السبت، 21 أبريل 2018

أهم حوادث السنة التاسعة للهجرة

أهم حوادث السنة التاسعة للهجرة (377) (378)
بعث الجُباة للصّدقات :
روى الواقدي بسنده عن الزهري : أ نّه صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله لما رجع من فتح مكة وحُنين وعمرته في ذي القعدة إلى المدينة ، أقام فيها بقية ذي القعدة وذي الحجة ، فلما رأى هلال المحرّم 
بعث بُريدة بن الحُصَيب ـ أو كعب بن مالك ـ إلى أسلم وغِفار لجباية صدقاتهم(1).
وبعث عَبّاد بن بِشر الأشهليّ إلى سليم ومُزينة .
وبعث رافع بن مكيث إلى جُهينة .
وبعث الضحّاك بن سفيان الكلابي إلى بني كلاب .
وبعث ابن اللُتيبية الأزديّ إلى بني ذُبيان .
وبعث عمرو بن العاص إلى فَزارة .
وبعث بُسر بن سفيان الكعبي ـ أو نُعيم بن عبد اللّه العدوي ـ إلى بني كعب الخزاعيين ، فوجدهم على عُسفان أو على غدير بذات الأشطاط ( قرب الحديبية )
(1) هذا وآية أخذه الصدقات هي الآية 102 من سورة التوبة النازلة بعد تبوك في التاسعة وعليه فهذا أيضا من التشريع بالسنة المصدّق بالقرآن فيما بعد . (379)
وقد حلّ معهم على الماء بنو جُهيم من بني تميم وبنو عمرو من بني تميم . فأمر بجمع مواشي خُزاعة ليأخذ منهم الصدقة، فجمعت خزاعة الصدقة من كل ناحية، فقال لهم بنوتميم: تؤخذ أموالكم منكم بالباطل؟! فقال الخزاعيون: نحن قوم ندين بدين الإسلام، وهذا من ديننا . وقال التميميون : واللّه لا يصل إلى بعير منها أبداً ! وتجمّعوا وتقلدوا أقواسهم وشهروا سيوفهم ! فلما رآهم المصدّق خافهم فانطلق مولّياً وهرب منهم(1) .
فقدم المصدّق على النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله فقال : يا رسولَ اللّه ، إنّما كنت في ثلاثة نفر . فوثبت خُزاعة على التميميين فأخرجوهم من محالّهم وقالوا : لولا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم ، ليدخلنّ علينا بلاء من عداوة محمد وعلى أنفسِكم حيث تعرضون لرُسل رسول اللّه تردّونهم عن صدقات أموالنا . فخرجوا إلى بلادهم .
غزو الفزاري لبني تميم في المحرّم(2) :
فقال رسول اللّه صلى ‏الله‏ عليه‏ و‏آله : مَن لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا ؟ فانتدب أوّل الناس عُيينة بن حِصن الفَزاريّ فقال : أنا واللّه لهم ، أتبَع آثارهم ولو بلغوا يَبرين ( في ديار بني سعد ) حتى آتيك بهم إن شاء اللّه ، فترى فيهم رأيك .
فبعثه رسول اللّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في خمسين فارساً من العرب من غير المهاجرين والأنصار ، فكان يسير بالليل ويكمن لهم بالنهار ، خرج على ثنيّة ركوبة حتى انتهى إلى موضع العرج فوجدهم قد رحلوا إلى أرض بني سُليم ، فخرج في أثرهم فوجدهم بعد السُقيا في صحراء قد حلّوا وسرّحوا مواشيهم ، فلما رأوا الجمع ولّوا ، فأخذوا منهم أحد عشر رجلاً ، وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيّاً ، فحملهم إلى المدينة ، فحُبسوا في دار رملة بنت الحارث .
(1) هذا سوى خبر الوليد بن عقبة مع بني وليعة أو بني المصطلق من خزاعة وسيأتي .
(2) ذلك انّه انّما كان تمرّدا داخل الدولة الإسلامية لا غزوا . (380)
فقدم عشرة من رؤسائهم منهم : الأقرع بن حابس التميمي ، والزِّبرِقان بن بدر(1) ، والعُطارد بن حاجب ، وقيس بن الحارث ورياح بن الحارث بن مجاشع ، وعمرو بن الأهتم ، وقيس بن عاصم ، ونُعيم بن سعد . فدخلوا المسجد قبل الظهر وسألوا عن سبيهم فاُخبروا بهم أنهم في دار رملة بنت الحارث ، فأتوهم فبكى النساء والأولاد ، فرجعوا إلى المسجد وقد أذّن بلال بأذان الظهر الأول ، ورسول اللّه يومئذٍ في بيت عائشة والناس ينتظرون خروج رسول اللّه ، فتعجّلوا خروجه فنادوا : يا محمد ! اخرج إلينا ! فقام إليهم بلال وقال : إنّ رسول اللّه يخرج الآن ! فخرج رسول اللّه ، وأقام بلال للصلاة ، وهم تعلّقوا به يقولون : أتيناك بخطيبِنا وشاعرنا فاسمع منّا ! فتبسّم لهم النبيّ(2) ثم مضى فصلّى بالناس الظهر ، ثم انصرف إلى بيته ثم خرج فجلس في صحن المجلس ، فأقبلوا عليه وقدّموا عُطارد بن حاجب خطيبهم فقام فقال :
الحمد للّه الذي له الفضل علينا ، والذي جعلنا ملوكاً ، وأعطانا الأموال نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعزّ أهل المشرق وأكثرهم مالاً وعدداً ، فمَن مثلنا في الناس ؟ ألسنا برؤوس الناس وذوي فضلهم ؟ فمَن يفاخر فليَعْدُدْ مثل ما عَددْنا ، ولو شئنا لأكثرنا من الكلام ولكنّا نستحي من الإكثار فيما أعطانا اللّه . أقول قولي هذا لأن يؤتى بقول هو أفضل من قولنا . وجلس . فالتفت رسول اللّه صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله إلى ثابت بن قيس ـ وكان من أجهر الناس صوتاً ـ فقال له : قم فأجب خطيبهم .
فقام ثابت فقال ارتجالاً : الحمد للّه الذي السموات والأرض خَلقه ، قضى فيها أمرَه ، ووسع كلَّ شيء علمُه ، فلم يك شيء إلاّ من فضله . ثم كان مما قدّر اللّه أن
(1) اسمه : الحُصين بن بدر والزِّبرِقان لقبه بمعنى القمر ، لجماله 
(2) أو قال لهم : ما بالشِعر بُعثت ، ولا بالفخار اُمرت ، ولكن هاتوا . كما في أسباب النزول للواحدي : 325 عن جابر الأنصاري . (381)
جعلنا ملوكاً ، واصطفى لنا من خلقه رسولاً ، أكرمهم نسباً ، وأحسنهم زِيّاً ، وأصدقهم حديثاً . أنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، وكان خيرَتَه من عباده ، فدعا إلى الإيمان ، فآمن المهاجرون من قومه وذوي رحمِه . أصبح الناس وجهاً ، وأفضل الناس فِعالاً ، ثم كنّا أوّلَ الناس إجابة حين دعا رسول اللّه ،فنحن أنصار اللّه ورسوله ، نقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فمَن آمن باللّه ورسوله منع منّا مالَه ودمَه ، ومَن كفر باللّه جاهدناه في ذلك وكان قتله علينا يسيراً . أقول قولي هذا واستغفر اللّه للمؤمنين والمؤمنات . ثم جلس .
فقالوا : يا رسولَ اللّه ائذن لشاعرنا . فأذن له . فأقاموا الزبْرقان فقال :
نحن الملوك فلا حيّ يقاربنا فينا الملوك ، وفينا تُنصَب البيَع
وكم قسَرنا من الأحياء كُلّهِمُ عند النِّهاب وفضل الخير يُتّبع
ونحن نُطعم عند القحط ما أكلوا من السَديف إذا لم يؤنَس القزَعُ(1)
وكان رسول اللّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قد أمر بوضع مِنبر في المسجد ( منذ عام ) فالتفت إلى حسّان بن ثابت وقال له : أجبهم ، فقال :
إنّ الذوائب من فهر واخوتهم قد بيّنوا سُنّةً للناس تُتَّبع
يرضى بهم كلّ من كانت سريرته تقوى الإله ، وبالأمر الذي شرعوا
قوم إذا حاربوا ضرّوا عدوّهم أو حاولوا النفع في أشياعهم ، نفعوا
سجيةٌ تلك منهم غير مُحدَثةٍ إنّ الخلائق ـ فاعلم ـ شرّها البدع
إن كان في الناس سبّاقون بعدهم فكل سبق لأدنى سبقهم تَبع
(1) القزع : سحاب الخريف .
(2) الكوم : جمع الكوماء : الناقة عظيمة السنام . عبطاً : اعتباطاً بلا حساب . الاُرومة : الأصل . (382)
لا يرقع الناسُ ما أوْهَتْ أكفُّهم عند الدفاع ، ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوماً فاز سبقُهم أو وازنوا أهل مجد بالندى ارتفعوا
أعفّة ذُكرت في الوحي عفّتُهم لا يطبَعون(1) ولا يُرديهم طمعُ
إلى عشرة أبيات اُخرى .
وسُرّ رسول اللّه والمسلمون بخطاب ثابت وشعر حسّان ، وقال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لحسّان : إنّ اللّه ليؤيّد حسّان بروح القدُس ما دافع عن نبيّه !(2) .
وفي خبر جابر الأنصاري قال : قال حسّان :
نصرنا رسولَ اللّه والدين عنوةً على رغم سارٍ من مِعَدٍ وحاضرِ
ألسنا نخوض الموت في حومة الوغى إذا طاب ورد الموت بين العساكرِ
ونضرب هام الدارعين، وننتمي إلى حَسَبٍ من جرم غسّان قاهرِ
فلولا حياء اللّه قلنا تكرّما على الناس بالحقّين : هل من منافِرِ؟
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى وأمواتنا من خير أهل المقابرِ
فقام الأقرع بن حابس فقال للنبيّ : إنّي واللّه لقد جئت لأمرٍ ما جاء له هؤلاء وقد قلت شعرا فاسمعه. فقال له : هات. فقال :
أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا إذا فاخرونا عند ذكر المكارمِ
وأ نّا رؤوس الناس في كلّ مشعرٍ وأن ليس في أرض الحجاز كوارمِ
وأنّ لنا المرباع في كلّ غارةٍ تكون بنجدٍ أو بأرض التمائمِ 
................................
(1) الطبع هنا : الدنَس.
(2) مغازي الواقدي 2 : 973 ـ 979 . وفي روضة الكافي : 88 ح 75 ورجال الكشي : 57 ح 365 باسنادهما عن الباقر عليه‏السلام قال : قال رسول اللّه لحسّان بن ثابت : لا يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا ولعلّها اشارة غيبيّة الى سوء عاقبته كما في الارشاد 1 : 177 وسفينة البحار 2 : 252 . (383)
فقال رسول اللّه لحسّان : قم يا حسّان فأجب. فقام وقال :
بني دارمٍ لا تفخروا، إنّ فخركم يعود وَبالاً عند ذكر المكارمِ
هبلتم، علينا تفخرون وأنتمُ لنا خَوَلٌ من بين ظئرٍ وخادمِ(1)
فقام الأقرع بن حابس فقال : إنّ محمّدا لمؤتى له، واللّه ما أدري ما هذا الأمر ! تكلّم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلّم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر ! ثمّ دنا منه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فقال : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأ نّك رسول اللّه. فقال له النبيّ : ما نصرك ما قبل هذا . ثمّ أعطاهم رسول اللّه وكساهم(2).
وأورد الواقدي تفصيل عطائه قال : كان صلى‏الله‏عليه‏و‏آله إذا قدم عليه وفد يجيزهم بعطاياه ويفاضل بينهم في ذلك بما يرى . وردّ على وفد بني دارم من تميم سبيهم وأساراهم ، وأمر لهم بجوائز ، فكانت جوائزهم لكلّ واحدٍ منهم اثنا عشر أوقية فضّة ونصف الأوقية ! فلمّـا أعطوهم قال لهم : هل بقي منكم من لم نُجِزْه ؟ قالوا : غلامٌ في الرحل . فقال : أرسِلوه نُجِزْه . فقال قيس بن عاصم : إنّه غلامٌ لا شرف له ( أي لا فضل له ) فقال : وإن كان، فإنّه وافدٌ وله حقّ ! فأرسلوه ، وهو عمرو بن الأهتم ، فأعطاه خمس أواقي (3) . ثمّ لم يذكروا من أمر صدقاتهم شيئا ! وعليه فالرسول صلى‏ الله ‏عليه‏ و‏آله لمّا امتنع هؤلاء من الزكاة غزاهم وسباهم ولم يقاتلهم ويقتلهم(3) .
(1) هبلتم : هلكتم. خَوَل : خَدَم. ظِئر : مرضعة أو مربّية.
(2) أسباب النزول للواحدي : 326 ـ 328.
(3) مغازي الواقدي 2 : 979 ، 980. والأوقية : 213 غراما. وابن إسحاق في السيرة î؛ 4 : 205 ـ 213 ذكر خبر بني تميم بعنوان الوفد بدون خبر الصدقة واعتراضهم على أخذها من خزاعة ! وغزوهم وسباياهم. (384)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق