكانوا عليه متغيظين في حروب كانت بينهم ببرزة وغيرها ، وكانت بنو جذيمة قد أصابوهم ببرزة وهم موتورون يريدون القود منهم فشجعوا عليه فلما لم ير إلا أنهم يقتلونه شد عليهم فقتل منهم رجلا ، ثم شد عليهم ثانية فقتل منهم آخر ثم جاء الظلام فحال بينهم ووجد الفتى فرجة حتى إذا كان الغداة جاء وقد قتل من القوم رجلين والنساء والذرية في يد خالد فاستأمن فعرض فرسه فلما نظروا إليه قالوا : هذا الذي صنع بالأمس ما صنع فناوشوه عامة النهار ثم أعجزهم وكر عليهم فقال هل لكم أن أنزل على أن تعطوني عهدا وميثاقا لتصنعن لي ما تصنعون بالظعن إن استحييتموهن استحييت وإن قتلتموهن قتلت ؟ قالوا : لك ذلك . فنزل بعهد الله وميثاقه فلما نزل قالت بنو سليم : هذا صاحبنا الذي فعل بالأمس ما فعل . قالوا : انطلقوا به إلى الأسرى من الرجال فإن قتله خالد فهو إمام ونحن له تبع ، وإن عفا عنه كان كأحدهم . فقال بعضهم إنما جعلنا له العهد والميثاق أن يكون مع الظعن وأنتم تعلمون - ص 879 - أن خالدا لا يقتل الظعن إما يقسمهن وإما يعفو عنهن . قال الفتى : فإذا فعلتم بي ما فعلتم فانطلقوا بي إلى نسيات هناك ثم اصنعوا بي ما بدا لكم . قال ففعلوا ، وهو مكتوف برمة حتى وقف على امرأة منهن فأخلد إلى الأرض وقال أسلمي حبيش على نفد العيش لا ذنب لي قد قلت شعرا :
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى

وينأى الأمير بالحبيب المفارق
ألم يك حقا أن ينول عاشق

تكلف إدلاج السرى والودائق
ألم أك قد طالبتكم فلقيتكم

بحلية أو أدركتكم بالخوانق
فإني لا ضيعت سر أمانة

ولا راق عيني بعدك اليوم رائق
سوى أن ما نال العشيرة شاغل

لنا عنك إلا أن يكون التواثق




أنشدنيها ابن قسيط وابن أبي الزناد

 
غَزْوَةُ حُنَيْنٍ


شَأْنُ غَزْوَةِ الطّائِفِ


شَأْنُ مَسِيرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ

شأن مسير النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجعرانة

على عشرة أميال من
مكة قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف فأخذ على دحنا ثم على قرن المنازل ثم على نخلة حتى خرج إلى الجعرانة ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وأبو رهم الغفاري إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له وفي رجليه نعلان له غليظتان إذ زحمت ناقته ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقع حرف نعله على ساقه فأوجعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجعتني ، أخر رجلك وقرع رجله بالسوط . قال فأخذني من أمري ما تقدم وما تأخر وخشيت أن ينزل في القرآن لعظيم ما صنعت ; فلما أصبحنا بالجعرانة خرجت أرعى الظهر وما هو يومي ، فرقا أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبني ، فلما روحت الركاب سألت فقالوا طلبك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجئته وأنا أترقب فقال إنك أوجعتني برجلك فقرعتك بالسوط فخذ هذه الغنم عوضا من ضربتي . قال أبو رهم فرضاه عني كان أحب إلي من الدنيا وما فيها .
وكان عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي يقول كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو يحادثني . فجعلت ناقتي تلصق بناقته وكانت ناقتي ناقة شهمة فجعلت أريد أن أنحيها فلا تطاوعني ، فلصقت بناقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصيبت رجله فقال أخ أوجعتني فرفع رجله - ص 940 - من الغرز كأنها جمارة ودفع رجلي بمحجن في يده . فمكث ساعة لا يتحدث فوالله ما نزلت حتى ظننت أن سينزل في عذاب . قال فلما نزلنا قلت لأصحابي : إني أرعى لكم ولم يكن ذلك يوم رعيتي ، فلما أرحت الظهر عليهم قلت : هل جاء
أحد يبغيني ؟ فقالوا : رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يبغيك . فقلت في نفسي : هي والله هي قلت : من جاء ؟ قالوا : رجل من الأنصار . قال فكان أكره إلي وذلك أن الأنصار كانت فيهم علينا غلظة . قال ثم جاء بعد رجل من قريش يبتغيني . قال فخرجت خائفا حتى واجهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يبتسم في وجهي وقال أوجعتك بمحجني البارحة . ثم قال خذ هذه القطعة من الغنم . قال فأخذتها فوجدتها ثمانين شاة ضائنة .
وكان أبو زرعة الجهني يقول لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يركب من
قرن راحلته القصواء وطئت له على يديها ، والزمام في يدي مطوي ، فركب على الرحل وناولته الزمام ودرت من خلفه فخلف الناقة بالسوط كل ذلك يصيبني ، فالتفت إلي فقال أصابك السوط ؟ قلت : نعم بأبي وأمي قال فلما نزل الجعرانة إذا ربضة من الغنم ناحية من الغنائم فسأل عنها صاحب الغنم فخبره عنها بشيء لا أحفظه ثم صاح أين أبو زرعة ؟ قال قلت : ها أنا ذا قال خذ هذه الغنم بالذي أصابك من السوط أمس . قال فعددتها فوجدتها عشرين ومائة رأس . قال فتأثلت بها مالا . - ص 941 -
ذِكْرُ وَفْدِ هَوَازِنَ


ذكر وفد هوازن

قالوا : فقدم وفد
هوازن . وكان في الوفد عم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة قال يومئذ يا رسول الله إنما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عماتك وخالاتك وحواضنك ، وقد حضناك في حجورنا ، - ص 950 - وأرضعناك بثدينا ، ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ثم رأيتك شابا فما رأيت شابا خيرا منك ، وقد تكاملت فيك خلال الخير ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك ، فامنن علينا من الله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون وقد قسم السبي وجرت فيهم السهمان . وقدم عليه أربعة عشر رجلا من هوازن مسلمين وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم فكان رأس القوم والمتكلم أبو صرد زهير بن صرد ، فقال يا رسول الله إنا أهلك وعشيرتك ، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك . يا رسول الله إنما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر وللنعمان بن المنذر ثم نزلا منا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفهما وعائدتهما ، وأنت خير المكفولين . ويقال إنه قال يومئذ - أبو صرد إنما في هذه الحظائر أخواتك وعماتك وبنات عماتك وخالاتك وبنات خالاتك ، وأبعدهن قريب منك . يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، إنهن حضنك في حجورهن وأرضعنك بثديهن وتوركنك على أوراكهن وأنت خير المكفولين وقال - ص 951 -
أمنن علينا رسول الله في كرم

فإنك المرء نرجوه وندخر
أمنن على نسوة قد عاقها قدر

ممزق شملها في دهرها غير
أمنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك مملوءة من محضها الدرر
اللآئي إذ كنت طفلا كنت ترضعها

وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
ألا تداركها نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حتى حين يختبر
لا تجعلنا كمن شالت نعامته

واستبق منا فإنا معشر زهر
إنا لنشكر آلاء وإن قدمت

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر




فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحسن الحديث أصدقه وعندي من ترون من المسلمين فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ؟ قالوا : يا رسول الله خيرتنا بين أحسابنا وبين أموالنا ، وما كنا نعدل بالأحساب شيئا ، فرد علينا أبناءنا ونساءنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما ما لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسأل لكم الناس وإذا صليت الظهر بالناس فقولوا : إنا لنستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله فإني سأقول لكم ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وسأطلب لكم إلى الناس . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالناس قاموا فتكلموا بالذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم . فقال
المهاجرون : فما كان لنا فهو لرسول الله قالت الأنصار : ما كان لنا فهو لرسول الله قال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن - ص 952 - أما أنا وفزارة فلا وقال عباس بن مرداس السلمي : أما أنا وبنو سليم فلا قالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله فقال العباس وهنتموني ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فقال إن كل هؤلاء القوم جاءوا مسلمين . وقد كنت استأنيت بهم فخيرتهم بين النساء والأبناء والأموال . فلم يعدلوا بالنساء والأبناء فمن كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فليرسل - ومن أبى منكم وتمسك بحقه فليرد عليهم . وليكن فرضا علينا ست فرائض من أول ما يفيء الله به علينا قالوا : يا رسول الله رضينا وسلمنا قال فمروا عرفاءكم أن يدفعوا ذلك إلينا حتى نعلم . فكان زيد بن ثابت يطوف على الأنصار يسألهم هل سلموا ورضوا ؟ فخبروه أنهم سلموا ورضوا . ولم يتخلف رجل واحد وبعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى المهاجرين يسألهم عن ذلك فلم يتخلف منهم رجل واحد . وكان أبو رهم الغفاري يطوف على قبائل العرب . ثم جمعوا العرفاء واجتمع الأمناء الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتفقوا على قول واحد تسليمهم ورضاهم ودفع ما كان في أيديهم من السبي . فكانت المرأة التي عند عبد الرحمن بن عوف قد خيرت تقيم أو ترجع إلى قومها ، فاختارت قومها فردت إليهم . والتي عند علي وعثمان وطلحة وصفوان بن أمية وابن عمر رجعن إلى قومهن . وأما التي عند سعد بن أبي وقاص فاختارت سعدا ولها منه ولد .
قُدُومُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ

قدوم عروة بن مسعود

قالوا : كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم
أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل الدبابات والمنجنيق والعرادات وأعد ذلك حتى قذف الله عز وجل في قلبه الإسلام فقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم قال يا رسول الله ايذن لي فآتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام فوالله ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب . فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به وقد سبقت يا رسول الله في مواطن كثيرة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم إذا قاتلوك قال يا رسول الله لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم . ثم استأذنه الثانية فأعاد عليه الكلام الأول وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم إذا قاتلوك قال يا رسول الله لو وجدوني نائما ما أيقظوني . واستأذنه الثالثة فقال إن شئت فاخرج فخرج إلى
الطائف فسار إليها خمسا ، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله فأنكر قومه دخوله منزله قبل أن يأتي الربة ثم قالوا : السفر قد حصره فجاءوا - ص 961 - منزله فحيوه تحية الشرك فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك فقال عليكم تحية أهل الجنة .
ثم دعاهم إلى الإسلام وقال يا قوم أتتهمونني ؟ ألستم تعلمون أني أوسطكم نسبا ، وأكثركم مالا ، وأعزكم نفرا ؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب فاقبلوا نصحي ، ولا تستعصوني . فوالله ما قدم وافد على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم فاتهموه واستغشوه وقالوا : قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة . ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه وحلم عليهم فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به حتى إذ طلع الفجر أوفى على غرفة له فأذن بالصلاة فرماه رجل من رهطه من
الأحلاف يقال له وهب بن جابر - ويقال رماه أوس بن عوف من بني مالك ، وهذا أثبت عندنا - وكان عروة رجلا من الأحلاف ، فأصاب أكحله فلم يرقأ دمه وحشد قومه في السلاح . وجمع الآخرون وتجايشوا ، فلما رأى عروة ما يصنعون قال لا تقتتلوا في فإني قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك بينكم فهي كرامة الله أكرمني الله بها الشهادة ساقها الله إلي أشهد أن محمدا رسول الله خبرني عنكم هذ أنكم تقتلونني ثم قال لرهطه ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم .
قال فدفنوه معهم . وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله فقال مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله عز وجل فقتلوه
ويقال إن عروة لم يقدم
المدينة ، وإنما لحق رسول الله صلى الله - ص 962 - عليه وسلم بين مكة والمدينة فأسلم ثم انصرف والقول الأول أثبت عندنا . فلما قتل عروة قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود ، وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف : لا نجامعكم على شيء أبدا ، وقد قتلتم عروة . ثم لحقا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم توليا من شئتما . قالا : نتولى الله ورسوله . قال النبي صلى الله عليه وسلم وخالكما أبو سفيان بن حرب حالفاه . ففعلا ، ونزلا على المغيرة بن شعبة ، وأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع



  بَعْثَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُصَدّقِينَ

بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم المصدقين

قال حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم عن الزهري ، وعبد الله بن يزيد ، عن سعيد بن عمرو ، قالا : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الجعرانة قدم المدينة يوم الجمعة لثلاث ليال بقين من ذي القعدة فأقام بقية ذي القعدة وذي الحجة فلما رأى هلال المحرم بعث المصدقين فبعث بريدة بن الحصيب إلى أسلم وغفار بصدقتهم ويقال كعب بن مالك ; وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى سليم ومزينة ; وبعث رافع بن مكيث في جهينة ; وبعث عمرو بن العاص إلى فزارة وبعث الضحاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب وبعث بسر بن سفيان الكعبي إلى بني كعب وبعث ابن اللتبية الأزدي إلى بني ذبيان وبعث رجلا من بني سعد بن هذيم على صدقاتهم . فخرج بسر بن سفيان على صدقات بني كعب . ويقال إنما سعى عليهم نعيم بن عبد الله - ص 974 - النحام العدوي ، فجاء وقد حل بنواحيهم بنو جهيم من بني تميم وبنو عمرو بن جندب بن العتير بن عمرو بن تميم فهم يشربون معهم على غدير لهم بذات الأشطاط ويقال وجدهم على عسفان . ثم أمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منها الصدقة . قال فحشرت خزاعة الصدقة من كل ناحية . فاستنكرت ذلك بنو تميم وقالوا : ما هذا ؟ تؤخذ أموالكم منكم بالباطل وتجيشوا ، وتقلدوا القسي وشهروا السيوف فقال الخزاعيون نحن قوم ندين بدين الإسلام وهذا من ديننا . قال التميميون والله لا يصل إلى بعير منها أبدا فلما رآهم المصدق هرب منهم وانطلق موليا وهو يخافهم والإسلام يومئذ لم يعم العرب ، قد بقيت بقايا من العرب وهم يخافون السيف لما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وحنين 

 
بَعْثَةُ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ

بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق

قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى صدقات بني المصطلق وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد بساحاتهم . فلما خرج إليهم الوليد وسمعوا به قد دنا منهم خرج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزر والنعم فرحا به ولم يروا أحدا يصدق بعيرا قط ولا شاة فلما رآهم ولى راجعا إلى
المدينة ولم يقربهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما دنا منهم لقوه . معهم السلاح يحولون بينه وبين الصدقة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم من يغزوهم . وبلغ ذلك القوم فقدم عليه الركب الذين لقوا الوليد فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم الخبر وقالوا : يا رسول الله سله هل ناطقنا أو كلمنا ؟ ونزلت هذه الآية ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه ونعتذر فأخذه البرحاء فسري عنه ونزل عليه - ص 981 - يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية . فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن وأخبرنا بعذرنا وما نزل في صاحبنا ، ثم قال من تحبون أبعث إليكم ؟ قالوا : تبعث علينا عباد بن بشر . فقال يا عباد سر معهم فخذ صدقات أموالهم وتوق كرائم أموالهم . قال فخرجنا مع عباد يقرئنا القرآن ويعلمنا شرائع الإسلام حتى أنزلناه في وسط بيوتنا ، فلم يضيع حقا ولم يعد بنا الحق . وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عندنا عشرا ، ثم انصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راضيا

 
بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى خَثْعَمَ

باب شأن سرية قطبة بن عامر إلى خثعم

في صفر سنة تسع
حدثنا ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله ، قال حدثنا ابن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث قطبة بن عامر بن حديدة في عشرين رجلا إلى حي خثعم بناحية
تبالة ، وأمره أن يشن الغارة عليهم وأن يسير الليل ويكمن النهار وأن يغذ السير فخرجوا في عشرة أبعرة يعتقبون عليها ، قد غيبوا السلاح فأخذوا على الفتق حتى انتهوا إلى بطن مسحاء فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم فجعل يصيح بالحاضر . وخبر هذه السرية داخل في سرية شجاع بن وهب .
- ص 982 -

 
سَرِيّةُ بَنِي كِلَابٍ أَمِيرُهَا الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ


سرية بني كلاب أميرها الضحاك بن سفيان الكلابي

قال حدثني رشيد أبو موهوب الكلابي ، عن حيان بن أبي سلمى ، وعنبسة بن سلمى ، وحصين بن عبد الله قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا إلى القرطاء فيهم الضحاك بن سفيان بن عوف بن أبي
بكر الكلابي ، والأصيد بن سلمة بن قرط بن عبد ، حتى لقوهم بالزج زج لاوة فدعوهم إلى الإسلام فأبوا ، فقاتلوهم فهزموهم فلحق الأصيد أباه سلمة بن قرط وسلمة على فرس له على غدير زج فدعا أباه إلى الإسلام وأعطاه الأمان فسبه وسب دينه فضرب الأصيد عرقوبي فرسه فلما وقع على عرقوبيه ارتكز سلمة على رمحه في الماء ثم استمسك به حتى جاءه أحدهم فقتله ولم يقتله ابنه . وهذه السرية في شهر ربيع الأول سنة تسع . قال حدثني رشيد أبو موهوب عن جابر بن أبي سلمى ، وعنبسة بن أبي سلمى قالا : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حارثة بن عمرو بن قريط يدعوهم إلى الإسلام فأخذوا صحيفته فغسلوها ورقعوا بها است دلوهم وأبوا أن يجيبوا . فقالت أم حبيب بنت عامر بن خالد بن عمرو بن قريط . بن عبد بن أبي بكرة وخاصمتهم في بيت لها فقالت - ص 983 -
أيا ابن سعيد لا تكونن ضحكة

وإياك واستمرر لهم بمرير
أيا ابن سعيد إنما القوم معشر

عصوا منذ قام الدين كل أمير
إذا ما أتتهم آية من محمد

محوها بماء البئر فهي عصير




قالوا : فلما فعلوا بالكتاب ما فعلوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لهم ؟ أذهب الله بعقولهم ؟ فهم أهل رعدة . وعجلة وكلام مختلط وأهل سفه وكان الذي جاءهم بالكتاب رجل من
عرينة يقال له عبد الله بن عوسجة . لمستهل شهر ربيع الأول سنة تسع . قال الواقدي : رأيت بعضهم عييا لا يبين الكلام

 
شَأْنُ سَرِيّةٍ أَمِيرُهَا عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ

شأن سرية أميرها علقمة بن مجزز المدلجي

في ربيع الآخر سنة تسع
قال حدثني موسى بن محمد عن أبيه . وإسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن عن أبيه زاد أحدهما على صاحبه قالا :
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراياهم أهل الشعيبة - ساحل بناحية مكة - في مراكب فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فبعث علقمة بن مجزز المدلجي في ثلاثمائة رجل حتى انتهى إلى جزيرة في البحر فخاض إليهم فهربوا منه ثم انصرف . فلما كان ببعض المنازل استأذنه بعض الجيش في الانصراف حيث لم يلقوا كيدا ، فأذن لهم وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي - وكانت فيه دعابة - فنزلنا ببعض الطريق وأوقد القوم نارا يصطلون عليها ويصطنعون الطعام فقال عزمت عليكم ألا تواثبتم في هذه النار فقام بعض القوم فتحاجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال اجلسوا . إنما كنت أضحك معكم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم بمعصية فلا تطيعوه - ص 984 -

 
سَرِيّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْفَلْسِ

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الفلس

في ربيع الآخر سنة تسع
قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز قال سمعت عبد الله بن أبي بكر بن حزم يقول لموسى بن عمران بن مناح وهما جالسان بالبقيع تعرف سرية الفلس ؟ قال موسى : ما سمعت بهذه السرية . قال فضحك ابن حزم ثم قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام في خمسين ومائة رجل على مائة بعير وخمسين فرسا ; وليس في السرية إلا أنصاري ، فيها وجوه
الأوس والخزرج ، فاجتنبوا الخيل واعتقبوا على الإبل حتى أغاروا على أحياء من العرب . وسأل عن محلة آل حاتم ثم نزل عليها ، فشنوا الغارة مع الفجر . فسبوا حتى ملئوا أيديهم من السبي والنعم والشاء وهدموا الفلس وخربوه . وكان صنما لطيئ ثم انصرف راجعا إلى المدينة . قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فذكرت هذه السرية لمحمد بن عمر بن علي فقال ما أرى ابن حزم زاد على أن ينقل من هذه السرية ولم يأتك بها . قلت : فأت بها أنت فقال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الفلس ليهدمه في مائة وخمسين من الأنصار ، ليس فيها مهاجر واحد ومعهم خمسون فرسا وظهرا ، فامتطوا الإبل وجنبوا الخيل وأمره أن يشن الغارات فخرج بأصحابه معه راية سوداء ولواء أبيض معهم القنا والسلاح - ص 985 - الظاهر وقد دفع رايته إلى سهل بن حنيف ، ولواءه إلى جبار بن صخر السلمي وخرج بدليل من بني أسد يقال له حريث ، فسلك بهم على طريق فيد ، فلما انتهى بهم إلى موضع قال بينكم وبين الحي الذي تريدون يوم تام ، وإن سرناه بالنهار وطئنا أطرافهم ورعاءهم . فأنذروا الحي فتفرقوا ، فلم تصيبوا منهم حاجتكم ولكن نقيم يومنا هذا في موضعنا حتى نمسي ثم نسري ليلتنا على متون الخيل فنجعلها غارة حتى نصبحهم في عماية الصبح . قالوا : هذا الرأي فعسكروا وسرحوا الإبل . واصطنعوا ، وبعثوا نفرا منهم يتقصون ما حولهم . فبعثوا أبا قتادة . والحباب بن المنذر ، وأبا نائلة فخرجوا على متون خيل لهم يطوفون حول المعسكر فأصابوا غلاما أسود فقالوا : ما أنت ؟ قال أطلب بغيتي . فأتوا به عليا عليه السلام فقال ما أنت ؟ قال باغ . قال فشدوا عليه فقال أنا غلام لرجل من طيئ من بني نبهان أمروني بهذا الموضع وقالوا : إن رأيت خيل محمد فطر إلينا فأخبرنا . وأنا لا أدرك أسرا . فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم . ثم قلت لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بين من عددكم وعدد خيلكم وركابكم ولا أخشى ما أصابني ، فلكأني كنت مقيدا حتى أخذتني طلائعكم . قال علي عليه السلام اصدقنا ما وراءك قال أوائل الحي على مسيرة ليلة طرادة تصبحهم الخيل ومغارها حين غدوا . قال علي عليه السلام لأصحابه ما ترون ؟ قال جبار بن صخر : نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نصبح - ص 986 - القوم وهم غارون فنغير عليهم ونخرج بالعبد الأسود ليلا ، ونخلف حريثا مع العسكر حتى يلحقوا إن شاء الله . قال علي : هذا الرأي فخرجوا بالعبد الأسود والخيل تعادا ، وهو ردف بعضهم عقبة ثم ينزل فيردف آخر عقبة وهو مكتوف فلما انهار الليل كذب العبد وقال قد أخطأت الطريق وتركتها ورائي . قال علي عليه السلام فارجع إلى حيث أخطأت فرجع ميلا أو أكثر . ثم قال أنا على خطأ . فقال علي عليه السلام إنا منك على خدعة ما تريد إلا أن تثنينا عن الحي قدموه لتصدقنا أو لنضربن عنقك قال فقدم وسل السيف على رأسه فلما رأى الشر قال أرأيت إن صدقتكم أينفعني ؟ قالوا : نعم . قال فإني صنعت ما رأيتم إنه أدركني ما يدرك الناس من الحياء فقلت : أقبلت بالقوم أدلهم على الحي من غير محنة ولا حق فآمنهم فلما رأيت منكم ما رأيت وخفت أن تقتلوني كان لي عذر فأنا أحملكم على الطريق . قالوا : اصدقنا . قال الحي منكم قريب . فخرج معهم حتى انتهى إلى أدنى الحي فسمعوا نباح الكلاب وحركة النعم في المراح والشاء فقال هذه الأصرام وهي [ على ] فرسخ . فينظر بعضهم إلى بعض فقالوا : فأين آل حاتم ؟ قال هم متوسطو الأصرام . قال القوم بعضهم لبعض إن أفزعنا الحي تصايحوا وأفزعوا بعضهم بعضا فتغيب عنا أحزابهم في سواد الليل ولكن نمهل القوم حتى يطلع الفجر معترضا فقد قرب طلوعه فنغير فإن أنذر بعضهم بعضا لم يخف علينا أين يأخذون وليس عند القوم خيل يهربون عليها ونحن - ص 987 - على متون الخيل . قالوا : الرأي ما أشرت به . قال فلما اعترضوا الفجر أغاروا عليها فقتلوا من قتلوا وأسروا من أسروا ، واستاقوا الذرية والنساء وجمعوا النعم والشاء ولم يخف عليهم أحد تغيب فملئوا أيديهم . قال تقول جارية من الحي ترى العبد الأسود - وكان اسمه أسلم - وهو موثق ماله هبل هذا عمل رسولكم أسلم ، لا سلم وهو جلبهم عليكم ودلهم على عورتكم قال يقول الأسود أقصري يا ابنة الأكارم ما دللتهم حتى قدمت ليضرب عنقي قال فعسكر القوم وعزلوا الأسرى وهم ناحية نفير وعزلوا الذرية وأصابوا من آل حاتم أخت عدي ونسيات معها ، فعزلوهن على حدة فقال أسلم لعلي عليه السلام ما تنتظر بإطلاقي ؟ فقال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . قال أنا على دين قومي هؤلاء الأسرى ، ما صنعوا صنعت قال ألا تراهم موثقين فنجعلك معهم في رباطك ؟ قال نعم أنا مع هؤلاء موثقا أحب إلي من أن أكون مع غيرهم مطلقا ، يصيبني ما أصابهم فضحك أهل السرية منه فأوثق وطرح مع الأسرى ، وقال أنا معهم حتى ترون منهم ما أنتم راءون . فقائل يقول له من الأسرى : لا مرحبا بك ، أنت جئتنا بهم وقائل يقول : مرحبا بك وأهلا ، ما كان عليك أكثر مما صنعت لو أصابنا الذي أصابك لفعلنا الذي فعلت وأشد منه ثم آسيت بنفسك وجاء العسكر واجتمعوا ، فقربوا الأسرى فعرضوا عليهم الإسلام فمن أسلم ترك ومن أبى ضربت عنقه حتى أتوا على الأسود فعرضوا عليه الإسلام فقال والله إن الجزع من السيف للؤم وما من خلود قال يقول رجل من الحي ممن أسلم : يا عجبا - ص 988 - منك ، ألا كان هذا حيث أخذت فلما قتل من قتل وسبي من سبي منا ، وأسلم منا من أسلم راغبا في الإسلام تقول ما تقول ويحك ، أسلم واتبع دين محمد قال فإني أسلم وأتبع دين محمد . فأسلم وترك وكان يعد فلا يفي حتى كانت الردة - فشهد مع خالد بن الوليد اليمامة فأبلي بلاء حسنا .
غَزْوَةُ تَبُوكَ


حُجّةُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَنَةَ تِسْعٍ

حجة أبي بكر رضي الله عنه سنة تسع

قال حدثني معمر ومحمد بن عبد الله وابن أبي حبيبة وابن أبي - ص 1077 - سبرة وأسامة بن زيد . وحارثة بن أبي عمران وعبد الحميد بن جعفر وكل واحد قد حدثني بطائفة من هذا الحديث وغيرهم قالوا : كان قبل أن تنزل " براءة " قد عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المشركين عهدا ; فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا
بكر على الحج فخرج أبو بكر رضي الله عنه في ثلاثمائة من المدينة ، وبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم النعال وأشعرها بيده في الجانب الأيمن واستعمل عليها ناجية بن جندب الأسلمي وساق أبو بكر رضي الله عنه خمس بدنات . وحج عبد الرحمن بن عوف فأهدى بدنا ، وقوم أهل قوة وأهل أبو بكر رضي الله عنه من ذي الحليفة وسار حتى إذا كان بالعرج في السحر سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء فقال هذه القصواء فنظر فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام عليها ، فقال استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج ؟ قال لا ، ولكن بعثني أقرأ " براءة " على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى أبي بكر أن يخالف المشركين فيقف يوم عرفة بعرفة ولا يقف بجمع ولا يدفع من عرفة حتى تغرب الشمس ويدفع من جمع قبل طلوع الشمس . فخرج أبو بكر حتى قدم مكة وهو مفرد بالحج فخطب الناس قبل التروية بيوم بعد الظهر فلما كان يوم التروية حين زاغت الشمس طاف بالبيت سبعا ، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة ، وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى . ثم لم يركب حتى طلعت الشمس على ثبير ، فانتهى إلى نمرة ، فنزل في قبة من شعر فقال فيها ، فلما زاغت الشمس ركب راحلته فخطب ببطن عرنة ، ثم أناخ فصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين - ص 1078 - ثم ركب راحلته فوقف بالهضاب - الهضاب عرفة ، والمصلى من عرفة - فلما أفطر الصائم دفع فكان يسير العنق حتى انتهى إلى جمع ، فنزل قريبا من النار التي على قزح . فلما طلع الفجر صلى الفجر ثم وقف فلما أسفر دفع وجعل يقول في وقوفه يا أيها الناس أسفروا يا أيها الناس أسفروا ثم دفع قبل الشمس فكان يسير العنق حتى انتهى إلى محسر فأوضع راحلته فلما جاز وادي محسر عاد إلى مسيره الأول حتى رمى الجمرة راكبا ; سبع حصيات ثم رجع إلى المنحر فنحر ثم حلق . وقرأ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه يوم النحر عند الجمرة " براءة " ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده . قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . وكان أبو هريرة يقول حضرت ذلك اليوم - فكان يقول هو يوم الحج الأكبر - فخطب أبو بكر رضي الله عنه يوم النحر بعد الظهر على راحلته . فكان أبو بكر قد خطب في حجته ثلاثة أيام لم يزد عليها ; قبل التروية بيوم بمكة بعد الظهر وبعرفة قبل الظهر وبمنى يوم النحر بعد الظهر . وأقام أبو بكر رضي الله عنه يرمي الجمار ماشيا ، ذاهبا وجائيا ، فلما كان يوم الصدر - قالوا : رمى ماشيا - فلما جاوز العقبة ركب . ويقال رمى يومئذ راكبا ، فلما انتهى إلى الأبطح صلى به الظهر ودخل مكة فصلى بها المغرب والعشاء ثم خرج من ليلته قافلا إلى المدينة 

 
سَرِيّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْيَمَنِ

سرية علي بن أبي طالب عليه السلام إلى اليمن

- ص 1079 - قالوا : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام في رمضان سنة عشر فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعسكر بقباء فعسكر بها حتى تتام أصحابه فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ لواء أخذ عمامة فلفها مثنية مربعة فجعلها في رأس الرمح ثم دفعها إليه وقال هكذا اللواء وعممه عمامة ثلاثة أكوار وجعل ذراعا بين يديه وشبرا من ورائه ثم قال هكذا العمة
قال فحدثني أسامة بن زيد عن أبيه عن عطاء بن يسار ، عن أبي رافع قال لما وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال امض ولا تلتفت فقال علي عليه السلام يا رسول الله كيف أصنع ؟ قال إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك ، فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلا ، فإن قتلوا منكم قتيلا فلا تقاتلهم تلومهم ترهم أناة ثم تقول لهم هل لكم إلى أن تقولوا لا إله إلا الله ؟ فإن قال نعم فقل هل لكم أن تصلوا ؟ فإن قالوا نعم فقل هل لكم أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم ؟ فإن قالوا نعم فلا تبغ منهم غير ذلك . والله لأن يهدي الله على يدك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت
قال فخرج في ثلاثمائة
فارس ، فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد - وهي أرض مذحج - فرق - ص 1080 - أصحابه فأتوا بنهب وغنائم وسبي ونساء وأطفال ونعم وشاء وغير ذلك . فجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقاهم جمع ، ثم لقي جمعا فدعاهم إلى الإسلام وحرض بهم فأبوا ورموا في أصحابه . ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي فتقدم به فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز فبرز إليه الأسود بن الخزاعي السلمي فتجاولا ساعة وهما فارسان فقتله الأسود وأخذ سلبه . ثم حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا ، فتفرقوا وانهزموا وتركوا لواءهم قائما ، فكف عن طلبهم ودعاهم إلى الإسلام فسارعوا وأجابوا ، وتقدم نفر من رؤسائهم فبايعوه على الإسلام وقالوا : نحن على من وراءنا من قومنا ، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله
قال فحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه قال
وجمع علي عليه السلام ما أصاب من تلك الغنائم فجزأها خمسة أجزاء فأقرع عليها ، فكتب في سهم منها " لله " ، فخرج أول السهام سهم الخمس ولم ينفل أحدا من الناس شيئا . فكان من قبله يعطون أصحابهم - الحاضر دون غيرهم - من الخمس . ثم يخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرده عليهم فطلبوا ذلك من علي عليه السلام فأبى وقال الخمس أحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى فيه رأيه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافي الموسم ونلقاه ويصنع فيها ما أراه الله . فانصرف راجعا ، وحمل الخمس وساق معه ما كان ساق فلما كان بالفتق تعجل . وخلف على أصحابه والخمس أبا رافع فكان في الخمس ثياب - ص 1081 - من ثياب اليمن ، أحمال معكومة ونعم تساق مما غنموا ، ونعم من صدقة أموالهم .
قال أبو سعيد الخدري - وكان معه في تلك الغزوة - قال وكان علي عليه السلام ينهانا أن نركب على إبل الصدقة فسأل أصحاب علي عليه السلام أبا رافع أن يكسوهم ثيابا فكساهم ثوبين ثوبين . فلما كانوا بالسدرة داخلين
مكة ، خرج علي عليه السلام يتلقاهم ليقدم بهم فينزلهم فرأى على أصحابنا ثوبين ثوبين على كل رجل فعرف الثياب فقال لأبي رافع ما هذا ؟ قال كلموني ففرقت من شكايتهم وظننت أن هذا يسهل عليك ، وقد كان من كان قبلك يفعل هذا بهم . فقال رأيت إبائي عليهم ذلك وقد أعطيتهم وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفت ، فتعطيهم قال فأبى علي عليه السلام أن يفعل ذلك حتى جرد بعضهم من ثوبيه فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا ، فدعا عليا فقال ما لأصحابك يشكونك ؟ فقال ما أشكيتهم ؟ قسمت عليهم ما غنموا ، وحبست الخمس حتى يقدم عليك وترى رأيك فيه وقد كانت الأمراء يفعلون أمورا ، ينفلون من أرادوا من الخمس فرأيت أن أحمله إليك لترى فيه رأيك . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم قال فحدثني سالم مولى ثابت عن سالم مولى أبي جعفر قال لما ظهر علي عليه السلام على عدوه ودخلوا في الإسلام جمع ما غنم واستعمل عليه بريدة بن الحصيب وأقام بين أظهرهم فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ص 1082 - كتابا مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره أنه لقي جمعا من زبيد وغيرهم وأنه دعاهم إلى الإسلام وأعلمهم أنهم إن أسلموا كف عنهم فأبوا ذلك وقاتلهم . قال علي عليه السلام فرزقني الله الظفر عليهم حتى قتل منهم من قتل . ثم أجابوا إلى ما كان عرض عليهم فدخلوا في الإسلام وأطاعوا بالصدقة وأتى بشر منهم للدين وعلمهم قراءة القرآن . فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافيه في الموسم فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي عليه السلام بذلك .
قال فحدثني سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن يونس بن ميسرة بن حليس قال لما قدم علي بن أبي طالب عليه السلام
اليمن خطب به وبلغ كعب الأحبار قيامه بخطبته فأقبل على راحلته في حلة معه حبر من أحبار اليهود ، حتى استمعا له فواقفاه وهو يقول إن من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار . قال كعب صدق فقال علي : وفيهم من لا يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار . فقال كعب صدق فقال علي عليه السلام ومن يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة . فقال كعب صدق فقال الحبر وكيف تصدقه ؟ قال أما قوله " من الناس من يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار " فهو المؤمن بالكتاب الأول ولا يؤمن بالكتاب الآخر . وأما قوله " منهم من لا يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار " فهو الذي لا يؤمن بالكتاب الأول ولا الآخر . وأما قوله " من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة " فهو ما يقبل الله من الصدقات . قال وهو مثل رأيته بين قالوا : وجاء كعبا سائل فأعطاه حلته ومضى الحبر مغضبا ؟ ومثلت بين يدي كعب امرأة تقول من يبادل راحلة براحلة ؟ قال كعب وزيادة حلة ؟ قالت نعم فأخذ كعب وأعطى ، وركب الراحلة ولبس الحلة ، - ص 1083 - وأسرع السير حتى لحق الحبر وهو يقول من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة
قال فحدثني إسحاق بن عبد الله بن نسطاس عن عمرو بن عبد الله العبسي قال قال كعب الأحبار : لما قدم علي عليه السلام
اليمن ، لقيته فقلت : أخبرني عن صفة محمد . فجعل يخبرني عنه وجعلت أتبسم فقال مم تتبسم فقلت : مما يوافق عندنا من صفته . فقال ما يحل وما يحرم فقلت : فهو عندنا كما وصفت وصدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به . ودعوت من قبلنا من أحبارنا ، وأخرجت إليهم سفرا فقلت : هذا كان أبي يختمه علي ويقول لا تفتحه حتى تسمع بنبي يخرج بيثرب . قال فأقمت باليمن على إسلامي حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي أبو بكر رضي الله عنه فقدمت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويا ليت أني كنت تقدمت في الهجرة 

 
بَابٌ مَا جَاءَ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ الصّدَقَاتِ

باب ما جاء فيما يؤخذ من الصدقات

- ص 1084 - أخبرنا ابن أبي حية قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي ، قال حدثنا الواقدي قال حدثني سالم مولى ثابت عن يحيى بن شبل قال قرأت كتابا عند أبي جعفر فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به
محمد رسول الله ، أن يؤخذ من صدقات المسلمين من سوائم مواشيهم من كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت ففيها شاة إلى المائتين فإذا زادت ففيها ثلاث إلى ثلاثمائة فإذا زادت شاة ففي كل مائة شاة شاة . وفي صدقة الإبل في أربع وعشرين فما دونها الغنم في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين . ففيها بنت مخاض فإن لم يوجد بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ ستا وثلاثين فإذا بلغت ستة وثلاثين ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ ستا وأربعين ففيها حقة إلى أن تبلغ إحدى وستين ففيها جذعة إلى أن تبلغ ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا تيس ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرقين وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية . فإذا زادت الإبل على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وليس فيما دون ثلاثين من البقر صدقة وفي كل ثلاثين جذع - ص 1085 - أو جذعة في كل أربعين مسنة . وفيما سقت السماء أو سقي بالغيل العشر وما سقي بالغرب نصف العشر ومن كان على يهودية أو نصرانية لم يفتن عنها ، وأخذ منه دينار على كل حالم أو عدله من المعافري . قال حدثنا إبراهيم بن أبي بكر بن المكيدر عن حسين بن أبي بشير المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال كنا مع علي عليه السلام باليمن فرأيته يأخذ الحب من الحب والبعير من الإبل والشاء من الغنم والبقرة من البقر والزبيب من الزبيب وكان لا يكلف الناس مشقة وكان يأتيهم في أفنيتهم فيصدق مواشيهم ويأمر من يسقب بذلك وكان لا يفرق الماشية كان يقعد فما أتي به من شاة فيها رفاء له أخذها ، ويأمر من يسقب بذلك ويقسم على فقرائهم - يسقب يسعى عليهم - يأخذ الصدقة من هاهنا ومن هاهنا ; يعرفهم .
قال حدثنا الحارث بن محمد الفهري عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن رجاء بن حيوة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن سعيد بن العاص مع رسل
حمير ، وبعث عليا عليه السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اجتمعتما في مكيدة فعلي على الناس وإن افترقتما فكل على حدة قال رجاء وكان قد قضى بها قضية دية النفس مائة من الإبل على أهل الإبل وألفي شاة على أهل الغنم مائتي جذعة - أي ثم ضالع الشاة جذعة ثم ثنية - ومائتي بقرة نصفها تبيع ونصفها مسان . وعلى أهل الحلل ألفي ثوب معافرية .
- ص 1086 - قالوا : احتفر قوم
باليمن بئرا ، فأصبحوا وقد سقط فيها أسد ، فأصبح الناس ينظرون إليه فسقط إنسان في البئر فتعلق بآخر فتعلق الآخر بآخر حتى كانوا في البئر أربعة فحرب الأسد بهم فقتلهم فأهوى له رجل برمحه فقتله . فقال الناس الأول عليه ديتهم فهو قتلهم . فأرادوا يقبلون فمر بهم علي عليه السلام فقال أنا أقضي بينكم بقضاء فمن رضي فهو إلى قضائه ومن تجاوز إلى غيره فلا حق له حتى يكون النبي صلى الله عليه وسلم يقضي فيكم اجمعوا من حضر البئر من الناس فجمعوا كل من حضر البئر ثم قال ربع دية وثلث دية ونصف دية ودية تامة فالأسفل ربع دية من أجل أنه هلك من فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لأنه هلك اثنان وللثالث نصف الدية من أنه هلك فوقه واحد وللأول الدية كاملة . فإن رضيتم فهو بينكم قضاء وإن لم ترضوا فلا حق لكم حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقضي بينكم . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وهم عشرة نفر فجلسوا بين يديه وقصوا عليه خبرهم فقال أنا أقضي بينكم إن شاء الله فقام أحد النفر فقال يا رسول الله إن عليا قد قضى بيننا . فقال فيم قضى بينكم ؟ فأخبروه بما قضى به فقال هو ما قضى به . فقام القوم فقالوا : هذا قضاء من رسول الله . فلزم المقضي عليهم وسألهم عن الأسد أهي في بلادهم . فقالوا : يا رسول الله إنها لكثيرة تغير على ماشيتنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم عن الأسد ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال فإنه غدا على ابن لحواء فأكله فأقبلت عليه حواء فقالت ويلك ، أكلت ابني قال وما يمنعني أن آكل رزقا ساقه الله إلي . فأقبل - ص 1087 - آدم فقال ويلك ، تخاطبها وقد أكلت ابنها ؟ اخسأ فطأطأ رأسه فلذلك لا يمشي إلا مطأطئا رأسه . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئتم وظفت له وظيفة لا يعدوها إلى غيرها ، وإن شئتم تركته يجالسكم وتحذرون منه . فخلا بعضهم ببعض فقالوا : وظف له وظيفة . فقال بعضهم نخشى ألا يحملها قومنا ولا يطيعون بها ، فنكون قد قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قولا لا نفي به . فقالوا : يا رسول الله دعه يجالسنا ونتحذر منه . فقال فذاك فولى القوم راجعين إلى قومهم فلما قدموا على قومهم أخبروهم فقالوا : والله ما هديتم لرشدكم لو قبلتم ما وظف له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنتم منه . فهيئوا رجلا يبعثونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يلقاه الرسول .
قال وحدثني أبو
بكر بن عبد الله وحاتم بن إسماعيل مولى لآل الحارث بن كعب عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قدم علي عليه السلام من اليمن ، . فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك علي عليها فقالت " أمرني بهذا أبي قال علي ، وهو بالعراق فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشا على فاطمة للذي صنعت مستفتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي ذكرت عنه وأخبرته أني أنكرت ذلك عليها فقالت " أبي أمرني بذلك " . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت ماذا قلت حين فرضت الحج ؟ قال قلت : اللهم إني أهل بما أهل به رسولك قال - ص 1088 - فإن معي الهدي فلا تحل فكانت جماعة الهدي الذي جاء به علي عليه السلام والذي ساقه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة بدنة فحل الناس وقص من لم يكن معه هدي ثم نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه وأشرك عليا عليه السلام في هديه
 
حَجّةُ الْوَدَاعِ


عِيَادَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ بَعْدَ حَجّةِ الْوَدَاعِ

عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص بعد حجة الوداع

قال حدثني معمر ومحمد بن عبد الله ومالك عن الزهري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع أصابني ، فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي ، فأتصدق بثلثي مالي ؟ قال لا قلت : فالشطر ؟ قال لا ثم قال الثلث والثلث كثير إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون وإنك لن - ص 1116 - تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في في امرأتك فقلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ؟ فقال إنك إن تخلف فتعمل صالحا تزدد خيرا ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام أو يضر بك آخرون . اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة - يرثى له أن مات بمكة
قال فحدثني سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن محمد بن الأعرج ، قال خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد رجلا وقال إن مات سعد بمكة فلا تدفنه بها
قال فحدثني سفيان عن محمد بن قيس ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، قال قال سعد بن أبى وقاص للنبي صلى الله عليه وسلم أيكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها ؟ قال نعم
قال حدثني سفيان بن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن سعد قال مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها على فؤادي ثم قال إنك رجل مفئود - المفئود وجع الفؤاد - فائت الحارث بن كلدة أخا
ثقيف ، إنه رجل يطبب فمره فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن - أي يدقهن - ثم ليدلكك بهن 

 
غَزْوَةُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مُؤْتَةُ


غزوة أسامة بن زيد مؤتة

- ص 1117 - قالوا : لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجدا شديدا ; فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم ، وأمرهم بالانكماش في غزوهم . فتفرق المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد فقال يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم وأسرع السير تسبق
الخبر ، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فصدع وحم . فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال - ص 1118 - يا أسامة اغز بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا : اللهم اكفناهم واكفف بأسهم عنا فإن لقوكم قد أجلبوا وصيحوا . فعليكم بالسكينة والصمت ولا تنازعوا ولا تفشلوا فتذهب ريحكم . وقولوا : اللهم نحن عبادك وهم عبادك ، نواصينا ونواصيهم بيدك ، وإنما تغلبهم أنت واعلموا أن الجنة تحت البارقة
قال حدثني يحيى بن هشام بن عاصم الأسلمي عن المنذر بن جهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أسامة شن الغارة على أهل أبنى
قال فحدثني عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن أزهر بن عوف عن الزهري ، عن عروة عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يغير على أبنى صباحا وأن يحرق
قالوا : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة امض على اسم الله فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلمي ، فخرج به إلى بيت أسامة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة فعسكر بالجرف وضرب عسكره في سقاية سليمان اليوم . وجعل الناس يجدون بالخروج إلى العسكر فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ ولم يبق
أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ; وفي رجال من المهاجرين والأنصار عدة قتادة بن النعمان ، وسلمة بن أسلم بن حريش . فقال رجال من المهاجرين وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين ؟ فكثرت القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من - ص 1119 - تكلم به وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد ؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وايم الله إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي وإنهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول . وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنفذوا بعث أسامة ودخلت أم أيمن فقالت أي رسول الله ، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذوا بعث أسامة فمضى الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة فقبله ورسول - ص 1120 - الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يصبها على أسامة . قال فأعرف أنه كان يدعو لي . قال أسامة فرجعت إلى معسكري . فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيقا ، فجاءه أسامة فقال اغد على بركة الله فودعه أسامة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح وجعل نساءه يتماشطن سرورا براحته . فدخل أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي فأذن له فذهب إلى السنح ، وركب أسامة إلى معسكره وصاح في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر فانتهى إلى معسكره ونزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع النهار . فبينا أسامة يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن - وهي أمه - تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت فأقبل أسامة إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول . ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف المدينة ، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وألا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة . قال بريدة : فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال في بيت أسامة - ص 1121 - حتى توفي أسامة . فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد عن الإسلام قال أبو بكر رضي الله عنه لأسامة رحمة الله عليه انفذ في وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الناس بالخروج وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول فشق على كبار المهاجرين الأولين ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص ، وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد ، فقالوا : يا خليفة رسول الله إن العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر شيئا ، اجعلهم عدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم وأخرى ، لا نأمن على أهل المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء فلو استأنيت لغزو الروم حتى يضرب الإسلام بجرانه وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف ثم تبعث أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا فلما استوعب أبو بكر رضي الله عنه منهم كلامهم قال هل منكم أحد يريد أن يقول شيئا ؟ قالوا : لا ، قد سمعت مقالتنا . فقال والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت هذا البعث ولا بدأت بأول منه ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول أنفذوا جيش أسامة ولكن خصلة أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندنا ، فإنه لا غناء بنا عنه . والله ما أدري يفعل أسامة أم لا ، والله إن رأى لا أكرهه فعرف القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة ومشى أبو بكر رضي الله عنه إلى أسامة في بيته وكلمه أن يترك عمر ففعل - ص 1122 - أسامة وجعل يقول له أذنت ونفسك طيبة ؟ فقال أسامة نعم وخرج وأمر مناديه ينادي : عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لن أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشيا وأرسل إلى النفر من المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد .
وخرج أبو
بكر رضي الله عنه يشيع أسامة والمسلمين فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه - وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم ألف فرس - فسار أبو بكر رضي الله عنه إلى جنب أسامة ساعة ثم قال أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ; إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك ، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك عنه وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج سريعا فوطئ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام - جهينة وغيرها من قضاعة - فلما نزل وادي القرى قدم عينا له من بني عذرة يقال له حريث ، فخرج على صدر راحلته أمامه مغذا حتى انتهى إلى أبنى ; فنطر إلى ما هناك وارتاد الطريق ثم رجع سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى ، فأخبره أن الناس غارون ولا جموع لهم وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة .












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق