السبت، 21 أبريل 2018

موسوعة التاريخ الاسلامي، الجزء 3: العصر النبوي - العهد المدني


موسوعة التاريخ الاسلامي، الجزء 3: العصر النبوي - العهد المدني  أهم حوادث السنة الثامنة للهجرة 
تحقيق و تأليف: محمد هادي اليوسفي الغروي
الناشر: مجمع الفکر الإسلامي
الطبعة: 1421 ق.
أهم حوادث السنة الثامنة للهجرة (139) (140)
اتخاذ المنبر للنبيّ :
أظنّ أنّ ذلك التجليل القرآني الخاص للنبيّ صلى ‏الله ‏عليه‏ و‏آله كان السبب في أن : قال له بعض أهله أو أصحابه : يا رسول اللّه ، إنّ الناس قد كثروا ، وانّهم يحبّون النظر إليك إذا خطبت ـ وكان في خُطبه يستند إلى جذع من أساطين المسجد ـ فلو أذنت أن نعمل لك مِنبراً له مراقي ترقاها فيراك الناس إذا خطبت ؟ فأذن في ذلك(1)  
وروى عن جابر الأنصاري : أنّ القائل امرأة من الأنصار تدعى عائشة كان لها غلام روميّ نجّار يدعى باقوم .. فلما أذن وصنع وله ثلاث مراق جيء به إلى المسجد يوم الجمعة من أوائل السنة الثامنة(2) . ومرّ النبيّ بالجذع وتجاوزه إلى المنبر فصعده ، فلما استوى عليه حنّ ذلك الجذع ! فلما رأى رسول اللّه ذلك نزل عن المنبر وأتى الجذع واحتضنه ومسح عليه بيده وقال له : اسكن ، فما تجاوزك رسول اللّه
(2) بحار الأنوار 21 : 47 عن المنتقى للكازروني . (141)
تهاوناً بك ولا استخفافاً بحرمتك ، ولك جلالك وفضلك إذ كنت مستند رسول اللّه ، ولكن ليتمّ لعباد اللّه مصلحتهم . فهدأ حنينه ، وعاد رسول اللّه إلى منبره(1) .
إسلام خالد وعمرو بن العاص :
مرّ في أخبار عمرة القضاء صدر الخبر عن بداية إسلام خالد بن الوليد المخزومي ، وكذلك صدر الخبر عن بداية إسلام عمرو بن العاص السهمي ، وحيث كان قدومهما المدينة في أوّل شهر صفر سنة ثمان ، لذلك أجّلت ذيول أخبارهم إلى حينها :
روى الواقدي عن خالد قال : لما أجمعتُ الخروج إلى رسول اللّه قلت في نفسي : من اُصاحب إلى رسول اللّه ؟ فلقيتُ صفوان بن اُمية فقلتُ له : يا أبا وهب ، أما ترى ما نحن فيه ؟ إنّما نحن أكَلَة رأس ( قلة ) وقد ظهر محمد على العرب والعجم ( كذا ) فلو قدمنا على محمد فاتّبعناه فانّ شرف محمد لنا شرف ( ! ) . فقال : لو لم يبق من قريش غيري ما اتّبعته أبداً ! وكان رجلاً موتوراً قد قتل أبوه وأخوه ببدر . وافترقنا .
فلقيت عِكرمة بن ابي جهل ، فقلت له مثل ما قلت لصفوان . فقال لي مثل ما قال صفوان ، فقلتُ له : فاطوِ ماذكرت لك . وخرجت إلى منزلي . فأمرت أن تخرج لي راحلتي ، فاُخرجَت إليّ ، فخرجت بها ..
إلى أن لقيت عثمان بن طلحة ( من بني الدار حملة لواء المشركين من قريش
(1) بحار الأنوار 17 : 326 عن التفسير وفيه 21 : 47 عن المنتقى فلما غُيّر بناء المسجد أخذ ذلك الجذع اُبيّ بن كعب إلى داره فاكلتْه الأرضة فعاد رُفاتاً وذكر المنبر الواقدي في مغازي الواقدي 2 : 979 في أوّل السنة التاسعة . (142)
مكة ببدر ، وسدَنة الكعبة ) فذكرت له ما صار الأمر إليه وقلت له نحواً مما قلت لصاحبَيه . فقال : لقد غدوتَ اليوم إليّ وأنا اُريد أن أغدُوا إليه ، وهذه راحلتي مُناخَة بفَخ(1) فتواعدنا أن نخرج سحراً فنلتقي في يأجَج .
فخرجنا سحراً ، والتقينا في يأجَج ولم يطلع الفجر ، وغدونا صباحاً حتى انتهينا إلى الهَدَّة فوجدنا فيها عمرو بن العاص ، فقال لنا : مرحباً بالقوم ! فقلنا : وبك ! فقال : أين مَسيركم ؟ فقلنا : وأنت ما أخرجك ؟ قال : فما الذي أخرجكم ؟ قلنا : الدخول في الإسلام واتّباع محمد ! قال : وذلك هو الذي أقدمني !(2) .
بينما روى عن عمرو بن العاص خبره لما كان بالحبشة حتى قال : ركبت معهم حتى انتهوا إلى الشُعَيبة ( على شاطئ البحر ) وكانت معي نفقة فابتعت بعيراً وخرجت من الشُعيبة اريد المدينة ، حتى مررت بمرِّ الظَّهران ، فمضيت حتى بلغت الهَدَّة ، فإذا أنا برجلين قد سبقاني إليها بغير كثير ، أحدهما قائم ممسك بالراحلتين والآخر ينصب خيمة فهو داخل فيها ، فنظرت وإذا ( القائم ) خالد بن الوليد ، فقلت : أبا سليمان ؟ قال : نعم . قلت : أين تريد ؟ قال : محمداً ، لقد دخل الناس في الإسلام فلم يبق أحد به طمعٌ ( في شيء ) واللّه لو أقمنا ( على شركنا ) لأخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضَّبْع في مغارتها ! فقلت : وأنا ـ واللّه ـ قد أردت محمداً وأردت الإسلام !
وخرج الآخر ( من الخيمة ) فإذا هو عثمان بن طلحة فرحّب بي ، فترافقنا حتى نزلنا ببئر أبي عِنَبة فلقينا رجلاً فما أنساه كان يصيح : يا رَباح ! يا رَباح ! فتفاءلنا بقوله ، ثم نظر إلينا فسمعته يقول : قد أعطت مكة المقادة بعد هذين ( يعنيني وخالداً ) ثم ولّى سريعاً إلى المدينة فكان أن بشَّر بقدومنا رسول اللّه .
(1) من الوديان القريبة من مكة ، وفيها قتل الحسين بن علي الحسني قتيل فخّ في ثورته على أوائل العباسيّين ، وفيها قبره .
(2) مغازي الواقدي 2 : 747 ، 748 . (143)
ثم نزلنا ( ظهر ) الحرَّة ( ظهراً ) فلبسنا من صالح ثيابنا ، ونودي بالحضر فانطلقنا جميعاً(1) قال خالد : فلقيني أخي فقال : أسرِع فان رسول اللّه قد اُخبر بك فسرَّ بقدومك ، وهو ينتظركم . فأسرعت المشي فطلعت عليه ، فما زال يتبسّم إليّ حتى وقفت عليه فسلّمت عليه بالنبوة ، فردّ عليّ السلام بوجه طلِق ، فقلت : إنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأ نّك رسول اللّه . فقال : الحمد للّه الذي هداك ! قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يُسلمك إلاّ إلى الخير . فقلت : يا رسول اللّه ، قد رأيتَ ما كنتُ أشهد من تلك المواطن عليك معانداً عن الحق ، فادعُ اللّه أن يغفرها لي . فقال رسول اللّه : الإسلام يجبّ ما قبله . فقلت : يا رسول اللّه ، مع ذلك .. فقال : اللهم اغفر لخالد كلّ ما أوضع فيه من صَدٍّ عن سبيلك(2) .
قال عمرو بن العاص : فتقدم خالد بن الوليد فبايع . ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع . ثم تقدّمت فلما جلست بين يديه ما استطعت أن أرفع طرْفي إليه حياءً منه ! فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي . فقال : إنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، والهجرة تجبّ ما قبلها(3) وكان قدومنا في صفر سنة ثمان(4) لهلال صفر(5) .
(1) مغازي الواقدي 2 : 744 .
(2) مغازي الواقدي 2 : 749 .
(3) مغازي الواقدي 2 : 745 .
(4) مغازي الواقدي 2 : 749 .
(5) مغازي الواقدي 2 : 745 . وروى ابن اسحاق خبر إسلام خالد وعمرو بسنده عن عمرو باختصار في السيرة 3 : 289 ـ 291 . ولقوله في أول الخبر : لما انصرفنا عن الخندق ، ذكره بعد الخندق ، بينما نصّ في آخر الخبر : وذلك قُبيل الفتح ! وذكر عن ابن الزّبعرى هجوا لخالد وعثمان بن طلحة ، ووصفه أنه كان سادن الكعبة وصاحب مفتاحها . (144)
سريّة إلى الكَديد :
روى الواقدي قال : في صفر سنة ثمان .. بعث رسول اللّه غالب بن عبد اللّه الليثي الكلبي في سريّة ( بضعة عشر رجلاً ) وأمره أن يشن الغارة على بني الملوَّح بالكَـديـد .
قال الراوي الجُهني : فخرجنا فمررنا بقُديد .. ثم سرنا حتى أتينا الكَديد عند غروب الشمس ، فكمنّا ناحية الوادي ، وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فصعدت تلاً مشرفاً على الوادي يطلعني عليهم .. ورجعت ماشية القوم من ابلهم وأغنامهم فحلبوها ، فلما اطمأ نّوا وهدؤوا .. ( وكان في وجه السَحَر ! ) شننّا الغارة عليهم ( وشعارنا : أمت أمت ) ، فقتلنا المقاتلة ، وسبينا الذُريّة ، واستقنا النعم والشاء فخرجنا نحدُوها قِبَل المدينة . وبنو الملوَّح كانوا من بني ليث .. فلما شننّا الغارة عليهم خرج صريخ منهم إلى قومهم ، فجاءنا ما لا قِبَل لنا بهم متوجّهين إلينا ، ونحن عند المشلَّل ( ثنيّة مشرفة على قُديد ) وايم اللّه ما رأينا مطراً ولا سحاباً ، ولكن اللّه جاء من حيث شاء بماء ملأ جانبي الوادي بيننا وبينهم بما لا يستطيع أحد منهم أن يجوزه ، فصعدنا المشلّل ففُتناهم وهم ينظرون إلينا(1) .
سريّة إلى أرض بني عامر :
وروى الواقدي قال : بعث رسول اللّه شجاع بن وهب في أربعة وعشرين رجلاً في شهر ربيع الأول سنة ثمان إلى جمع من هوازن ( وكانوا من الأحزاب ) وأمره أن يغير عليهم في السِّي من ناحية ركبة من أراضي بني عامر . فخرج ليلاً ، يسير الليل ويكمن النهار ، حتى طلع عليهم في الصباح ، فأمر أصحابه أن يغيروا
(1) سيرة ابن هشام 4 : 258 . (145)
عليهم وأن لا يوغلوا في الطلب . فأصابوا نَعماً وشاءً كثيراً فاستاقوه كلّه إلى المدينة .. واصابوا نسوة فاستاقوهن . واستمرت غيبتهم عن المدينة حتى رجعوا إليها بعد خمس عشرة ليلة . واقتسموا الغنيمة فكانت لكل رجل خمسة عشر بعيراً ، وكل بعير يعادل عشرة من الغنم(1) .
واقتسموا النسوة ، وكانت فيهن جارية وضيئة أخذها شجاع بن وهب بثمن فتزوّجها . ثم قدم وفدهم مسلمين ، وكلّموا رسول اللّه في السبّي ، فكلّم النبي في ذلك شجاع بن وهب وأصحابه فردّوهن إلى أصحابهن .. وخيّرها شجاع بن وهب فاختارت المقام عنده(2) .
سريّة إلى ذات أطلاح :
وروى الواقدي : أن رسول اللّه بعث كعب بن عُمير الغفاري في خمسة عشر رجلاً إلى ذات أطلاح من أرض الشام .. وكان كعب يكمن النهار ويسير الليل حتى دنا منهم . فرآه عين لهم فأخبرهم بقلة أصحاب النبي صلى اللّه عليه [ وآله ] وسلم ، فجاؤوهم على الخيول .. وكانوا جمعاً كثيراً ، فدعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا ، وقاتلوهم أشد قتال حتى قتلوا ، وتحامل جريح منهم في الليل فأفلت حتى أتى المدينة فأخبر رسول اللّه الخبر ، فشقّ ذلك على رسول اللّه وكان ذلك في شهر ربيع الأول سنة ثمان(3) .
(1) مغازي الواقدي 2 : 751 ـ 752 .
(2) مغازي الواقدي 2 : 753 ، 754 وتمامه : ولم يكن له منها ولد ، وقُتل عنها يوم اليمامة في 11 من الهجرة .
(3) مغازي الواقدي 2 : 753 . (146)
غزوة مُؤْتَة(1) :
سبب الحرب :
روى الواقدي قال : بعث رسول اللّه إلى ملك بُصرى(2) بكتاب ، مع الحارث ابن عمير الأزدي اللِّهبي ، فلما وصل في طريقه إلى مؤتة ، وكان عليها شُرحَبيل بن عمرو الغَسّاني(3) ، ظنّ بالحارث أنه من رُسل رسول اللّه فاعترضه وقال له : لعلك من رُسل محمد ؟ قال الحارث : نعم ، أنا رسولُ رسول اللّه . فأمر به أن يؤخذ فيُقتل ، فاُخذ وَقُتل ، ولم يقتل غيره من الرُسل .
وبلغ خبره إلى رسول اللّه فاشتدّ عليه ذلك .. وندب الناس ، فأخبرهم الخبر ، وكأ نّه طلب إليهم أن يخرجوا إلى مُعسكرهم ، فخرجوا وعسكروا بالجُرْف ، من دون أن يعيّن أميراً عليهم .
تعيين الاُمراء :
فلما صلى الظهر جلس ، وجلس أصحابه حوله(4) .
ففي رواية أبان بن عثمان الأحمر البجلي الكوفي عن الصادق عليه‏ السلام :أنه صلى ‏الله ‏عليه ‏و‏آله
(1) مؤتة : من قرى الشام بالبلقاء دون دمشق .
(2) بُصرى : هي مركز حوران من أعمال دمشق الشام ، وقد وردها النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مرتين وصالح أهلها المسلمين سنة ثلاث عشرة ، فهي أول مدن الشام فُتحت صلحاً .
(3) وغسّان من الأزد أيضاً 2 : 760 .
(4) مغازي الواقدي 2 : 755 ، 756 ولم يذكر غيره سبباً للحرب ، ولم يذكر الرسالة والرسول والغسّاني غيره ، وذكروه في الرجال : الاستيعاب بهامش الإصابة 1 : 305 والإصابة برقم 1459 واُسد الغابة 1 : 342 . (147)
استعمل عليهم جعفر بن أبي طالب ، فان قُتل فزيد بن حارثة الكلبي ، فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة(1) فان اُصيب عبد اللّه بن رواحة فليرتضِ المسلمون بينهم رجلاً فليجعلوه عليهم .. وعقد لهم رسول اللّه لواءً أبيض . وهم ثلاثة آلاف .
خطاب الرسول فيهم :
فلما أجمعوا المسير .. مشى الناس إليهم يودّعونهم ويدعون لهم .. وخطبهم رسول اللّه فقال لهم :
« اوصيكم بتقوى اللّه ، وبمن معكم من المسلمين خيراً .. اغزوا بسم اللّه وفي سبيل اللّه ، فقاتلوا من كفر باللّه ، ولا تغدروا ولا تغُلّوا ولا تقتلوا وليداً . وإذا لقيت عدوّك من المشركين ( كذا ) فادعُهم إلى احدى ثلاث ، فأيّتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، واكفف عنهم .
(1) إعلام الورى 1: 212 ومناقب آل أبي طالب 1: 205 وقال اليعقوبي 2: 65: قيل: كان المتقدم جعفراً ثم زيد بن حارثة ثم عبداللّه بن رواحة. وقال‏المعتزلي 15:62: اتفق المحدثون على أنّ زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك وقالوا: كان الأمير الأول جعفر بن أبيطالب فان قُتل فزيد بن حارثة فان قُتل فعبد اللّه بن رواحة ، ورووا في ذلك روايات. قال: وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن اسحاق في كتاب المغازي (كذا) ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه عن حسّان بن ثابت وهو:
فلا يُبعِدَن اللّه قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبد اللّه حين تتابعوا جميعاً وأسياف المنية تخطُر
ومنها قول كعب بن مالك الأنصاري :
ساروا أمام المسلمين كأ نّهم طود ، يقودهمُ الهِزَبرُ المُشبلُ
إذ يهتدون بـجعفـر ولـواؤه قدّام أولهم ، ونعم الأوّلُ
وهما في سيرة ابن هشام 4 : 26 ـ 27 . وفي الدرجات الرفيعة : 154 أنّ عقيل بن أبي طالب كان قد أقبل مسلما مهاجرا الى النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قبل الحديبية ، فشهد غزوة مؤتة مع أخيه جعفر عليه‏السلام . وانظر قاموس الرجال 2 : 604 . (148)
ادعُهم إلى الدخول في الإسلام ، فان فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم ؛ ثم ادعُهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين ، فان فعلوا فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين . وان دخلوا في الإسلام واختاروا دارهم ، فأخبرهم أن يكونوا كأعراب المسلمين : يجري عليهم حكم اللّه ، ولا يكون لهم في الفيء ولا الغنيمة شيء إلاّ أن يجاهدوا مع المسلمين . فإن أبوا فادعُهم إلى إعطاء الجزية ، فان فعلوا فاقبل منهم واكفف عنهم . فإن أبوا فاستعِن باللّه وقاتلهم .
وإن أنت حاصرت أهل حِصن أو مدينة فأرادوك أن تستنزلهم على حكم اللّه ، فلا تستنزلهم على حكم اللّه ، ولكن أنزلهم على حكمك ، فانك لا تدري أتصيب حكم اللّه فيهم أم لا ؟
وإن حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوك أن تجعل لهم ذمّة اللّه وذمّة رسوله ، فلا تجعل لهم ذمة اللّه ولا ذمة رسوله ، ولكن اجعل لهم ذمّتك وذمّة أبيك وذمّة أصحابك ، فانكم إن تُخْفِروا ذمتكم وذِمَم آبائكم خير لكم من أن تُخْفِروا ذمّة اللّه ورسوله » .
وخرج النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنيّة الوداع(1) فوقف ووقفوا حوله فخطبهم ثانية فقال لهم :
خطبة الوداع :
« اغزوا بسم اللّه ، فقاتلوا عدوّ اللّه وعدوّكم بالشام ، وستجدون فيها رجالاً معتزلين للناس في الصوامع فلا تعرضوا لهم ، وستجدون آخرين في رؤوسهم للشيطان مفاحص فاقلعوها بالسيوف .. ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً مُرضعاً ولا كبيراً فانياً ، ولا تغرقُنّ نخلاً ، ولا تقطعُنّ شجراً ، ولا تهدموا بيتاً » .
(1) يلاحظ أن ثنية الوداع على جهة الشام لا مكة ، كما مرّ سابقاً . (149)
فهرس الکتاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق